صفقة القرن - مخبأ لفقدان الاستراتيجيه

بقلم: رائف حسين

تكاد لا تشرق شمس صباحاً الا وتطل علينا الصحافه العربيه والصحافه الفلسطينيه على وجهه الخصوص بمقالات وتحليلات تربط من بعيد ومن قريب كل شيء حول حدث سياسي معين او تصريح سياسي بصفقة القرن … وأصبحت هاتان الكلمتان كالجوكر في لعبة الورق تصلح لكل حركة ولكل تعليل ويلجأ لها السياسي لإخفاء فقدانه لاجوبه صحيحه على الأسئلة الملحه ويلجأ لها المحلل والصحفي لإعطاء مقاله زخماً سياسياً.

منذ إطلاق هذا البالون التجريبي، كما اسميه، من قبل إدارة الرئيس الامريكي ترامب لجس نبض الشارع السياسي العربي والفلسطيني ومراقبة ردات الفعل الرسميه بالشرق والكل بشرقنا العربي يضرب بالمندب ليقرأ بين السطور ما يمكن ان تحتويه هذه الصفقه المجهولة . أحداً منهم، أمريكي وعربي وأوروبي، لم يستطع ان يفصح لنا حتى كتابة هذه السطور ، عن محتوى هذه الصفقه … باختصار لا توجد تفاصيل ولا يوجد محتوى … الكل يركض وراء سراب والأمريكي وحليفه الاسرائيلي ينتظران كيف تتحرك السياسه والمجتمع في الشرق ويرصدون كل خطوة وكل ردة فعل لتأتي استراتيجيتهم المستقبليه، ان أتت اصلاً، على المقاس المطلوب.

منذ الإعلان عن صفقه القرن، او كما سماها ترامب بداية ؛ الصفقة النهائية، بخبر قصير والعالم ينتظر تفاصيلها … الإدارة الامريكيه، التي تفتقد اصلاً لاستراتيجية واضحة للشرق الاوسط بعد ان فشل مشروعها الاخواني المرتبط بالعثمانية الجديده وفشل حلفاءها، من سعوديين وقطريين وأتراك وصهاينه ومتصهينين، من زعزعة وتقسيم الشرق الاوسط كما خطط له المحافظون الجدد وفِي ظل التموضع الروسي والتقدم لحلف المقاومة، تتوعد إدارة ترامب بين الحين والآخر بقرب إعلانها عن تفاصيل الصفقه وفِي كل مرة والكل ينتظرالتفاصيل تزداد القراءات في فنجان القهوه والتكهنات في الشرق العربي.

من الواضح والذي لا يحتاج الى حنكة سياسيه عاليه ولا الى قوة تحليل استراتيجي عاليه، هو ان أية صفقه لإعادة ترتيب الشرق الاوسط لا بد لها ان تبدأ وتنتهي بالقضية الفلسطينيه . هذه القضية التي يعتبرها الجميع وبدون استثناء انها مفتاح السلام والاستقرار ومفتاح الحرب والفوضى في الشرق الاوسط وان لا حل ممكن لهذه القضية دون شريك فلسطيني .

الادارة الامريكيه وشريكها الاسرائيلي أطلقت كل ما في جعبتها من خطط ومشاريع وأسلحة ودسائس للاتيان بشريك فلسطيني يوافق على تصوراتهم للإجهاز على القضية الفلسطينيه وفشلت حتى الان … الكل الفلسطيني من الرئيس محمود عباس وحركة فتح مرورا بالفصائل اليسارية الديمقراطيه وصولا الى حماس وفصائل الاسلام السياسي رفضت الانجرار وراء الإغراءات والتهديدات والوعود الامريكيه والاسرائيليه واعلنت مراراً وتكراراً عدم القبول باقل ما نصت عليه قرارات الامم المتحدة ومجلس أمنها لحل القضية الفلسطينيه والوصول الى سلام توفيقي مع دولة الاحتلال .

ان افترضنا ان اصحاب الرأي الشائع بان العمل قد بدا منذ زمن بصفقة القرن كأنو على حق فدعونا اذا ان نتطرق الى هذه التطبيقات وتمحيص نجاحها وفشلها :

اولاً بعد فشل مشروع الأخونه والعثمانية الجديدة وانحصار دور الاخوان بالشرق وتراجع دور الراعي القطري وارباك الراعي التركي بمشاكل سياسية واقتصادية داخلية أتت الادارة الامريكيه بالأمير محمد بن سلمان ونصبته ولياً للعهد في السعودية ليكون اداة لينة بايديهم لزيادة وحشية الحرب على اليمن وسوريا وتحجيم الدور الإيراني بالمنطقه كبداية لرفع وتيرة الضغط على الطرف الفلسطيني لقبول ما يعرض عليه من فتات كونه، هكذا كان تخطيطهم، اصبح بدون داعم لقضيته ومطالبه الوطنيه بالمنطقه … محمد بن سلمان الذي وعد بالإتيان بالشريك الفلسطيني ليوقع على الصفقه فشل فشلاً ذريعاً في كل الجبهات … اليمن ما زالت صامدة امام العدوان وقوة اليمن وشعب اليمن تزداد يوما بعد يوم وسوريا من نجاح الى نجاح وحلف المقاومة وعلى راْسه ايران وحزب الله وصلوا الى ذروة تحقيق اهدافهم والعقوبات والشيطنة لم تثنيهم عن الصمود والتقدم على كل الجبهات، في سوريا ولبنان والعراق … محمد بن سلمان لم يستطع ان يأتي بطرف فلسطيني يوقع معه على ما اراده ترامب ووقع هو بقضية الخاشوقجي في كمين سوف يطيح به من كرسي العرش السعودي وأصبح همه الوحيد ان ينقذ نفسه وعرشه بعد ان دفع الغالي والرخيص للأمريكي لحمايته ودعمه في مشروعه الشيطاني الساقط .

ثانيا محاولة اسرائيل جر حلف المقاومة الى حرب مفتوحة تنتهي باتفاق وقف إطلاق نار وبعدها بداية جديدة بمفاوضات حول القضية الفلسطينيه من موقع قوه قد فشل ايضاً وادكرت قوى المقاومة مغزى هذه اللعبه وامتصت الاعتداءات الاسرائيليه وا قدمت على إرسال رسائل ناريه نوعيه اجبرت أسرائيل بعدها الى التراجع والاكتفاء بالتحرش بغزة تارة وبسوريا تارة اخرى لتحفظ ماء وجهها محاولة بعرض عضلاتها الحفاظ على اقل ما يمكن من استراتيجية الردع التي كسرت اصلاً في حربها الاخيره على لبنان وعدوانها المتتالي على قطاع غزه .

ثالثاً اعتراف الولايات المتحده بالقدس عاصمة ابدية لإسرائيل ونقل سفارتها للقدس عملا بقرار الكونغرس من سنة 1995 كان برأيي خطوة من موقع ضعيف كوّن امريكاً وحلفاءها بالمنطقة لم يستطيعوا خلال العشر سنوات الماضية تحقيق اَي إنجاز يذكر لوضع الفلسطينيين بالزاويه وإجبارهم على القبول بالفتات الاسرئامريكي … امريكاً التي أصبحت بعصر ترامب تختبأ كإسرائيل وراء جدران من الإسمنت والأسلاك الشائكة أصبحت عالمياً معزولة منبوذة ولَم تستطع ان تقنع بخطوتها اَي من حلفاءها بنقل السفارات للقدس، لم يستجب لها سوى ثلاث دول صغيره … العالم الغربي وآسيا وافريقيا وروسيا والعالم الاسلامي كلهم رفضوا الفكرة وادانوها وتراجعت اورغواي عن خطوتها وأغلقت سفارتها بالقدس .

رابعاً محاولة امريكاً رفع وتيرة الضغط على القيادة الفلسطينية بسحب دعمها لوكالة الأنروا تم تجاوزه بتعهد من دول غربية ودوّل اخرى بتغطية القسم الأكبر من الثغرة التي تركها خروج الولايات المتحدة من التزاماتها … ورغم ان الدول العربيه لم تشارك في تغطية العجز الا ان هذا لا ينقص من النجاح الذي حققته الدبلوماسية الفلسطينيه في مواجهة الضغط الامريكي والعنجهية الإسرائيلية .

 

ان كانت هذه خطوات تطبيق صفقة القرن كما يزعم البعض فهذه الخطوات بائت كلها بالفشل ولَم يبقى منها الى سراب تتناقله وسائل الاعلام الشرقيه صباحا مساءاً ويلوح به سياسيو الشرق كونهم لا يملكون استراتيجية مستقبلية واضحه لدولهم وشعوبهم … نعم محاولة ربط كل صغير وكبير بالحالة الفلسطينيه بشكل خاص وفِي الشرق الاوسط بشكل عام في صفقة القرن الهلامية ما هو الى اختباء وراء تلة رمل في صحراء وبرهان عن أزمة حقيقية تحيط في النظام السياسي الفلسطيني والنظام العربي كله .

التعاطي مع صفقة القرن الهلامية المهزومة يكون باستراتيجية واضحه المعالم وليس بالترويج لها اعلاميا صباحاً مساءاً وبتجاهلها كما يفعل الاعلام الغربي والاسرائيلي كونهم يعرفون انها وبدون شريك فلسطيني لا تسوى الحبر الذي ستكتب به …

الاستراتيجية الفلسطينيه يجب ان تكون بمحورين أساسيين :

أولاً الإسراع برفع الوطن والمصلحة الوطنية فوق الحزب والمصلحة الفئويه بتجاوز الانقسام ومواجهة كل اذى بصوت واحد وشرعية واحده وبنظام سياسي عصري مبني على الشراكة ونابذ للإقصاء والهيمنه

ثانيا التعاطي الإيجابي التكتيكتي وهذا لا يتم فقط برفض المجهول وإعطاء العدو من أمريكي واسرائيلي وانظمة عربيه حجج لاظهار الفلسطيني بانه عدمي وانه ليس بأهل بان يكون شريك … الجواب الصحيح على فقاعات صفقة القرن التي تنشر هنا وهناك يكون بجواب فلسطيني رسمي واضح : نحن مستعدون لأي حل يُؤْمِن للشعب الفلسطيني حق تقرير مصيرة وعودة لاجئيه وبناء دولته المستقله كاملة السيادة ضمن حدوده المعروفه ووفق قرارات مجلس الأمن والقانون الدولي

مقال بصفحة 77

الكاتب والمحلل والباحث السياسي رائف حسين‪- المانيا

25/10/2018