لم تكن كلمات الرئيس عباس المتتالية والتي تصب في سياق واحد الا اعلانا رسميا بفشل اتفاقية اوسلو وأيا كان مصدر الفشل واعلانا لفشل المفاوضات رسميا وفشل حل الدولتين وصوابية من عارضوا اتفاقية اوسلو وارهاصاتها الاولية التي طغت على البرنامج الوطني سلوكا وممارسة ونهجا. قد تحمل الواقع الذاتية للشعب الفلسطيني التداعيات التي خلفها اتفاق اوسلو وهي تداعيات اضفت ظلالها السلبية اكثر من ايجابياتها على السلوك الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وما لحق من ضغوط امنية وسياسية لم يستفيد منها الا الاحتلال.
عقدين من الزمن خرجنا فيها من وهم الى وهم ومن ترهل الى اخر ومن انقسامات متعددة اضعفت حركة النضال الوطني واطرها وبرامجها، بل كان التسطيح السياسي والفكري هي سلوكيات خادعة لأقناع الشعب الفلسطيني بما حققته اتفاقية اوسلو من القليل من الايجابيات التي طغت عليها السلبيات. بالتأكيد ان اول من تضرر من اتفاقية اوسلو هي تلك الحركة الفتحاوية ونسيجها الداخلي التي تعرضت للفتك الداخلي بها انسجاما مع مقدمات اوسلو وتطبيقاتها فيما بعد والتي اثرت على بنيتها النضالية وتفشي ظاهرة المغانم على ظاهرة البناء الوطني واستمرارية نهج النضال ولو بحده الادنى في ظروف توريطية لها وتلاها كل فصائل منظمة التحرير بلا استثناء ومحمورة التجمعات والخصوصيات الفصائلية وراياتها التي اعتلت فوق علم فلسطين هذا العلم الذي يجسد عراقة قضيتنا وهويتنا الوطنية جميعا.
بالتأكيد ان تصريحات الرئيس عباس كانت دائما صادما للعامة ولجيل حلم بان اوسلو ستحول الاراضي الفلسطينية الى سنغافورة على شاطئ البحر المتوسط، واذ بهم يصحو على واقع الاستيطان وتغول المستوطنين وانتهاجهم سلوك القرصنة وتدفيع الثمن وعمليات تشبه حرب عصابات ارغون واشتيرين ما قبل 48م ضد التجمعات السكانية الفلسطينية من مدن ومخيمات واراضي وزراعة ومياه، فاخذ الاحتلال كل ما يمكن ان يعطي نوع من الحياة للسكان الفلسطينيين.
تحدث البعض عن خيار الغاء اوسلو وتحدث البعض عن الذهاب للأمام لإعلان الدولة، ونهج سلطوي كرس نشاطه للعمل الدولي والخارجي واهمال الداخل بما فيها القدس لمدة عقدين ففعلت اسرائيل ما تريد ان تفعله بالقدس والمسجد الاقصى، اعتقد ان السلوك الدبلوماسي الخارجي للسلطة وما حققه من انجازات لم يتوافق وينسجم مع عملية البناء الداخلي المترهلة الضعيفة وانعدام الاقتصاد الوطني وتفشي الفقر والبطالة، وبالتالي الانجاز الخارجي لم يكن انعكاسا لنضوج الوضع الداخلي ولم يكن متكيفا ومبنيا على منظومة مؤسسات قوية تؤكد حقيقة اعلان الدولة، اما المطالبين بأنهاء السلطة والتحلل من اوسلو فاعتقد ان السلطة هي اضعف طرف في اتفاقية دولية تسمى اوسلو، والذي يقرر انهاء اوسلو من عدمه الموقعين على الاتفاقية والشهود عليها وهم اطراف ولاعبين اساسيين في الاتفاقية وبدائلهم مطروحة اذا ما كان هناك استنكاف من قيادات فلسطينية تمثل الطرف في اوسلو او المجلس المركزي لمنظمة التحرير المشكل اخيرا وقراراته وتوصياته وهنا نضع اشارة نتنياهو وليبرمان عندما نوهو بان السلطة لن تستطيع وقف التنسيق الامني لانها بحاجة اليه اكثر من اسرائيل والا ستسقط السلطة على حسب رايهم في دقائق.
حتمية التغيير الغير تقليدي: امام هذه المناخات التي تظهر فيها السلطة بأوهن حالها كان هناك حراك فتحاوي فتحاوي وفتحاوي شعبي تمرد على اتفاقية اوسلو والتنسيق الامني واراد ان يتمرد على الفقر والبطالة وعلى انتهاك الكرامة لرمز القضية ومركزيتها القدس والمسجد الاقصى واللاجئين التي اصبحت في محافل السياسة بضاعة امام تسويق الهجرة والفقر المدقع وغياب المستقبل في المنظور القريب والبعيد، عوامل حركت الشارع الفلسطيني بهبة شعبية وهي عبارة عن نضوج وطني بحتمية المواجهة مع الاستيطان والفقر والبطالة وغياب برنامج وطني فعلي يلبي حاجة الشعب وطنيا ومعيشيا.
حتمية التغيير والتفجير الفردي والشعبي المتجه نحو الاحتلال مع عدم الانجرار للفشل والفاشلين كقضية فلسطينية اصابت المجتمع الفلسطيني بالفشل فالتفريغ نحو الاحتلال لأنه الحامي لظاهرة الفاشلين، فكانت انتفاضة السكاكين والطعن التي اذهلت كل الرصد الامني المعمول بها في الضفة سواء من اسرائيل او السلطة بل كانت انتفاضة سكاكين القدس الفردية هي الخيار الاوحد للتمرد على الواقع في ظل نسيان حقيقي لما طلبات دعم القدس والمقدسيين امام عنجهية الاحتلال وامكانياته المطروحة من مال وقوة لتهويد القدس وفي غزة ما زالت مسيرا العدة التي انطلقت منذ 30 مارس الماضي وقودها مستمر مع مئات الشهداء والاف الجرحى والتي تسبب ارهاقا امنيا وثقافيا وجوديا لاسرائيل ان وضعت محددات استراتيجية لا تكتيكية ولكن يبدوا ان الفعل الاقليمي والتقاطعات قد ادخلت مسيرة العودة في فهم فك الحصار اللانساني عن غزة .
قد تتحول انتفاضة السكين الى عسكرة، وقد تتحول مسيرات العودة الى عسكرة اذا ما تمادى الاحتلال في استنزاف نشطائها وهذا لن تقبل به قوى المقاومة بل ما زالت محاولات احتوائها على قدم وساق امام حاجة ملحة لاهل القطاع من كهرباء ووقود وغاز وبطالة .
وربما اذا ما انطلقت العسكرة قد تقوض ما تبقى من السلطة وبابتكارالحل الغير تقليدي الذي ابتدعه شباب فلسطين ، وهنا قد تعمل بعض الفصائل على توجيه هذا الحل الغير تقليدي الذي ارهق الاحتلال امنيا ومعنويا وجعل فكرة الامن والسلامة للمستوطنين مستحيلا الى عمل مسلح تقليدي، تتفوق فيه اسرائيل عدة وعتادا، وهنا قد نطرح السؤال الاتي : ماذا اعددنا لعسكرة المسيرات النهارية والليلية ..؟؟ اقتصادا وامكانيات لشعب اهملت مصالحه عبر عقود....؟؟ وهل تتحمل الفصائل وامكانياتها عسكرة المواجهات ولمواجهة استراتيجية واسعة ام تسخين تكتيكي يتعامل مع ماهو متاح من عروض وحلول انسانية ..؟؟!!
بالتأكيد.... اذا فنحن ذاهبون لخيارات يفرضها الاحتلال امنيا وعسكريا واقتصاديا... مع التأكيد ان المجتمع الدولي لا يريد انهاء السلطة وتقويضها بل يريدها موجودة بالحد الذي يقال انها موجودة. اما الواقع الاقليمي المتهتك وانشغال الحاضنة العربية التي كانت في الانتفاضة الاولى والثانية في قضاياها الداخلية يفقد الانتفاضة الفلسطينية وعسكرتها مصدر التمويل والتأييد والدعم المادي والسياسي والاعلامي، وهناك من الاعلاميين العرب من ادانوا قتل المستوطنين بالسكاكين واختفت المظاهرات الطلابية في الجامعات والنقابات المؤيدة للشعب الفلسطيني في العواصم العربية ، بالتأكيد انها افرازات واقع ربيع برنارد ليفي وساركوزي وكونداليا رايس. امام هذا كله هناك نضوج شعبي فلسطيني بحتمية التغيير والتفجير الشعبي في وجه الاحتلال وبالحل الغير تقليدي للتخلص من كل الظواهر المميتة لقضايا الشعب الفلسطيني، وما زالت الفصائل كل على حدة يحاول ان يجر هذا الابداع الشعبي النضالي لحلبته وقاصرين ان يجتمعوا او يضعوا برنامج موحد لدعم هذا الابداع ليحقق نتائج سياسية ووطنية، وكل في فلك يسبحون، وعامل اقليمي شبه ميت ليس في مصلحته اشتعال انتفاضة في فلسطين ا تطوير لمسيرات العودة بل يجري العمل حثيثا لاخمادها ووئدها امام مطالب انسانية ضاغطة على الواقع في غزة و لما لها من مؤثر على اوضاعه الداخلية. اذا ماذا نريد من مسيرة العودة ...؟؟ وماذا ستحقق ..؟؟ وماذا نريد من عسكرتها ان فرضتها الوقائع على الارض وماهو سقفها ومطالبها واهدافها ان حدثت...؟؟؟ هل هي في حدود تهدئة بمفاهيمها او هدنة بمفاهيمها وما هي امكانياتنا الذاتية والاقليمية والدولية للاستثمار الوطني لمسيرة العودة ,,؟؟ وهل هي محطة تكتيكية ام استراتيجية يمكن ان تنجذب لاطروحات اقليمية تتقاطع مع اطروحات دولية وامريكية بالتحديد اسئلة من المهم الاجابة عليها...
سميح خلف