انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي ومستقبل النظام السياسي

بقلم: ناجي شراب

الكل يترقب الانتخابات الأميركية القادمة للكونغرس في السادس من تشرين الثاني القادم، وتتباين إستطلاعات الرأي حول فوز الديموقراطيين في مجلسي الشيوخ والنواب بالكونغرس، لكن النتائج اليقينية مستبعدة، والإحتمالات مفتوحة على كل السيناريوهات. هذه الانتخابات تمثل تحديا كبيرا للحزب الديموقراطي مقابل الحزب الجمهوري المسيطر الآن على الكونغرس، وتأتي في سياق محاولات وتغيرات دراماتيكية كبيرة يقودها الرئيس ترامب بتحدي الأساس الذي قام عليه النظام السياسي الأميركي وعبارة الرئيس كيندي أمة من المهاجرين، اليوم الرئيس ترامب يقود النزعة الشعبوية للمواطن الأميركي ويضعه امام المفاضلة بين الطيبة التي تميز بها هذا المواطن الأميركي وبين الهجرة والأغراب وما قد يمثلونه من مخاطر، ويضعهم أمام المفاضلة بين الإنفتاح والتعددية السياسية وبين القومية المنغلقة.

بإختصار شديد هذه الانتخابات تقوم وترتكز على تحدي الهوية الأميركية. الرئيس ترامب لا شك اوجد واقعا سياسيا جديدا، ونمطا من التفكير الجديد في التعامل مع قضايا السياسة الداخلية والعالمية، ويقدم نفسه وحزبه على أنه الأقدر على قيادة أميركا نحو التغيير. لكن في هذه الانتخابات يختلف الأمر عن الانتخابات الرئاسية التي يضع فيها الشعب الأميركي أمام الإنجاز الإقتصادي وتحسن مستويات المعيشة والتدهور والكارثة والخسارة، هذه الانتخابات إنتخابات حول الإنتماءات الحزبية، وقدرة كل حزب على إستقطاب وحشد مؤيديه.

مشكلة هذه الانتخابات أن المعارضة التي يشكلها الديموقراطيون منقسمة على ذاتها، ففي داخل الحزب الديموقراطي ثلاثة تيارات رئيسة، ما يسمى الترامبيون اليساريون والذين يركزن على شخصية الرئيس ترامب، والتيار الذي يقوده ساندرز الشعبوية اليسارية أو الإشتراكية والثالث وهم من تبقى من تقاليد الرئيس أوباما والجيل القديم.

ونقطة الضعف الثانية التي تواجه الحزب غياب القضايا الرئيسة، مع تركيزهم على قضية الرعاية الصحية والتعليم، هنا الحزب الديموقراطي يركز على المنافع التي يمكن أن يجنيها المواطن العادي في الرعاية الصحية والتعليم ، والتي تعتبر من أهم إنجازات الرئيس أوباما، إلا أن الحزب الجمهوري يملك أدوات التاثير في مجال الخطاب الثقافي والتأثير الإعلامي، اضف إلى ذلك تأثير ودور الرئيس ترامب الذي يسعى جاهدا لفوز حزبه بأغلبية المقاعد في مجلسي الكونغرس، وهو ما يعني له ضمان أولا إستمراره في الرئاسة وإكتمال فترة رئاسته، ويدرك أن فوز الديموقراطيين قد يفتح ملف مساءلة ومحاكمة الرئيس.

وتأتي أهمية هذه الإنتخابات من موقع الكونغرس في النظام السياسي الأميركي، فالنظام السياسي الأميركي رئاسي ـ لكنه يستند على مبدأ الفصل المطلق بين السلطات الثلاث، وأهمية الكونغرس في ثلاث مجالات وفقا لنظام الكوابح والجوامح الذي يحكم العلاقة بين السلطات الثلاث.

أولا المجال التشريعي وسن القوانين، فهي سلطة مطلقه للكونغرس وإن كان الرئيس يملك القدرة على كبح جماحها بالتصديق النهائي على القوانين، وفي مجال الموازنة أو السلطة المالية بما فيها موازنة السلطة التنفيذية، وفي مجال الرقابة السياسية، وسلطة محاكمة الرئيس في حالات الخيانة العظمى او التهم الجنائية والفساد. وللكونغرس سلطه في مجال التعيينات الدبلوماسية والعسكرية والمحكمة الإتحادية العليا كما في قضية القاضي بريت كافانو. هذه المكانة للكونغرس هي التي تضفي أهمية كبيره على الإنتخابات القادمة.

وجرت العادة إلا في حالات قليلة أن يكون الحزب الواحد مسيطرا على السلطتين, خطورة الإنتخابات القادمة في حال فوز الجمهوريين أن يضمن الحزب والرئيس السيطرة على السلطات الثلاث مما يقوي من ديكتاتورية الرئيس ترامب، وتفرده في إتخاذ القرار، وتغيير القواعد والمبادئ التي يقوم عليها النظام السياسي الأميركي، والهوية الأميركية لأكثر من عقد.

لهذه الأسباب يتطلع كل المراقبين لهذه الانتخابات لما لها من تداعيات وتأثيرات ليس فقط على السياسة الداخلية الأميركية بل على مواقف الولايات المتحدة من الكثير من قضايا السياسة العالمية والعلاقة مع عدد كبير من الدول، ولهذا تنشط اللوبيات الداعمة كل منها حسب مصالحها للتأثير في هذه الانتخابات.

وأخيرا فإن القضية الفلسطينية والقضايا العربية لن تكون بعيده عن نتيجة هذه الانتخابات.

بقلم/ د. ناجي شراب