في ذكرى وعد بلفور ( فلسطين بين خمس وعود) قراءة تاريخية تحليلية

بقلم: ناصر إسماعيل اليافاوي

إن البحث عن أبعاد ودوافع وعد بلفور المشئوم يتخذ عدة مسارات وأصعدة ؛ لما ترتب على إعطاء بريطانيا هذا الوعد مآس وتغيرات ديمغرافية وجغرافية وسياسية خطيرة ، عرفتها المنطقة والعالم بأسره.
ومن الجدير ذكره تاريخيا أن فلسطين شكلت عبر التاريخ اهتماما واسعا لدى اليهود وسعوا للحصول عليها ، ويشير المؤرخين اليهود أنهم يسعون إليها منذ قصة الخروج من المصر إبان زمن موسى عليه السلام ويوشع بن نون
وفي القرن الثامن عشر أدركت الدول الاستعمارية أهمية فلسطين الاستراتيجية، وأصبحت طريقاً رئيسياً يربط المستعمرات يبعضها البعض كبريطانيا وفرنسا، ورأى فيها بعضهم أرضاً مقدسة يتم من خلالها كسب تأييد المسيحيين خاصة مثل روسيا، ومنهم من رأى فيها بوابة لعلاقات اقتصادية مصالحيه جيدة مع الإمبراطورية العثمانية كألمانيا.
الوعد الأول
وعد نابليون بونابرت لليهود بإنشاء وطن قومي 1799م :
تعود فكرة السيطرة على فلسطين في العصر الحديث إلى ق 18م ، حيث حاولت فرنسا وبريطانيا السيطرة على فلسطين ، وتجلت أولى هذه المحاولات في حملة نابليون على مصر وبلاد الشام 1799م،

حيث أن فرنسا كانت تعاني من ضائقة مالية في الوقت الذي كان اليهود في قمة انتعاشهم ، ولم يكن نابليون يستطيع أن يمول حملاته دون مساعدة من اليهود الذين اتفقوا سراً معه على تمويل حملته مقابل تحقيق وطن قومي لهم ..
الوعد الثاني
اليهود يختارون بريطانيا للحصول على فلسطين :

بعد فشل نابليون في تحقيق وعده لليهود، بسبب صمود ومقاومة الفلسطينيين ، تحرك اليهود باتجاه بريطانيا ، التى بدأت بالتركيز على فلسطين بعد شق قناة السويس، فتبنت فكرة السيطرة على القناة ومنع أي قوة من الحصول على فلسطين لقربها من قناة السويس

مؤتمر بازل واقتراب الرؤية الصهيوبريطانية : وبعد عقد مؤتمر بازل في سويسرا، وجد البريطانيون أن قيام دولة يهودية على أرض فلسطين صار أمراً ممكناً بعد تعهدت الوكالة اليهودية بحماية المشروع الصهيوني. فاتخذت بريطانيا عدة خطوات لتمكين هذا المشروع، منها:
- عزل فلسطين عن محيطها العربي والإسلامي
- كسب تأييد الدول الكبرى لتسهيل قيام الكيان الصهيوني
- تسليح التجمعات اليهودية بعتاد ثقيل بذريعة حماية الممتلكات
- وضع حاجز بشري من خلال استقدامها العمالة اليهودية
- السماح للوكالة اليهودية بشراء الأراضي وبناء المستوطنات.
- الاتفاق مع بعض القيادات السياسية العربية على ضرورة العطف على اليهود واعتبار وجودهم مجرد مساعدة إنسانية.
- تدريب الكوادر العسكرية اليهودية العاملة في الجيش البريطاني في المستعمرات البريطانية وخصوصاً الهند.

 

دوافع بريطانيا لإصدار وعد بلفور 1917م

يمكن تلخيص هذه الدوافع بالتالي :
أولا : من الناحية الدينية :
- اكتسب بلفور هذه الثقافة من عائلته، وخاصة من والدته التي تركت في شخصيته الدينية بصمات واضحة من خلال إيمانها بالعقيدة البروتستنتية المرتبطة أساساً بالعهد القديم والنبوءات التوراتية.
- يعتبر تمكين بريطانيا فكرة قيام دولة لليهود على أرض فلسطين تحقيقاً لما يعتقد أنّه من تعاليم المسيحيّة، إذ أدى نمو التحالف الصهيونيّ المسيحي إلى جعل فكرة عودة اليهود إلى أرض فلسطين تبرز بقوّة كشرط لعودة المسيح عليه السلام ودخول اليهود في المسيحيّة وبالتالي نهاية العالم.

ثانيا :من الناحية السياسية:
- ضمان بريطانيا تأييد اليهود في الحرب العالمية الأولى، واستمالة يهود روسيا والدول المحايدة لتأييد قضية الحلفاء في الحرب العالمية الأولى. كذلك اليهود الموجودون في الولايات المتحدة الأمريكية الذين دفعوا بالفعل أمريكا إلى دخول الحرب رسمياً في العام .1917
- تنفيذ الوعد الذي قطعته بريطانيا لحاييم وايزمن بإنشاء وطن قومي لليهود؛ مكافأة له على اكتشافه مادة (الجليسيرين) المستخدمة في صناعة المتفجرات من السكر المخمر، إذ رفض حينها بيع اختراعه إلا مقابل الحصول على هذا الوعد
ثالثا – من ناحية التفكير الاستراتيجي :
التنافس الإمبريالي على السيادة والمصالح الإستراتيجيّة كعامل مؤثر، ففي الوقت الذي كان لفرنسا موطئ قدم في فلسطين عبر علاقتها مع المسيحيين الكاثوليك، وروسيا عبر علاقتها بالأرثوذكس، فإنّ بريطانيا لم يكن لها بين السكّان الأصليّين أي حليف، وهو ما جعلها تسعى إلى عقد تحالف مع الصهاينة.

ومن جهة أخرى فإنّ موقع فلسطين الاستراتيجي جعل بريطانيا تفكّر جدياً في بسط نفوذها على فلسطين.

رابعا : من الناحية الاقتصادية :
رغبة بريطانيا في الاستفادة من الوضع المالي القوي ، وجانب آخر هو احكام السيطرة على قناة السويس لا يأتي الى عبر الهيمنة على فلسطين او وجود حليف قوي لها في فلسطين

تأسيسا لما سبق تضافرت كل القوى الامبريالية ، والرجعية العربية وغيرها ، وتم تنفيذ الوعود بجهود وخلايا يهودية ، لم تنم ، وصرفت الغالي والنفيس في سبيل تحقيق أساطير مزورة .

وفى المقابل نجد أكثر من مليار مسلم لا يقدمون حتى الزيت للأقصى ..

الوعد الثالث

وعد هوائي بطعم آخر لم يدخل مرحلة التحبير

وفي سياق آخر وبرؤية غير متساوية ومن محكات الازدواجية العالمية ،

أعرب الرئيس الأميركي باراك أوباما عن أمله في أن يرى الدولة الفلسطينية وقد أخذت مكانها في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول من العام 2011، والغرابة في الوعد الأخر هو هذا الشهر الخريفي هو شهر تساقط الأوراق القديمة تمهيداً لظهور أوراق وأغصان جديدة.

ويتراجع أوباما تحت ضغط الحاجة لاستمالة اللوبي اليهودي الأميركي الذي يلعب دوراً أساسياً مهماً في انتخابات الرئاسة التي تجرى في الآن في أمريكيا ، فالسياسة والمصالح لا تعرف الأخلاق، وحين يكون مصير اوباما على المحك، فإنه سينسى ما قاله في القاهرة وتركيا وإندونيسيا..

ليس اللوبي اليهودي الأميركي وحده، من يقف بشكل وقع فاضح وواضح لإدارة أوباما كي تعمل بكل قوة، ضد التوجه الفلسطيني بالذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمشروع إعلان الدولة بل نرى أيضا أن الكونغرس الأميركي، الذي يسيطر عليه الجمهوريون هو، أيضاً، يقف بالمرصاد ، ضد أي حلم فلسطيني وذلك ارضاءا أيضا لليهود ، كل هذا مع اختلاف الموقف إبان وعد بلفور لم يكن اليهود على جاهزية إعلان الدولة ، في حين أن الفلسطينيين على الجاهزية الكاملة ، لإقامة الدولة، استنادا إلى تقارير صدرت أخيرا عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة حول جاهزية المؤسسات الفلسطينية للدولة.

الوعد الرابع
وعد ترامب
صحيح أن الرئيس الأميركي الذي «أوفى وعده» بنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس المحتلة، لا يداني جريمة وعد بلفور، لكن الصحيح أيضاً أن قراراً بهذا الحجم لا هدف له سوى قضم أحلام الفلسطينيين ونضالهم من أجل دولة مستقلة عاصمتها القدس... ولا هدف له سوى تركيعهم وإرغامهم على العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل باعتبار أنهم في موقع «الطرف الخاسر الذي لا يملك شيئاً»، فإذا أعطي كياناً إدارته بلديات، يتحقق هدفٌ إسرائيلي– أميركي بتصفية قضية فلسطين. يتحول «حارس» غزة إلى نموذج شبيه بـ «حراس القرى» في تركيا، فيما تنهمك عصابات اليمين الإسرائيلي بتهويد الضفة الغربية وبمزيد من الضغوط لتهجير فلسطينيين وتفريغ القدس الشرقية، وتجويف آمال أجيال بنهاية للاحتلال لا بد أن تأتي يوماً.

ولكن، هل يركع الفلسطينيون؟ في يوم النكبة، نكبة أخرى أميركية، لأن ترامب هو أول رئيس للولايات المتحدة يعتبر القدس «عاصمة لإسرائيل»، ولا يعترف بالتالي بأن المدينة ما زالت تحت كابوس الاحتلال.

وإن كانت المسافة جغرافياً بين أميركا وفلسطين تعادل مسافة كان الفلسطيني أوشك على اجتيازها لنعي الاحتلال العنصري، فأهل القضية سيتذكرون أن تنفيذ «وعد ترامب» صبّ الزيت على بركان الغضب.

يوم نقل السفارة الأميركية إلى القدس جاء عشية ذكرى نكبة 1948، لنكء كل جروح أصحاب الأرض التي نهبتها عصابات الصهيونية وزورتها وبطشتها، لكنها ما زالت عاجزة عن تركيع الفلسطيني وانتزاع استسلام منه.

الوعد الخامس
الانقسام الفلسطيني والوعد الخامس:

يتمحور هذا الوعد ، بخطة شارون الرامية التي تقسيم الفلسطينيين الى كونتونات ممزقة يسهل التحكم فيها ، وهذه الخطة رسمت منذ 1967م ، وبلورت رسميا في الثاني من فبراير 2004 حين قال إنه يعتزم إخلاء المستوطنات اليهودية في قطاع غزة رغبة منه في حل القضية الفلسطينية كما قال!!! غير أن تلك الخطة تستثني:

1- قطاعاً بعرض 20-16 كم في غور الأردن من النهر وحتى شارع آلون، يبقى تحت السيطرة اليهودية.

2- قطاعا بعرض 10 كم من صحراء الضفة تحت السيطرة اليهودية.

3- قطاعا أضيق بطول 7.5 كم على طول الخط الأخضر.

وهذا يعني عملياً تفتيت الفلسطينيين وتوزيعهم على عدة كيانات محاصرة بممرات أمن يهودية مشددة، كما أنه يعني تفاقم الأزمات داخل قطاع غزة.

وحسب رؤية شارون الانسحاب من غزة هذا يحقق لإسرائيل عدة أهداف أهمها:

1- التنصل من خريطة الطريق التي ترتب حقوقاً على كل من اليهود والفلسطينيين، أما الانسحاب الأحادي الجانب فلا يجعل إسرائيل ملتزمة بأية حقوق.

2- تغييب المرجعيات الدولية المعتمدة فيما يخص القضية الفلسطينية وأهمها قرارات الأمم المتحدة.

3- يرى شارون -ويؤكد- أن الانسحاب من غزة سيؤدي إلى خلاف داخلي، فلسطيني-فلسطيني، بين السلطة والفصائل في صراع حول تقاسم السلطة ونزع الأسلحة التي ستصر عليه إسرائيل تحت زعم أنه أول بند في خريطة الطريق.

4- سيزداد الوضع الاقتصادي الفلسطيني سوءاً، إذا تم منع الفلسطينيين من فتح المطار، أو ميناء غزة وربط اقتصاد غزة بالاقتصاد المصري.

5- وسيزداد هذا الأمر سوءاً إذا تم إغلاق الحدود بين قطاع غزة وبقية الأراضي الفلسطينية حيث ستزداد معدلات الفقر والبطالة والانحراف ومن ثم سيحدث خلل أمني يهدد الأمن الاجتماعي للفلسطينيين داخل القطاع.

وتبقى نقطة جوهرية وهي أن خطة شارون لا تتضمن انسحاباً كاملاً من كل قطاع غزة، ولكن الخطة تستبقي ممرات وقطاعات معينة تحت السيطرة اليهودية مما يجعلها في النهاية مجرد مناورة ولن يتحقق للرومانسيين الحالمين بإعلان دولة فلسطينية في قطاع غزة وما يحلمون به، لأن شارون لن يستطيع الالتفاف على أيديولوجية حزبه «حزب الليكود» الذي قرر في 13/5/2002 رفضه فكرة قيام

دولتين على أرض فلسطين ، وجاء دورنا ونفذنا ما خطط له شارون حرفيا ، ولا زلنا نتغنى بوزارات وببساط احمر يفرد هنا وهناك ، وكذب الآخرون ، وكذبنا معهم ورسخنا كذبتنا حتى أصبحت عند العض واقعا يدرس ويخطب في مؤسسات التنشئة الاجتماعية ..


كتب ناصر إسماعيل اليافاوي