في ظل ما يحاك ضد القضية الفلسطينية والمنطقة وخاصة امام ما يسمى صفقة ترامب، امتداد للمشاريع الاستعمارية التي توالت على الأمة العربية واستهدفت ثرواتها ووحدتها وأرضها وشعبها، منذ سايكس بيكو مروراً بوعد "بلفور" المشؤوم، حتى النكبة عام 1948، تجد الشعوب العربية نفسها في مواجهة محاولة تقسيم جديدة ، تدفع إليها القوى الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وحليفها الكيان الصهيوني والرجعية العربية بالمنطقة التي تعمل على تنفيذ مشروع صفقة القرن من خلال التطبيه العلني المكشوف.
منذ مائة عاماً وعاما استباح الطامعون أرض فلسطين ووصلت الوقاحة بـ"آرثر جيمس بلفور" وزير الخارجية البريطاني آنذاك إلى أن يسمح لنفسه تقرير مصير ارض فلسطين وتشريعها دولياً كوطن قومي لليهود بناءً على ادعاء "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، هذا الوعد المشؤوم كان السبب في تقطيع أوصال الأمة التي وحدتها الطبيعة وقسمها الأستعماري من أجل مصالح خاصة إلى كيانات سياسية لا قدرة لها على مواجهة الأخطار المحدقة بالأمة العربية.
إن الإرهاب وأدواته هما من صنع القوى الامبريالية وعلى رأسها الامبريالية الأمريكية، وفي كل يوم تنكشف معطيات جديدة حول الارتباط العضوي للجماعات الإرهابية بالقوى الاستعمارية وأذنابها في المنطقة، وما من شك في أن المستفيد الأول إقليميا من هذا الوضع الكارثي للأقطار العربية ومن تمزيق صفوف شعوبها وتدمير دولها وتخريب اقتصاداتها ونهب ثرواتها وتهجير أعداد كبيرة من شعوبها، هو الكيان الصهيوني، هذا الكيان المزروع في قلب الوطن العربي، حيث تمكن من استغلال ما يجري في دول المنطقة للانفراد بالشعب الفلسطيني والإيغال في اضطهاده وتهجيره وقتل شاباته وشبابه واغتصاب بقية أراضيه والاستمرار في تهويدها في محلة الى إلغاء هوية فلسطين ، العربية الفلسطينية، كما استغله لتوسيع تأثيره ومد عروقه في المنطقة والتطبيع مع معظم دولها، بشكل علني وسافر أكثر فأكثر.
أن بريطانيا اخطأت بل وارتكبت جريمة إنسانية دولية بحق الشعب الفلسطيني من خلال وعد بلفور والعمل على تحقيقه على الأرض ، ولكن هناك عوامل أخرى جعلت الوعد قابل للتحقيق ، دولة الاحتلال قامت نتيجة وعد بلفور ونتيجة توازنات وقرارات وتفاهمات دولية ولكن أيضا نتيجة جهود صهيونية بدأت قبل أن يصدر الوعد واستمرت بعده ، وبالتالي فإن دولة فلسطين لن تقوم فقط من خلال العمل الدبلوماسي ووعود و قرارات دولية أو بمطالبة بريطانيا بالتراجع عن قرارها أو الاعتذار للشعب الفلسطيني بل تحتاج لجهود ذاتية ونضال متواصل على الأرض يفرض الدولة الفلسطينية .
وفي ظل هذه الاوضاع نرى ان ذكرى وعد بلفور تأتي هذا العام مع ازدياد شراسة العدوان الامبريالي الصهيوني الرجعي لأنظمة التطبيع والتخاذل العربية اتجاه صفقة القرن التي يسعى ترامب وإدارته لتسويقها وترجمة حلقاتها على مستوى فلسطين والإقليم والأمة بهدف تأبيد المشروع الصهيوني العنصري وترسيخ وجوده التاريخي على حساب حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني.
لذلك نرى أن المشروع الأمريكي الجديد يستغل حالة الهوان العربي ليشدد من ضرباته، ساعياً إلى فرض التطبيع الشامل والاستسلام على المنطقة والإقليم، وهذا يتطلب من الفصائل والقوى الفلسطينية وحدة الموقف الفلسطيني وتعزيز الوحدة الوطنية ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية والعمل على تنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني، ودعم المقاومة الشعبية بكافة اشكالها وتشديد النضال وتطوير إبداعات شعبنا والشباب الثائر في مسيرات العودة في غزة والضفة ولنا في الحراك الشعبي المساند في أكثر من مكان ومجال ما يؤكد ادخار شعبنا وأمتنا للإمكانات الكامنة لإسقاط النسخة الجديدة لمشاريع التآمر والتصفية لما يسمى بصفقة القرن.
ختاما : نؤكد على اهمية الالتفاف والمساندة والدعم لصمود ونضال شعبنا ، مما يفرض معادلات وصيغ جديدة للحل السياسي يضمن تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بحقوق شعبنا الكاملة والثابتة.
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي