لا يمكن فصل الوضع المأساوي لأهل غزة عن السياسة الإسرائيلية العامة، والتي تتعامل مع غزة كقضية أمنية تؤرق حالة الاستقرار، ولكنها تنظر إليها من زاوية حزبية، تتصارع حولها مدرستان سياسيتان تختلفان حول آلية التعامل المرحلي مع غزة، ولكنهما تتفقان استراتيجياً على ضرورة التخلص من غزة، وذلك وفق الرؤية السياسية لحل القضية الفلسطينية بشكل عام.
معسكر المدرسة السياسية الأولى تمثله الحكومة الإسرائيلية بزعامة حزب الليكود، وهذا المعسكر اليمني المتطرف لا يفتش عن أي حل للقضية الفلسطينية، إنه يعتمد على طول الزمن ليفعل فعله المنظم في الواقع، من زيادة الاستيطان في الضفة الغربية، وتهويد القدس، وتغيير معالم المرحلة، وفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية.
وقد تختلف الرؤية لحل القضية الفلسطينية داخل هذا المعسكر، فمنهم من يدعو لضم الضفة الغربية كاملة، ومنهم من يدعو لضم منطقة س من الضفة، وتسليم الباقي للأردن، ومنهم من يدعو لقيام كنتونات منفصلة في المدن الفلسطينية، ومنهم من يرى بالحكم الذاتي حلاً.
أما مدرسة المعارضة التي يتزعمها الحزب الصهيوني، فتدعو إلى استئناف المفاوضات، وتجنيب دولة إسرائيل الانتقادات الدولية، مع ضرورة الحديث الناعم عن حقوق الفلسطينيين السياسية، وعدم تقديم أي تنازلات جدية، فلا القدس من وجهة نظرهم قابلة للتقسيم، ولا المستوطنات الصهيونية قابلة للإزالة، ولا يمكن التخلي عن الأمن الإسرائيلي من البحر إلى النهر، مع المواقفة على قيام دولة فلسطينية في غزة والضفة؛ دون تحديد هوية وماهية هذه الدولة.
الواضح أن كلا المدرستين تتفقان على القواعد السياسية العامة، والتي تتمثل بعدم قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 67، ولا يرون بالانسحاب من القدس طريقاً للسلام، وكلا المدرستين ترى بالاستيطان والسيطرة على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية هدفاً أسمى للوجود اليهودي على هذه الأرض، ولكن المدرستين تختلفان عميقاً بشأن حل مشكلة غزة.
يرى حزب الليكود والأحزاب اليمينية ضرورة تسوية وضع غزة منفصلاً عن الضفة الغربية، حتى ولو ظلت غزة تحت حكم حركات المقاومة، وهذا يعزز وجهة نظر اليمين الإسرائيلي الهادف إلى تقسيم الشعب الفلسطيني، وتفتيت ما تركت لهم اتفاقية أوسلو من أرض، من هنا تجيء موافقة الحكومة الإسرائيلية على تهدئة مع غزة، ومن هنا تأتي موافقة نفتالي بينت زعيم حزب البيت اليهودي على دخول عمال من غزة للعمل في المستوطنات اليهودية، ضمن الحل الإنساني.
أما مدرسة الحزب الصهيوني فإنها مهتمة بأن تظل غزة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وعدم تقديم سابقة أمنية تتمثل بانتصار المقاومة، وانهيار خندق الردع الإسرائيلي، ولاسيما أن السلطة الفلسطينية أثبت جدواها في حفظ الأمن، وأثبتت جدارتها في السيطرة، وهذا ما عبر عنه زعيم المعارضة في إسرائيل آفي جباي، لصحيفة (معاريف) حين قال: إن حكومة نتنياهو لا تملك استراتيجية ولا خطة حول غزة، والمجلس الوزاري المصغر يخلط بين السياسة والأمن، ولا يدافع عن سكان مستوطنات الغلاف، إننا نهدف في المعارضة إلى عودة أبو مازن إلى غزة، لقد حققنا معه الهدوء في الضفة الغربية، وسنحقق معه الهدوء هنالك في غزة، وعلينا تقديم خطة دولية مهمة لا تنفذ إلا عندما يعود أبو مازن للسيطرة هناك".
كلام زعيم المعارضة يتوافق مع كلام قادة هذا المعسكر وعلى رأسهم أهود براك رئيس الوزراء السابق، وتسفي ليفني زعيمة المعارضة السابقة التي طالبت بعدم التوقيع على أي اتفاقية تهدئة مع غزة بعيداً عن محمود عباس، بل استغربت ليفني من عدم تمكين محمود عباس الذي يطالب بنزع سلاح المقاومة بشكل أشد وأقوى مما يطالب به الإسرائيليون.
الغلبة في الساحة الإسرائيلية من نصيب معسكر الليكود وحلفائه، وهم من يرسمون سياسة الدولة، وهم من يقرر بشأن التهدئة مع غزة، وبشأن ضم أراضي الضفة الغربية، وهذه الغلبة لليمين المتطرف تفرض على الفلسطينيين اليقظة، وعدم الغرق في أوهام التسوية، واللقاءات والمفاوضات، على الفلسطينيين أن يعتمدوا المقاومة بكافة أشكالها طريقاً لمواجهة عدوهم، في أطار قيادة وطنية موحدة، تقوم على الشراكة، وتمثل مصالح الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة والشتات، وتنادي بالديمقراطية أسلوباً للحكم، وترفض السياسة الإسرائيلية القائمة على تقسيم الشعب الفلسطيني وإشغاله بهمومه اليومية، بعيداً عن طموحاته السياسية.
د. فايز أبو شمالة