الجمعة المنصرمة التي صادفت الثاني من تشرين الثاني، ذكرى وعد بلفور المشؤوم شكلت ميدان الاختبار الاساسي، أمام الفصائل في غزة، لاثبات استعدادها وقدرتها، على ضبط حراك مسيرات العودة وكسر الحصار، استجابة للجهود التي بذلها الوفد الامني المصري، من اجل التوصل الى تهدئة، أو هدوء.
الفصائل نجحت وما كان لها ان تفشل في الاختبار، ذلك ان كل شيء يتحرك بتدبير، ونظام وسيطرة من قبل حركة حماس بالدرجة الاساسية وموافقة الفصائل الاخرى.
الميدان يوم الجمعة يتطابق مع التصريحات التي صدرت قبل ذلك، من قبل الهيئة الوطنية لكسر الحصار ومن قبل حركتي حماس والجهاد الاسلامي.
هذه الاطراف تحدثت عن الحاجة لمواصلة مسيرات العودة، والمحافظة على طابعها الشعبي السلمي، بهدف حماية المشاركين، ووفق تكتيكات جديدة، كأن المراقبين لا يدركون الحقيقة، من ان هذا التكتيك وهذا الحرص على ارواح المشاركين من القناصة، قد جاء بدوافع ذاتية وحقيقية، وليس جزءاً من «اتفاق» او تفاهمات جديدة بشأن التهدئة، نجح الوفد الأمني المصري في التوصل اليها مع الجانب الاسرائيلي، في يوم الجمعة المذكور، توقفت الاطباق الورقية والبالونات الحارقة واشعال الاطارات المطاطية الا ما ندر، وابتعد الحشد عن السياج الفاصل، ما ادى الى تقليص كبير وملحوظ في عدد الاصابات، ودون سقوط اي شهيد.
وبموجب تلك التفاهمات ايضا سيتوقف الحراك الشعبي البحري ومقابل مستوطنة زيكيم شرق القطاع، وقد اتخذت حركة حماس التدابير العملية اللازمة لضبط الحراك الشعبي، الذي سيستمر سلميا وبعيدا عن السياج الفاصل الى ان يتم التوصل الى هدنة، يرفع بموجبها الحصار المفروض على قطاع غزة منذ اثني عشر عاماً.
الحديث يدور عن «هدوء مقابل هدوء»، عملاً بمخرجات تفاهمات القاهرة بعد الحرب الاخيرة التي شنتها اسرائيل على قطاع غزة العام ٢٠١٤، ولكن بضمان اتخاذ اجراءات ملموسة لتخفيف الحصار تدريجيا عن القطاع.
بدأ الأمر بادخال السولار القطري بانتظام بحيث تحسن جدول توزيع الكهرباء على نحو واضح اثار تساؤلات الناس بشأن مصير السولار الذي سبق ادخاله بكميات كبيرة، دون ان تحدث تحولاً ملموساً في جدول توزيع الكهرباء.
يتبع ذلك الاجراء، جملة من الاجراءات المرتقبة لتخفيف الحصار، من خلال فتح المعابر، بما في ذلك تحسين العمل على معبر رفح، وبدء العمل باشراف دولي، على جبهة تطوير البنية التحتية والمشاريع التشغيلية والانمائية، وامكانية تحويل الاموال القطرية لتغطية رواتب موظفي حركة حماس، ولاحقا ربما تسمح اسرائيل بدخول آلاف العمال من غزة للعمل في اسرائيل.
أيام قليلة وستظهر مؤشرات هذا التطور على ساحة قطاع غزة، تطور يأخذ طابعاً متدرجاً، وصولا الى فتح القطاع امام ما سماه بنيامين نتنياهو «تأهيل قطاع غزة».
الاسرائيليون مبتهجون لهذا التطور، وبعد ان كان الكل يزايد على الكل بالتهديدات، بدأ هؤلاء يغيرون اللهجة في اتجاه أن الحرب على غزة هي الخيار الاخير.
منذ البداية كان واضحاً ان اسرائيل ليست معنية بتصعيد الاوضاع الى حد شن حرب جديدة على القطاع لا أهداف واضحة لها، وطالما ان بامكانها ان تحقق ذلك دون اللجوء الى القوة الخشنة.
حركة حماس ومعها الفصائل، كانت تدرك حقيقة التوجه الاسرائيلي ولذلك مارست تصعيداً محسوباً، وهي تعرف ان ذلك لن يؤدي الى التصعيد الكبير الذي سعى اليه ليبرمان وبينيت وغيرهما من الاشد تطرفاً.
يتم هذا التطور دون استفزاز السلطة الوطنية، والتي ترفض أي اتفاقيات او تفاهمات بين اسرائيل وحماس، بعيدا عن الشرعية، الفلسطينية، ذلك ان كل ما جرى حتى الآن، مجرد عودة لتفاهمات ٢٠١٤، التي توصل اليها وفد من الفصائل برئاسة عزام الأحمد.
اذا لا جديد يستدعي انتظار نجاح المصالحة، حتى يتم التوصل الى صيغة سبق ان تم التوصل اليها، وباعتبار ان الاتفاق الشامل حول الهدنة، او التهدئة طويلة الأمد، ينتظر توصل الاطراف الفلسطينية الى اتفاق بشأن المصالحة.
تبدو التخريجة مقبولة منطقياً، لكنها لا يمكن ان تؤخذ بحسن النية من قبل اصحاب التجربة السياسية الطويلة في منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، فمهما قيل في تلك التفاهمات، إلا انها تجاوز لموضوع المصالحة، التي سيكون من الصعب عليها، ان ترفض او توافق، ذلك انها لا تقبل ان يزايد عليها الاسرائيليون بشأن الازمة الانسانية في غزة، ومن ناحية اخرى ترفض ان يتم تجاوز دورها.
في الطريق لتنفيذ هذه التفاهمات التي يقال ايضا انها بين اسرائيل ومصر، وان حماس ليست طرفاً فيها، وانما وافقت عليها سيتابع الوفد المصري مهمته في متابعة ملف المصالحة، وايضا في ضمان نجاح تفاهمات صيغة «هدوء مقابل هدوء».
واذا كان قادم الوقت يشكل اختباراً حقيقياً، لمدى صدقية الالتزام برفض ومقاومة صفقة القرن، واهدافها التي يسعى اليها الطرف الاسرائيلي، فإن الوقت من ذهب، ما يرتب على الفلسطينيين ان يثبتوا صدقية موقفهم من صفقة القرن، من خلال التوصل الى اتفاق يقضي باعادة بناء وحدتهم وقوتهم الذاتية.
بقلم/ طلال عوكل