أربعون دولة من الأمم المتحدة طالبت السعودية بالكشف عما حدث لخاشقجي في القنصلية السعودية بمدينة اسطنبول، جاء ذلك في ختام جلسة المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الانسان بجنيف، السعودية كانت قد اعترفت بمقتل خاشقجي في قنصليتها وأعربت عن أسفها وإدانتها لتلك الجريمة وفتحت تحقيقاً داخلياً وتعاونت مع الأجهزة التركية حول تداعيات الحادث، وأقالت بعض القيادات على خلفية الجريمة وتوعدت بمعاقبة كل من تسبب في مقتله، لا يمكن لأحد أن يختلف حول إدانة مقتل خاشقجي وضرورة معاقبة من تسبب في ذلك ليس من باب إرضاء العالم المنافق بل تثبيتاً لقيمة وحقوق المواطنة في المملكة، رغم كل ذلك فمن الواضح أن العديد من الدول حرصت على استغلال ملف مقتل خاشقجي في ابتزاز السعودية ومنها من يحاول أن يصفي بعض الحسابات معها، وتطلب ذلك تحريك ماكنة الاعلام في نبش الحقيقة والخيال وتفرغت قناة الجزيرة لذلك وتحولت إلى بوق ينعق بما لا يسمع، ومعها دخلت الدول في سباق فيما بينها حول الجريمة وتداعياتها، وحجب مقتل خاشقجي الكثير من الجرائم التي ترتكبها الدول أمام سمع وبصر العالم دون أن يحرك هذا العالم ساكناً حيالها.
رد فعل العالم على مقتل خاشقجي يفتح جرحاً غائراً في الجسد الفلسطيني، كيف لهذا العالم أن يقيم الدنيا ولا يقعدها حول خاشقجي ويلتزم الصمت المخجل حيال جرائم منظمة ارتكبتها دولة الاحتلال على أراضي العديد من دول العالم؟، لماذا لم تتحرك هذه الدول أو بعضاً منها لكشف ملابسات إغتيال عمر النايف في سفارة فلسطين في بلغاريا؟، ولماذا لم نسمع صوتاً لأي منهم بعد أن اعترفت حكومة الاحتلال بتنفيذها للعديد من الاغتيالات التي طالت قيادات فلسطينية على أراضي دول تتمتع بالسيادة والعضوية الكاملة في الأمم المتحدة؟، لماذا وقف مجلس حقوق الانسان ومن خلفه الأمم المتحدة عاجزاً عن انصاف الآلاف من الفلسطينيين الذين قتلهم الاحتلال بجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية متكاملة الأركان؟، كيف لهذا العالم اللاأخلاقي أن يحدثنا عن حقوق الانسان في الوقت الذي يفتح ذراعيه لإستقبال القتلة من قيادات الاحتلال بل وتسهر دوله على تعديل قوانينها كي تمنع مواطنيها من ملاحقتهم قضائياً؟.
أربعة عشر سنة مرت على اغتيال الرئيس ياسر عرفات، لم تكن كافية لأن يسأل العالم من إغتاله وكيف؟، لم تجرؤ فرنسا على نشر ما لديها مما يدين القاتل واكتفت بتقرير طبي يجنب القاتل أصابع الاتهام، فرنسا ليست وحدها التي تعرف من قتل ابو عمار فهناك دولاً تعرف الحقيقة قبل الاغتيال وبعده، والحقيقة ليست بحاجة لجهد استخباري معمق فلدى الكثير من أجهزة الدول الامنية ما يكفي لإدانة القاتل، بقي العالم صامتاً بل وشارك في إخفاء الأدلة لأن القاتل دولة فوق القانون، دولة لا يجرؤ أحد في العالم على مساءلتها ويحق لها ما لا يحق لغيرها، كيف انتفض العالم لمقتل خاشقجي وغض الطرف على إغتيال أبو عمار؟، ألم يكن في إغتيال ياسر عرفات إغتيالاً للسلام في المنطقة؟، ألم يشكل غيابه خسارة كبيرة للحالمين بالحرية والعدالة قبل أن يكون خسارة جسيمة للشعب الفلسطيني؟، ألا يحق لنا أن نغضب حين نسمع هذا العالم وهو يتحدث عن حقوق الانسان؟، ألا يحق لنا أن نكفر بعالم يرفق بالحيوان ولا يهتز لقتل آدميتنا؟، كيف لنا أن نؤمن بعالم يتغنى بحقوق الانسان ونحن نرى متعلقاته القانونية تحت أقدام الاحتلال؟.
د. أسامه الفرا