المقاومة في مواجهة الإرهاب الأميركي والإسرائيلي

بقلم: غازي حسين

بررت الولايات المتحدة الأمريكية حروبها وحروب إسرائيل الوقائية والاستباقية أي حروبهما العدوانية بأكذوبة حماية الأمن القومي والدفاع عن النفس وبمكافحة الإرهاب. وتدمغ الدولتان حركات مقاومة الاحتلالين الأمريكي والإسرائيلي بالإرهاب ودعمتهما الحكومات العربية التي وقعت اتفاقات الإذعان ودول الخليج وجامعة الدول العربية.

تدعم الولايات المتحدة إستعمار وإرهاب وعنصرية إسرائيل ضد الشعب العربي الفلسطيني والسوري واللبناني وإرهاب القاعدة والنصرة وبقية المجموعات التكفيرية في سورية لخدمة مصالحها ومصالح إسرائيل الحليف الاستراتيجي لها داخل الامم المتحدة وخارجها.

ووضع يهود الإدارات الأمريكية في عهدي كلنتون وبوش الابن مقولة صاغها الصهيوني المتوحش جون بولتون ممثل الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة واليهودي بول ولفوفيتش نائب وزير الحرب الأمريكي، وأمير الظلام اليهودي ريتشارد بيرل تقول:

«دمروا العراق وأضعفوا سورية وإيران فيركع الفلسطينيون» وقرروا أيضاً بعد التخلص من الدول الشيوعية التخلص من الأحزاب والدول القومية والمحافظة على اتفاقات الإذعان في كمب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، والتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين وتسليمهم السلطة في مرحلة الربيع العربي بدعم وتأييد كاملين من مشيخات وممالك النفط والغاز في الخليج، لتصفية قضية فلسطين وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية عن طريق مشروع الشرق الأوسط الجديد والتطبيع والتحالف معها لمواجهة حركات ومحور المقاومة

وكان الرئيس رونالد ريغان قد قرر في بداية كانون الثاني عام 1986 تغيير النظام في ليبيا بحجة «أن ليبيا تعادي إسرائيل وتدعم عمليات الإرهاب وتقدم للمنظمات الإرهابية (منظمات المقاومة الفلسطينية) المال والسلاح والتدريب.

وقرر فرض المقاطعة الاقتصادية الشاملة عليها بدعم من دول الجامعة العربية، وأخذت الولايات المتحدة تقدم الدعم للمعارضة الليبية، وكلف وكالة المخابرات المركزية بوضع الخطط السرية للإطاحة بالنظام في ليبيا، كما طلب ريغان من الأوروبيين أن يحذو حذو بلاده.

وأقحم ليبيا بدعم من الإعلام الصهيوني في عمليتي روما وباريس ضد مكاتب شركة العال في 27/12/1985 التي نفذتهما حركة فتح ـــ المجلس الثوري (جماعة أبو نضال).

طالبت إسرائيل والصهيونية العالمية ويهود الإدارات الأمريكية أن تقوم واشنطن بعملية عسكرية ضد ليبيا، تساهم فيها أوروبا الغربية بجانب الولايات المتحدة، إلاَّ أن دول الاتحاد الأوروبي رفضت ذلك ورفضت حتى المشاركة في المقاطعة الاقتصادية نظراً لاختلاف المصالح بين أوروبا وأمريكا في ليبيا.

ووضعت المؤسسات الاستخباراتية والعسكرية الأمريكية مجموعة من الخيارات الإرهابية ضد الدولة الليبية، وحرَّكتْ قطع الأسطول السادس باتجاه مياهها الإقليمية، وأرسلت الطائرات الحربية إلى جزيرة صقلية.

واتخذت كافة الإجراءات اللازمة للقيام بعمليات إرهابية ضدها لكسر إرادتها الوطنية وانتقاماً منها لدعم المقاومة الفلسطينية ولتغيير توجهاتها السياسية بما يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية.

وأعلن شمعون بيرس، رئيس وزراء العدو الإسرائيلي آنذاك بأن إسرائيل ستضرب ليبيا مركز الإرهاب العالمي. وتالياً اتفق الرئيسان الأمريكي ريغان والإسرائيلي بيرس على ضرب ليبيا.

وقامت إدارة ريغان في نيسان 1986 بعدوان مسلح على ليبيا بالإغارة على المنشآت المدنية في طرابلس وبنغازي لممارسة الإرهاب الدولي وإرهاب الدولة الأمريكية وللضغط والابتزاز على القيادة الليبية لتغيير توجهاتها السياسية بأكذوبة مكافحة الإرهاب.

وكان إرتكاب إدارة ريغان الاعتداء المسلح على ليبيا عمل إرهابي ضد المدنيين وضد دولة مستقلة ذات سيادة عضواً في الأمم المتحدة لإرضاء «إسرائيل» واليهودية العالمية وخدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية وتتناقض جريمة الحرب هذه مع ميثاق الأمم المتحدة والقواعد الأساسية الملزمة في القانون الدولي.

وجاء عمرو موسى، أمين عام الجامعة العربية وطلب من مجلس الأمن باسم جامعة الدول العربية تدخل الناتو العسكري في ليبيا، للإطاحة بالنظام فيها وتدمير منجزات الشعب الليبي وفرض السيطرة الغربية على النفط الليبي.

واشترك الجيشان القطري والإماراتي في غزو ليبيا وتدميرها وقتل أكثر من 70 ألف من مواطنيها.

وجاء الطلب القطري وعمرو موسى بتدخل الناتو العسكري في ليبيا لتحقيق الهدف الأمريكي والإسرائيلي القديم الجديد لفرض الحل الإسرائيلي لقضية فلسطين في المراحل اللاحقة.

إن إرهاب الدولة والإرهاب الدولي هو الحرب العدوانية التي تمارس ضد الدول والشعوب لانتهاك سيادتها ونهب ثرواتها وكسر إرادتها وفرض الهيمنة عليها والإطاحة بالأنظمة فيها وتدمير منجزاتها وتنصيب الكرزايات عليها لتحقيق المصالح الغربية والصهيونية.

ويتعارض الإرهاب مع ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبقية العهود والمواثيق الدولية ومع القواعد الملزمة في القانون الدولي.

ويجسّد الاحتلال والاستعمار الاستيطاني في فلسطين والجولان ومزارع شبعا وكفر شوبا ذروة الإرهاب. ويهدد الإرهاب الأمريكي والإسرائيلي والعقوبات الاقتصادية بأكذوبة مكافحة الإرهاب السلم والأمن والحل السياسي ويعرقل التنمية والتطوروإعادة الاعمار في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم بأسره.

وتزعم الولايات المتحدة أن الإرهاب الإسرائيلي وممارسة إسرائيل للإرهاب بأنها في حالة الدفاع عن النفس. وتمنع إدانتها في مجلس الأمن الدولي. وتحول دون قيام مجلس الأمن بواجباته الأساسية وهي وقف العدوان الإسرائيلي المستمر على فلسطين وسورية ولبنان والعراق واليمن ومعاقبة المعتدي الامريكي والإسرائيلي على حروبه العدوانية وعلى الجرائم ضد السلام وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها.

ووصل الإرهاب الأمريكي حداً وصف فيه مجرم الحرب الرئيس بوش الابن «المقاومة الفلسطينية» للاحتلال الإسرائيلي بالإرهاب. ووعد الرئيس كلنتون في قمة شرم الشيخ الأمنية بحضور مبارك وعباس بسحق المقاومة الفلسطينية.

وحمل الرئيس الأمريكي كلنتون المشاركين العرب في قمة شرم الشيخ الأمنية، وهم عرب مشيخات وممالك الخليج والأردن على عدم التفريق بين المقاومة والإرهاب وإدانة العمليات

الاستشهادية ووصفوها بالإرهابية خلافاً لمبادئ القانون الدولي وانتهاكاً فظاً للاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب.

وأعلن الرئيس الأمريكي أمام المشتركين في القمة العالمية عزمه على سحق المقاومة الفلسطينية أي ممارسة الإرهاب الأمريكي دفاعاً عن الإرهاب الإسرائيلي وإسرائيل التي تأسست من رحم الإرهاب الصهيوني.

ووصف قمة شرم الشيخ الأمنية التي عقدها بالتعاون مع الطاغية المخلوع حسني مبارك بأنها ناجحة جداً ومثمرة وبناءة.

وأعلن عن إنشاء مجموعة عمل للمتابعة ووضع الآليات للقضاء على حركة المقاومة الفلسطينية وحزب الله.

ونجح العدو الإسرائيلي من خلال القمة في إقامة مؤسسات وهيئات للتعاون في مجال مكافحة حركات المقاومة العربية بذريعة مكافحة الإرهاب. وخرج مجرم الحرب شمعون بيرس من القمة ليقتل ويدمر ويحرق من يشاء ومتى يشاء في الضفة الغربية وجنوب لبنان.

حيث قال له المشاركون في القمة العالمية اذهب ونحن معك في القتل والتدمير والمجازر الجماعية في الضفة والقطاع وجنوب لبنان. أعطتْ الإدارة الأمريكية من خلال قمة شرم الشيخ الأمنية العالمية للعدو الإسرائيلي المشروعية في الاستمرار بارتكاب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والاغتيالات وسياسة الأرض المحروقة. واطمأنت إسرائيل للغطاء الرسمي الفلسطيني والعربي والدولي للاستمرار في ممارسة الإرهاب للقضاء على حركات المقاومة لتصفية قضية فلسطين.

وزار الرئيس الأمريكي بيل كلنتون «إسرائيل» بعد القمة مباشرة ووقع معها اتفاقاً أمنياً اعتبره بيرس أهم ثالث اتفاقية بعد اتفاقيتي أوسلو ووادي عربة. وقال الرئيس الأمريكي أن الاتفاقية تنص على تقوية الحرب ضد الإرهاب في ثلاثة مجالات وهي: أولاً: البدء في مد إسرائيل بمعدات وتدريب إضافي. ثانياً: ستتعاون الدولتان لتطوير وسائل وتكنولوجيا جديدة لمكافحة الإرهاب. ثالثاً: ستعمل من أجل تعزيز الاتصالات والتعاون بين البلدين ومع حكومات شاركتنا ضد الإرهاب. والتزم بتقديم (100) مليون دولار لمساعدة الإرهاب الإسرائيلي.

إن الولايات المتحدة وإسرائيل ويهود الإدارات الأمريكية واللوبيات اليهودية تعتبر أن مقاومة الاحتلالين الإسرائيلي والأمريكي بمثابة الإرهاب، وأن كل حركات التحرر الوطنية إرهابية ويجب القضاء عليها، وإن إرهابهم هو للقضاء على الإرهاب أي على حركات المقاومة.

بدأت المدرسة الأمريكية في الإرهاب بإفناء (90) مليون من الهنود الحمر وممارسة العنصرية والتمييز العنصري لمواطنيها من السود، وتدعم الولايات المتحدة المدرسة التوراتية والتلمودية والصهيونية في الإرهاب التي تعمل على إبادة الشعب العربي الفلسطيني وتهويد فلسطين وسرقة مياهها وثرواتها وتدمير المنجزات وعرقلة الوحدة العربية.

إن تاريخ الولايات المتحدة وإسرائيل في ممارسة الإرهاب والعمليات الإرهابية تاريخ حافل بالحروب العدوانية والمجازر الجماعية والاغتيالات السياسية وتدمير المنجزات والمقدسات وسرقة الثروات الطبيعية.

وانطلاقاً من مبادئ القانون الدولي والمواثيق الدولية يجب التفريق بين المقاومة والإرهاب ودعم المقاومة ومكافحة الإرهاب. فالشعوب العربية والإسلامية ترفض وتدين الإرهاب، وتدعم حركات المقاومة وتعتبرها مشروعة لتحرير الأوطان من الاحتلال الأجنبي. وتعتبر أن الحروب العدوانية وخاصة الاستباقية والوقائية، ذروة الإرهاب، وإن إرهاب المحتل لا يرهب الشعوب ولا يحملها على الاستسلام.

إن مقاومة الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي ليس جائزاً فقط، بل هو حق وواجب تقره الشرائع السماوية والقوانين الوضعية وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها.

إن الفكر السياسي الصهيوني لا يقر بشرعية الكفاح المسلح للتخلص من نير الاستعمار والعنصرية والاحتلال، ويعتبره إرهاباً. ويقر الحروب العدوانية والمجازر الجماعية وسياسة الأرض المحروقة التي طبقتها وتطبقها الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي انطلاقاً من التعاليم التي رسخها كتبة التوراة والتلمود والمسيحية الصهيونية واليمين السياسي الامريكي.

ولّدتْ السياسة الأمريكية المنحازة والداعمة والمدافعة عن الإرهاب الإسرائيلي شعوراً كبيراً من الإحباط السياسي والاجتماعي لدى الشعوب العربية والإسلامية وبقية شعوب العالم. وقاد الشعور بالغبن والإحباط وانتهاك السيادة والمقدسات ونهب الأرض والثروات وقتل

المدنيين الأبرياء إلى اللجوء إلى العنف انطلاقاً من مبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق الدولية وتجارب الشعوب الأوروبية إبان الاحتلال النازي.

إن الإرهاب الأمريكي والإسرائيلي إرهاب لا مثيل له في التاريخ البشري. فالولايات المتحدة أبادت الهنود الحمر وهي الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت القنابل الذرية في نيكازاكي وهيروشيما، وأشعلت الحربين العالميتين في كوريا وفيتنام. واشتركت مع إسرائيل في حرب حزيران العدوانية عام 1967 وفي الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، ولا تزال تدافع عن الاحتلال الإسرائيلي للقدس وفلسطين والجولان ومزارع شبعا. ودافعت الولايات المتحدة عن إسرائيل المعتدية دون الاكتراث بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، واشتركت مع إسرائيل في حرب تشرين دفاعاً عن احتلالها للأراضي العربية، مما دفع بغولدمائير إلى القول بأن الجسر الجوي الأمريكي خلال الحرب رفع الروح المعنوية الإسرائيلية (المنهارة)، وردع الاتحاد السوفيتي، وجعل النصر الإسرائيلي ممكناً. وأنقذت إدارة اليهودي كيسنجر بتدخلها المباشر في الحرب الجيش الإسرائيلي من الهزيمة وإسرائيل من الانهيار. ووافقت الولايات المتحدة في عهد ريغان والجنرال هيج على الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 لتصفية الوجود العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وإجبارها على إسقاط الخيار العسكري واعتماد الخيار السياسي وإقامة سلطة كتائبية، وتعيين أول رئيس في بلد عربي وهو بشير الجميل، وإجبار حكومة أمين الجميل على توقيع اتفاق الإذعان في 17 أيار. وكانت إدارة ريغان على علم بالغزو الإسرائيلي، بل وأعطت الضوء الأخضر لاندلاعه.

ووقف ممثلها في مجلس الأمن يدافع عنه واعتبره دفاعاً عن النفس، واستخدم الفيتو للحيلولة دون إدانته.

تبنت الولايات المتحدة وإسرائيل محاربة حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية ومناهضة العروبة والإسلام بذريعة كاذبة وهي مكافحة الإرهاب لخدمة مصالحهما بتهويد فلسطين واستغلال الثروات الطبيعية وفتح جميع الأبواب العربية أمام العدو الإسرائيلي. وحالت الإدارات الأمريكية دون قيام مجلس الأمن بواجباته الأساسية وهي المحافظة على الاستقرار والسلام ووقف المعتدي الإسرائيلي.

إن إرهاب الماضي والحاضر الأمريكي والإسرائيلي يهدف إلى الإطاحة بالأنظمة الوطنية والقومية وكسر إرادتها وتهويد القدس وفلسطين وإخضاع العرب والمسلمين إلى الهيمنتين الأمريكية والإسرائيلية وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال إشعال الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية لتفتيت البلدان العربية وإقامة مشروع الشرق الأوسط الجديد، ولكن العدو لن ينجح رغم وحشيته وهمجيته، ولن يحقق أهدافه، فالنصر دائماً وأبداً للشعوب المناضلة بالمقاومة المسلحة وتعزيز ثقافتها ومكافحة إرهاب المستعمِر والمحتل وجميع أشكال الإرهاب والعنصرية والاحتلال وتوجيه المقاومة المسلحة لتحرير القدس وفلسطين وزوال الكيان الصهيوني.

بقلم/ د. غازي حسين