وكيف يرى المديرون معلمي المدارس؟
وكيف يرى الطلبة المعلمين والمديرين معا؟
وكيف يرى الطلبة علاقة المعلمين بالمديرين؟ أي كيف يرون رؤية المديرين والمعلمين لبعضهم بعضا ولأنفسهم؟ وأيضا كيف يرى المعلمون والمديرون رؤية الطلبة لهم ولأنفسهم؟
وهل تتطور الرؤية خلال سنوات الدراسة؟ وهل تتغير؟
بنظري فإن الإجابة عن سؤال العنوان، يستدعي النظر والتدبر في الأسئلة السابقة، وأخرى يمكن توليدها.
تربويا، تبادر إلى ذهني فور قراءة عنوان البحث " الأنماط القيادية المفضلة لمديري المدارس من وجهة نظر المعلمين الفائزين بجائزة الملكة رانية العبد الله للمعلم المتميز وعلاقتها بتميزهم التربوي" وهو بحث مُحكّم، نشرته المجلة الأردنية في العلوم التربوية، موضوع آخر، ألا وهو دراسة الآثار التربوية للمعلمين الفائزين بجائزة الملكة رانية العبد الله على طلبتهم، كونهم الأداة والهدف والفعل التربوي الأساسي، حيث تم تميز المعلمين بناء على المساهمات الإبداعية في التعليم، من منطلق أن المخرجات التربوية هي غاية التعليم العام.
إن دراسة طلبة المعلمين/ت المتميزين يوضح لنا إلى أي مدى كان التميز، وإلى أي مدى حصل التغيير التربوي داخل غرف الدروس.
أما وقد انصب البحث كله على المعلمين من حيث رؤيتهم بالأنماط الإدارية، فليس لنا إلا أن نقرأه، ونحلله، باتجاه دراسة ناقدة، أو لعلها محاولة نقدية في الأدب التربوي.
الدراسة بحد ذاتها عن آراء المبحوثين تجاه أنماط مديري المدارس، دراسة وصفية وتحليلية ونقدية، بمعنى أوضح، فإن تأمل آراء المعلمين، يجد أنها تصف أمرين:
الأول: الإدارات الحداثوية (من تحويلية وتبادلية).
الثاني: وصف الإدارة التقليدية والتي تندرج فيها الإدارة الترسلية.
فما تم تفضيله من نمط إداري حديث، يعني نقد للأنماط الإدارية التقليدية.
والآراء عن الحديث (والقديم السائد)، هي آراء تحليلية كونها مبنية على محاور ثم اقتراح أسئلة حولها، أي يمكن من خلال القراءة فهم التحليل التربوي للمعلمين من جهة، وللباحثين من جهة أخرى.
وهذا يقود إلى المنظور النقدي الكامن في الدارسة، والكامن في أسلوب وفكر المعلمين. والذي يعني أمرين:
أن المعلمين المتميزين عملوا في ظل إدارة حديثة (تحويلية وتبادلية ..).
أن المعلمين يطمحون إلى هذا النوع من الإدارة.
لقد نبعت برأيي أهميتها لسببين:
كون المعلمون المتميزون حاصلين على جائزة ملكية سامية.
وكون المعلمون نخبة تربوية على مستوى المملكة، يستحقون البحث من جوانب مختلفة منها موضوع البحث.
ولما كان التميز يعني التغيير، فقد كنا نتوقع عقد نوع من المقارنة بين الأساليب التربوية السائدة، والأساليب الحديثة، حتى يتعمق لدينا اتجاهات تفضيل الحدث. وهذا لم يرد إلا بشكل محدد.
لقد كان وجود الجائزة هو المحرك للدراسة، وهذا يعني أيضاً أهمية الجوائز إعلامياً لتسليط الضوء على قضايا التعليم.
ما الجديد في الدراسة؟ ربما هذا سؤال أساسي، فبعد قراءة البحث المشغول بعناية، من خلال تتبع المصادر في الأدبيات التربوية، وتتبع تحصيل آراء العينات، وبعد الاطلاع على الملخص الذي يشير على انطباعات الباحث الأولية عن دراسته، ثم الإطلاع على النتائج والتوصيات، سنجد أنفسنا – رغم الجهد المبذول، نعيد النظر في الكيفية البحثية وأهداف البحوث.
لقد وصل الباحث إلى نتائج شبة معروفة سلفاً، فلماذا تم البحث؟
فإذا كان الهدف معرفة اتجاهات المعلمين نحو أساليب الإدارة المدرسية، فإنه هدف غير عميق، أما السبب فيعود إلى أنه كان مهماً أن يراعي الباحث مسألتين:
كيف تجري الإدارة التربوية في مدارس المملكة من مدارس حكومية وخاصة ووكالة غوث؟
وكيف تجري الإدارة التحويلية وغيرها؟
وعلى ضوء ذلك يتم بلورة الهدف باتجاه غرف الصف باعتبارها همّ واهتمام وعمل الإدارات والمعلمين معاً.
إن تركيز البحث على المعلمين وعلى النط المفترض (المفضّل) طبع الدراسة بطابع تجريدي. حيث جاءت الدراسة كأنها تتحدث عن النمط المعاصر.
ولو تم تركيز البحث من زاوية تفضيل المعلمين لنمط إداري بناء على أثرة المباشر، وأثر النمط التقليدي، لجاء أكثر عمقاً وهنا نجد المعلم كأنه يتحدث بشكل إنشائي عن التربية، وليس بشكل عملي – مختبري.
كما أن أسلوب الدراسة نفسها تنسجم مع ما ذهبنا إليه، حيث قدّمت الوزارة ما كان حقه التأخير، كان من الأفضل عرض التجربة، ثم مناقشتها من خلال الأدبيات التربوية المعاصرة.
لماذا قلنا ما سبق من نقد استهلالي؟
لقد كان من المفروض أن نصف الدراسة، من حيث أفكارها وموضوعاتها، وغير ذلك مما هو متوقع، لكن ما دفعنا إلى البدء بالنقد هو تكرار الأبحاث الأكاديمية، والتي للأسف لا تبعد انطباعات الباحث عن نتائج البحث. فكأن التربية في جانب والأكاديمية في جانب آخر.
تقليدياً، وحسب ما هو سائد في البحث الأكاديمي، تعتبر دراسة كل من عبد الله أبو تينة، وعصمت الروسان المنجزة عام 2007، أي قبل 5 سنوات، دراسة وافية، بل متميزة أيضاً، من حيث شمولها، وتلبيتها شرط البحث والدراسة.
نعم أزعم أنها دراسة متكاملة، وصفياً وبحثياً، وإحصائياً، غنية بالمصادر التربوية، وقوية في تحليل عوامل الارتباط، حتى لكأن الباحثين محترفان في التحليل الإحصائي.
وهي دراسة موضوعية، بسبب الموضوع نفسه، والذي هو بعيد عن العوامل الذاتية، رغم أن المبحوثين حاصلون على جائزة الملكة رانية العبد الله.
كما أنها فعلاً أثارت قضية الإدارة التربوية، وهي أصلاً قضية مهمة في النقاش، شرط وجود حقيقي لدور المدير/ة.
ونحن نزعم أن هذا الدور غير متوفر في مدارس المملكة ولا في الوطن العربي، حيث يشكل المدير/ة حالة تقليدية من الإدارة، تنسجم مع الحالة التقليدية في الحكم والإدارة في النظم السياسية والاجتماعية والثقافية.
أي أن الدراسة مهمة، لكن تتم عن مديري/ات مدارس مقترحين(افتراضيا) غير موجودين في المدارس.
محور الدراسة:
فصلت الدراسة مدى تفضيل المعلمين المتميزين للأنماط الإدارية، وقد كانت اتجاهاتهم نحو تفضيل نمط القيادة التحويلية ثم القيادة التبادلية، ثم الترسلية.
ونرى من المناسب اقتباس تعريف هذه الأنماط من واقع الدراسة، كي تكون أكثر دقة ونحن نتحدث عن البحث محل القراءة.
القيادة التحويلية: نمط من القيادة يندمج فيه المعلمون والمدير بطريقة يرتقون فيها ببعضهم بعضاً إلى أعلى مستوى من الدافعية والأخلاق، مقاساً بمتوسط الدرجات التي تم الحصول عليها في فقرات استبانة وصف نمط القيادة التحويلية لمديري المدارس، المعد لهذه الغاية.
القيادة التبادلية: نمط من القيادة يأخذ فيه المدير المبادرة في صنع اتصال مباشر مع المعلمين بهدف تبادل أشياء ذات قيمة مقاساً بمتوسط الدرجات التي تم الحصول عليها في فقرات استبانة وصف نمط القيادة التبادلية لمديري المدارس، المعد لهذه الغاية.
القيادة الترسلية: نمط من القيادة يتم خلاله ترك الحرية للمرؤوسين في انجاز المهمات دون أدنى تدخل مقاساً بمتوسط الدرجات التي تم الحصول عليها في فقرات استبانة وصف نمط القيادة الترسلية لمديري المدارس، المعد لهذه الغاية.
أما التميز، فقد لا تختلف كذا في تحديده، وتحديد معاييره.
وقد أفضت نتيجة البحث إلى تفصيل نمط القيادة التحويلية، ثم التبادلية، ثم الترسلية.
وداخل كل نمط، ثم رصد 8 أنماط فرعية 4 للتحويلية (التأثير المثالي، الدافع الإلهامي، الاستشارة الفكرية، الاعتبارات الفردية)، و3 للتبادلية (المكافأة المحتملة، الإدارة النشطة، الإدارة السلبية)، وواحد للترسلية (هو إطلاق الحرية). مما أكسب الدراسة حيوية وفائدة.
تفاصيل النتيجة، أظهرت تفاصيل اتجاهات المعلمين، نحو الأنماط الثلاث، بما فيها من أنماط فرعية.
ولعلنا نصف عند مفهوم «القدوة» الذي ظهر في العبارة التحويلية.
وقد قام الباحث بتحليل النتائج حول الأنماط الثلاثة بفروعها الثمانية.
حيث انسجمت اتجاهات آراء المعلمين نحو الأنماط الفرعية مع آرائهم في الأنماط الرئيسة.
وقد تم بناء التوصيات عليها بشكل منطقي.
وقد أعجبني أنه خلال تحليل أهمية الأنماط الفرعية للقيادتين، قام الباحث بالتوصية بالاهتمام من مجالات القيادتين التبادلية والتحويلية، رغم تفضيل التحويلية.
وقد كنا نتوقع أن يوصي بدمج (الحرية) في القيادة الترسلية، حيث أنها مهمة أيضاً لتطوير التعليم.
فكر تربوي أو مذاهب!
هي مذاهب أكثر منها أفكارا، أي أن هناك اهتمام بالقيادة التحويلية والتبادلية، وبناء على ذلك تم بناء البحث، أي أن الأفكار التربوية هنا تعتبر جاهزة.
لقد جيء بهذه الأنماط العالمية التي بنيت وتمت خارج الإقليم.
ولقد جيء بالاقتباسات التربوية من أدبيات عالمية، (وعربية بشكل أقلّ).
ثم تم عمل استبيانات للمعلمين المتميزين، من حيث تفضيلهم للنمط غير التقليدي، فهذه الأفكار معروفة سلفاً، وفضيلة الباحثين هي في اقتراحها على لسان المعلمين المتميزين.
وهذا يقودنا إلى أننا أمة تستهلك الأدبيات وتحاكيها أكثر من مناقشتها، أي أننا غير مبدعين، بل وتابعين، فقط لأن هذه النماذج نجحت في الغرب، أما كيف نجحت وما هي سياقاتها وظروفها، وما مستويات الطلبة وعمليات تنشئتهم، فهذه أمور أخرى.
كان من الأجدى لو تم تأجيل الدراسة، بعيداً عن المحاكاة لما هو جاهز. ومن ثم تقوم بالاستعادة من المنجز العالمي، حيث أنه لا يوجد نموذج واحد وحيد للنجاح في العلوم الإنسانية.
لو تم الانشغال، وبذل الطاقة البحثية مجال المجتمع العربي – (الأردني) كيف يعمل، وتحليل اجتماع التربية (الناحية الاجتماعية للتعليم في المدرسة وفي البيت والمجتمع) والعلاقات الاجتماعية، والنظام السياسي لاستطعنا تشخيص الحالة أفضل، فبداهة هناك خصوصيات للمجتمعات، وللنظم الاجتماعية والتربوية. فما يصلح هنا قد لا يصلح هناك.
إن الأكاديميين ما زالوا مفتوحين بالمنجزات التي تتم خارج الإقليم العربي، علماً أن هناك انجازات داخل المجتمع، ودليل ذلك وجود المعلمين المتميزين الحاصلين على جائزة ملكية سامية.
بقلم/ تحسين يقين