كنت أستمع إلى 'ميس شلش'، وهي تقول: وين أزفك وين، يا أغلى رئيس، والعطر يا زين، جبته من باريس، عندما تذكرت كيف اقترب صديقي من أبي عمار، وهمس في أذنه: إنهم يتآمرون عليك، وقد يقتلونك يا أبا عمار، نظر إليه أبو عمار، ثم جال بعينيه في الآفاق كمن يقرأ الغيب، وقال: لن يفعلوها، وعاد ليغرق في الأوراق على سطح مكتبه، ولكن لم تمض عدة أشهر على التاريخ الذي حدثني فيه القيادي من حركة فتح بالواقعة، حتى فعلوها، وقتلوه.
فعلوها؛ لأن أبا عمار ثار لفلسطين، واختار طريق المواجهة، وليس كما أخطأ في التقدير بعض قياديي حماس، وأحد قياديي الجهاد، وانجروا وراء بعض رموز السلطة في القول: إن السيد عباس سيلقى مصير أبي عمار في حال بقى متمسكاً بالثوابت الفلسطينية.
إن رفض عباس لا يستوجب غضب أمريكا، وإنما يتطلب العتب، والسيد عباس يعرف ذلك، ويعرف أنه يسير بخطى واثقة على طريق ستفضي إلى تعزيز مكانته داخل المجتمع الفلسطيني، وداخل الحلبة الدولية، وأنهم لن يفعلوا معه مثلما فعلوا مع أبي عمار، الذي مارس العمل المقاوم مع كتائب الأقصى، واختار طريق الشهادة مع كتائب القسام، وهي تواجه الإسرائيليين، ومع كتائب السرايا، وكتائب أبي علي مصطفى، لقد اختار أبو عمار طريق المقاومة، ليختار أعداؤه في المقابل طريقة تصفيته، وهنا يبرز الفارق بين أبي عمار وبين السيد عباس، فأبو عمار لم يقل: لا. وكفى، والصلاة والسلام على المصطفى، أبو عمار قال: لا، على طريقة الشهيد عبد الرحيم محمود:
قل: لا؛ وأتبعها الفعال، ولا تَخفْ وانظر هنالك كيف تحنى الهام؟
هذي طريقك في الحياة، فلا تَحدْ قد سارها من قبلك القســامُ
لقد قال أبو عمار: لا، وفعل الفعل المقاوم، بينما السيد عباس يقول: لا، وهو ينتظر الفرصة كي يواصل مشواره الذي لا صلة له بالمقاومة.
وللتذكير، فقد حوصر الرئيس أبو عمار في المقاطعة، في الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء السيد عباس يلتقي مع شارون وبوش في قمة العقبة في يونيه 2003، رغم المظاهرات التي سارت في شوارع غزة منددة بحصار أبي عمار، وبقرارات قمة العقبة، ليظل السيد عباس حريصاً على لقاء الإسرائيليين حتى شهر سبتمبر 2009.
كان لحاتم الطائي أخٌ صغير، حاول أن يقتفي أثره في الكرم بعد موته، ولكن أمه التي تعرف الحقيقة قالت له: اقعد يا ولدي، فلن تكون حاتم الطائي، تالله، مذ كان حاتم طفلاً؛ ما رضي أن يلقم حلمة ثديي الأيمن إلا إذا أحضرت طفلاً آخر، وألقمته حلمة ثديي الأيسر!.
د. فايز أبو شمالة