تلقيت ضمن الردود والتعليقات على مقالي الأخير بمناسبة الذكرى الرابعة عشر لاستشهاد القائد الرمز ياسر عرفات الكثير من الردود التي اعتز بها وأقدرها كثيرا ، خاصة واننا يجمعنا حب فلسطين ولوفاء للشهيد ابو عمار والحنين الى رمزيته في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها قضيتنا الوطنية.
وتوقفت كثيرا أمام قصيدة ارسلها الصديق الدكتور ناصر الدجني والتي أثارت الكثير من المواجع خاصة تلك التي تتعلق بالجوانب الشخصية والعائلية للقائد الرمز ياسر عرفات والتي كنت من القلائل المطلعين عليها، بحكم علاقاتي وعملي بالقرب من "الختيار" .
واليكم نص القصيدة :
إلى الشهيد الرئيس / ياسر عرفات
حديث طفلة مع نفسها
لم ترحل عنا أنت
لم ترحل
فأنت هنا في المكتب
وأنت هنا بين المناضلين
تكلمني في حلمي
ولكن لماذا يقولون بأنك قد رحلت
لا اصدق أحدا
لا اصدق سواك
فأنت لا تزال حيا
لكنك غادرتنا إلى بلاد تدعى الخلود
سامحني يا ابتي
فأنا أبكي كثيرا
رغم أنك لم تكن رؤوفا بي
إذ كنت تقضي كل وقتك في النضال
دون أن تبقي لي ساعة واحدة
تضمني فيها إلى صدرك
كنت أرى صورتك في الصحف أحيانا
وكنت أتضايق كثيرا
لأن الصورة كانت نفسها دائما
لم ترحل أنت ... لم ترحل
لقد شاهدت أطفال بلادي بلامس
يلعبون لعبة الثورات
ويختلفون فيمن يحمل اسمك
وان أغلقت الأبواب
فأنت طوال الليل تطرقها
وتوقظني لأفتحها لك
فلا أرى شيئا سوى الريح العاصفة
لم ترحل عنا .... أنت لم ترحل
ها هي ذي كوفيتك
وهذا معطفك
وهذه أوراقك لا تزال في درج المكتب
وصورتك أمامي على الجدار
وفي جيوب المناضلين
واسمك يلهج به أطفال بلادي
تصحبني في نومي
وتشرق في حلمي
لم ترحل عنا أنت لم ترحل
هم يقولون ذلك
أما أنا فأنني لا أصدقهم
لأنني لا اصدق غيرك .
*****
وفورا وبمجرد ان انتهيت من قراءة القصيدة تبادر الى ذهني "زهوة" ياسر عرفات التي لم يكتب لها ان تنعم في كنف ابيها بالحنان الذي كان من المفروض ان يمنحها إياه ، فقد كتب عليها القدر ان يشاركها جميع ابناء الشعب الفلسطيني في هذا "الأب" الذي كان حنونا وابا للجميع بدون استثناء.
فقد استمر الرئيس عرفات في الانهماك في عمله لساعات طويلة على حساب حياته الأسرية وفي هذا السياق يذكر الأخ حكم بلعاوي روايته حول مدى انشغال الرئيس عرفات عن أسرته وهو في فلسطين بعد دخول الوطن قائلا: أثناء زيارة اعتيادية إلى مكتب الرئيس عرفات حملت معي صورة فتاة صغيرة، وقدمتها له بينما كان منهمكا في عمله، فسأل لمن هذه الصورة، فرجوته أن يتمعنها، وقلت له يا أخ أبو عمار هذه ابنتك زهوة، ورفع رأسه متسائلاً من أين أتيت بهذه الصورة.. لقد كبرت ولا أعرف ملامحها الآن.. منذ غادرت الوطن مع أمها لا أعرف كيف أصبحت.. اسمع صوتها فقط عبر الهاتف.. وعاد يسأل هل قابلتها وأين ومتى حصلت على هذه الصورة. استمع لكل كلمة وعيناه تطفحان بالشوق والحنان والأبوة، واستفاق من تلك اللحظات مشدوداً إلى الأوراق التي بين يديه فوضع الصورة على يمينه (النص مقتبس من كتاب حركة فتح بين المقاومة والاغتيالات - الفصل العاشر).
وتذكرت ذلك الموقف مجددا عندما التقيت مع السيدة سهى عرفات وزهوة ياسر عرفات مؤخرا في رام الله لاجد نفسي قاد عاد بي الزمان الى الخلف سنوات طويلة لأجد نفسي في وسط أسرة ابو عمار ، الذي للأسف لم يكن حاضرا بجسده، ولكن روحه الطاهرة وقيمه الثورية والإنسانية لا زالت تنير طريقنا نحو الحرية والاستقلال.
رحمك الله يا أبا عمار ، لقد كان مشغولا بفلسطين وأبناءها وبناتها ، لقد مشغولا بهمومهم جميعا، ساعيا للأفضل لهم، لحياة أفضل ، لمستقبل أفضل، لوطن أفضل، لوطن حر اسمه فلسطين.
بقلم/ اللواء محمود الناطور