فى التصعيد الأخير بين غزة وإسرائيل استشهد قرابة 15 فلسطينى وجرح العشرات، وسوت إسرائيل بالأرض ما يزيد عن مئة وحدة سكنية إضافة إلى الدمار الجزئى للبنايات المجاورة لتك الوحدات خاصة وأن جلها يقع فى أحياء سكنية مكتظة.
وشهدت خلال 36 ساعة ما يزيد عن 150 غارة بصواريخ موجهة لها قوة تدميرية هائلة لما تحويه من أطنان من المواد المتفجرة؛ وفى المقابل كان رد غزة إطلاق وابل من القذائف على مستوطنات غلاف غزة لم يفلح جلها فى إحداث خسائر أو حتى أضرار تذكر باستثناء صاروخ واحد نجح فى الوصول إلى أحد البيوت فى عسقلان وأدى إلى سقوط قتيل؛ وحتى صاروخ الكورنيت الذى استهدف حافلة الجنود تعمد مطلقه إصابته بعد ترجل الجنود منه؛ إضافة إلى ذلك أن من تسبب فى هذا التصعيد هو الهجوم الاسرائيلى بادئ الأمر على خانيونس والذى أسفر عن قتل 7 عناصر عسكرية من الأمن العسكرى للمقاومة لتخليص وحدة استخبارية إسرائيلية اخترقت عمق القطاع لتنفيذ عملية معادية لازالت مجهولة المعالم كانت نتيجتها مقتل أحد ضباط الوحدة وللمفارقة فهذا الضابط هو ضابط درزى عربى من الأقلية الدرزية التى يستثنيها قانون القومية الاسرائيلى الجديد من حق التمثيل القومي وتقرير المصير فى الدولة العبرية.
بعد كل ذلك تشعر إسرائيل أنها هزمت فى هذه المواجهة وثمة مرارة يتجرعها المجتمع الصهيوني وصفها أحد كتاب صحيفة معاريف بأنها الأقرب لتلك المرارة التى تجرعتها إسرائيل عشية حرب يوم الغفران حرب أكتوبر73؛ وثمة مظاهرات واعتصامات احتجاجية فى كل إسرائيل تطالب بمحو الهزيمة التى الحقتها غزة بهم، وعلى المستوى السياسى لم يطق وزير الدفاع الاسرائيلى الوضع الشعبى الضاغط وقرر الاستقالة خوفا على مستقبله السياسى وتنصلا من تبعات هذه الهزيمة فى منظور المجتمع الصهيوني، ولازالت حكومة نتنياهو تصارع من أجل البقاء بعد تهديدات الأحزاب الائتلاف بإسقاطها.
إننا أمام مشهد عميق ذو دلالات وفاضح للمجتمع الصهيوني بحجم العنصرية والشعبوية اليمينية التى وصل إليها؛ كما أن المشهد معبرا جدا عن نظرة المجتمع الصهيوني فى ثقافته الجمعية للإنسان الفلسطينى الذى لا يرون فيه انسان يتساوى فى الحقوق معهم بالمطلق؛ أو بمعنى أصح مخلوق أقل أدمية منهم، فلسان حالهم يتسائل:
كيف يجرؤ هذا الفلسطيني الأقل أدمية الذى وضعناه نحن شعب الله المختار فى محمية اسمها قطاع غزة وحاصرناه على ما يزيد من عقد من الزمن لتتحول إلى حياة أقل رقى من حياة الحيوانات فى محمياتنا.
كيف يجرؤ على استعادة آدميته وأن يقول لقاتله كفاك قتل كفاك حصار.
كيف لازال هناك فى غزه بعد كل هذا التنكيل والاذلال من لا زال ينظر لنفسه على أنه مساوى فى الآدمية لشعب الله المختار.
وحقيقة المشهد أن المجتمع الاسرائيلي اليمينى العنصرى الصهيونى يلقى باللائمة على حكومته التى فشلت فى انتزاع أدمية فلسطينى غزة وردعهم بجباية فاتورة معتبرة من دمائهم المسفوحة بفعل الآلة العسكرية فى المقابل ليست حكومة نتنياهو إلا نتاج لناخبيها العنصريين، فهى باكورة هذه الثقافة العنصرية القومية العقائدية، لكن اللحظة السياسية الراهنة الاقليمية والدولية هى التى تكبل حتى حين وحشيتها فى جبي فاتورة الدم من الفلسطينيين وردعهم فى محميتهم المكتظة بما يزيد عن 2مليون نسمه.
يحاول نتنياهو اليوم الحفاظ على ائتلافه الحكومى من السقوط وتهدئة شهوته لرؤية الدم الفلسطينى مسفوحا فى الطرقات عبر إيصال رسالة لهم بأنه أكثر شهوة منهم ومن أحزاب المعارضة لكن الوقت غير مناسب الآن لممارسة الشهوات نظرا للتبعات الاستراتيجية المترتبة على ذلك وفى المقابل يعدهم بالاستمتاع قريبا وربما قريبا جدا بما يشتهوا لكنه يطلب منهم الصبر(اصبروا وستجدون ما يسركم)
هذا هو التوصيف الحقيقى لطبيعة لما يجرى اليوم فى إسرائيل؛ إنه غليان العنصرية الفاشية القومية العقائدية، وهو أوضح صور العنصرية ومعادة السامية تتجسد بشكل عملى فى التنافس السياسى ليس على انتزاع الحقوق السياسية للفلسطينيين فحسب بل على انتزاع آدميتهم.
بقلم/ د. عبير ثابت