الخطاب الذي ألقاه رئيس حركة حماس في قطاع غزة السيد يحيى السنوار ، في حفل تأبين الشهيد القسامي نور بركة ورفاقه الشهداء في خانيوس . خطاب يستدعي التوقف عنده ، والتأمل بما حمله من عناوين غاية في الأهمية ، إن لجهة التوقيت أوالمناسبة ، على وقع ما شهده القطاع من عدوان ، نستطيع القول فيه وعنه أنه الإخفاق " الإسرائيلي " بعينه ، فيما سجلت المقاومة وحاضنتها الشعبية الإنجاز الأهم بالتكامل مع مسيرات العودة ، في ظل ظروف بالغة الخطورة والدقة .
السنوار الذي بدأ خطابه بما حمّلهُ إياه المجاهد محمد ضيف القائد العام لكتائب القسام ، إنما مثلّ العلامة الفارقة والأهم في ذاك الخطاب ورسائله ، حين أكد قائد حماس في غزة القول : " قبل أن آتي إلى هنا بساعة ، تحدثت مع القائد العام لكتائب عز الدين القسام المجاهد محمد ضيف ، حيث حملني عدد من الرسائل " . فاتحة الكلمة بتقديري أنها لم ترد عبثاً ، بل هناك تقصد أن يحمل السنوار رسائل قائد القسام العام ويبلغها بطريقة النبرة القوية الحازمة والصارمة ، لتبدو أولاً وكأنها قطع في الطريق على الكثيرين ، والكثيرين هنا من خارج حماس ، وقد تجدهم داخل حماس ، لترسم خطوط التعاطي على أكثر من صعيد ومستوى ، سواء كان الحدث فلسطيني ، أو " إسرائيلي " ، أو عربي وإقليمي ، أو دولي . في وقت كادت التهدئة مع قطاع غزة بوساطة مصرية أن تتحقق لولا العدوان " الإسرائيلي " ، وهذا لا يعني أنها توقفت ، بل عادت عجلتها للدوران فور توقف العدوان . وثانياً ، أُريد لرسائل المجاهد ضيف أن تتكامل مع عناوين خطاب السنوار ، بمعنى التطابق بين رسائل ضيف العسكرية ، ورسائل السنوار السياسية .
ما حملته الرسائل العسكرية ، كانت واضحة لا لبس فيها ، كيف لا وهي على لسان المجاهد محمد ضيف المطلوب الأول للعدو الصهيوني ، وهو الذي لم يقعده وضعه الصحي على الإصرار والعزيمة ، وإرادة المثابرة على تطوير قدرات المقاومة في القطاع الذي تحول إلى قاعدة مادية للمقاومة الفلسطينية تقلق العدو وقادته . فما قال محمد ضيف بلسان السنوار في رسالتيه الثانية والثالثة ، عن تصميم المقاومة عند أية حماقة " إسرائيلية " جديدة ، في ضرب " تل أبيب " برشقة من الصواريخ . ومن ثم قوله أن موعدنا مع كل حدث يقربنا من تحقيق النصر ، وهذ يعبر عما تتطلع إليه جموع شعبنا في ازدياد اليقين في دحر الاحتلال الغاصب عن أرضنا .
ما حملته كلمة السنوار من مواقف سياسية ، يؤكد من خلالها أنّ حماس - وهي الطرف الآخر من التهدئة – لن تبيع دماء الشهداء لا بالسولار ولا بالدولار ، ولن تسمح لأحد أن يقايض صواريخها وأنفاقها بحليب الأطفال وغذاء وعلاج الكبار ، في اشارة إلى الأموال والوقود القطري الذي دخل إلى القطاع قبيل العدوان . ولأنصار التطبيع قال : " رسالتي للمطبعين ، مراهنتكم على التطبيع مع الاحتلال من أجل تثبيت عروشكم ، سترون قريباً أن تلك المحاولات ستبوء بالفشل " ، وهنا أجزم أن الضيف والسنوار كما أنهما يدركان أن قطر صاحبة السولار والدولار هي من بين المطبعين ، فهما أرادا أيضاً التأكيد على رفض مقايضة السلاح بالغذاء والدواء ، أو بالدولار والسولار . وهذا ما قصده السنوار في رسالته لكل من يعينهم الأمر ، ومن بينهم المطبعين والمراهنين والمسوقين ، والتي تضمنت رسالة تحذيرية ، في قوله أن " نزع سلاح حماس حلم إبليس بالجنة ، ولا يستطع أحد نزع سلاحنا ، ولا تمر دقيقة من ليل أو نهار إلا ونراكم فيها قوتنا " ، . وهنا أيضاً تتمة الرسالة لهؤلاء ، إنّ محاولات الاستدراج لن تنفع ولن تجد لها طريقاً ، وهذا ما نتمناه جميعاً ، وننظر بعين الارتياح ، أن هناك من هو مدرك لطبيعة الحراك السياسي وأبعاده نحو القطاع ، وهذه اللهفة الإنسانية الخداعة .
وللسلطة ورئيسها السيد محمود عباس رسالة مد اليد من السنوار وما يمثل ، ولا يضير أن تستند السلطة ورئيسها على سلاح المقاومة في المفاوضات ، من خلال قوله " إذا فكرت حركة فتح والرئيس أبو مازن بالاستناد على سلاح المقاومة في المفاوضات ، فإنه سينتقل بالقضية الفلسطينية نقلة نوعية " . معتبراً في المقلب الآخر ولو ضمنياً أن المفاوضات أفقه مغلق ولن يؤدي إلى شيء ، بل إلى مزيدٍ من العبث والتبديد في القضية وعناوينا الوطنية ، بل أن المقاومة هي الخيار الرئيسي لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي ، حين أكد في قوله : " ولى الزمن الذي تُناقش فيه حماس بمسألة الاعتراف بإسرائيل ، والنقاش الآن على متى سنمسح إسرائيل ".
وختاماً حسناً ما أكده قائد حماس في غزة يحيى السنوار ، على " أنها المرة الأولى في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني يعمل 13 جناحاً مسلحاً في غرفة واحدة يبدؤون معاً ويتوقفون معاً " ، إلاّ دلالة على كلام ينم عن تطور في ذهنية تعاطي حماس مع الكل الفلسطيني ، التي نطالبها كما هي تطالب أبو مازن بالعلاقة الكفاحية النضالية على أساس الشراكة السياسية والوطنية ، بعيداً عن التهميش والإقصاء .
رامز مصطفى
كاتب سياسي