في الدول النامية (المتخلفة) يمكنك رصد ظاهرة تخريب الممتلكات العامة في كل مرافق الدولة، فالتخريب يستهدف المستشفيات، المدارس، وسائل المواصلات، الجامعات، الحدائق العامة. وهي عملية تكلف الدول مبالغ مهولة في الاصلاح واعادة الترميم، وهو سلوك غير محمود مرده إلى أسباب ثقافية وسياسية واجتماعية ونفسية.
تحدث عملية التخريب هذه ضمن سياق السلوك الفردي تجاه المرافق العامة الخدماتية والصحية والتعليمية، وتعكس ضعف المواطنة القانونية في الدول، وهشاشة مفهوم الانتماء، أو الانتقام الطبقي الذي يصيب بعض الناس بسبب الغبن الاجتماعي.
كل هذا مفهوم، ومعلوم بالتجربة في أغلب دول العالم النامي، فالتخريب وفقاً لهذا المستوى يعيق بحق فرص التنمية ويهدر طاقات الدول ومواردها وتطورها. لكن الذي يمثل مؤشراً فعلياً للتخلف حينما يندرج التخريب في ثقافة صانع القرار الذي يتصرف وفقاً لمبدأ الانتقام، والتجرد من الموضوعية، وردات الفعل، ويتصرف ضمن مسالك فئوية محدودة وضيقة، وينشغل في اثبات الولاء متخطياً في ذلك معايير المؤسسية والرشادة، ويتأكد هذا السلوك حينما يكون صاحب القرار الأعلى شخص كل مؤهلاته أنه كادر حزبي أو مسؤول تنظيمي تشغله مواقف الرؤوساء أكثر مما تعنيه مصالح العباد.
ما يحدث في جامعة الأزهر كمؤسسة يجسد التخريب الذي يمارسه صانع القرار، فحينما تكون مؤسسة بكل عناصرها وخبراتها الأكاديمية المتميزة خاضعة لمبدأ التقييم التنظيمي والحزبي، ويتم التنكيل بلوائح منظمة لآليات العمل في الجامعة على الصعيد الاكاديمي والإداري، ويتمسك صانع القرار المركزي باستخدام نفس الأسماء القيادية للعمل الاكاديمي والإداري ويحجب فرصة تدوير العمل القيادي، فإنه بإصرار مقصود يرسخ انسداد مسارات التجديد والتجدد وخلق فرص لقيادات ومواهب محتملة وأخرى حتمية. ومن جهة أخرى، يغلق مساحة الابداع، لأن الوجوه العتيقة لن تقدم جديد ولن تتمكن من التغيير. لأن فاقد الشىء لا يعطيه.
ما يحدث من تخبط في اصدار القرارات، يدفع للسؤال عن أطراف صناعة القرار المصيرية لمستقبل الجامعة، فهل تتم من جهات الاختصاص المتمثلة بمجلس الامناء فحسب، أم أن للقرار صناع كثر، مباشرين وغير مباشرين، وهل يتم أخذ القرارات على قاعدة الالتزام بمعايير موضوعية ولائحية؟ أم أنها تخضع لحسابات تتجاوز المنحى المعياري لضوابط الاختيار وصدقية الالتزام بمبادىء المؤسسة الجامعية ومستقبلها وآفاق تطورها.
لقد وقعنا في نفس الخطأ العربي المزمن الذي يدعو للإصلاح ، فيركز على الأسماء دون النظر لمضمون الاصلاح واحتمالات تحقيقه، فما أن يتم الاعلان عن أسماء المصلحين الجدد حتى نندم أننا فرطنا في الاسماء السابقة، ومصيبتنا في الجامعة أعظم، لأننا دعونا للإصلاح فارتدت إلينا نفس الاسماء القديمة التي أفشلت ديناميكية المؤسسة وصلاحها.
لقد كنت آمل من زميلنا د. أبراش رئيس مجلس الأمناء الذي دافع دوماً عن المبادئ ألا يقع في مخالفة تجاوز القانون، وألا يسمح للضغط التنظيمي - إن حدث - أن يؤثر على قراراته، وأن يستمر في بناء علاقة صحية ومستقيمة مع نقابة العاملين، وأن يصر على رؤيته في منح الجامعة ومجلسها وهيئاتها قدر من الاستقلالية وتحمل المسؤولية، وأن يقدر إرادة العاملين وملاحظاتهم في هيئتهم العليا المتمثلة في مجلس الجامعة ورئيسها، ودون أن يكون ذلك محط انتقاص من مكانته وقيمته وشخصه.
في النهاية، إن الصدام بين العاملين ومجلس الأمناء لن يخدم مسيرة الجامعة التي هي بيتنا ولقمة عيشنا ومستقبل أبنائنا وواحدة من المؤسسات التي يشار لها بالبنان، وأن العاملين هم أصحاب البيت والإقامة. فالحكمة تقتضي التفاهم والاحتكام في الخلاف إلى نص القانون، فلا اجتهاد في مورد النص، ولا مجال لتطييب الخواطر على حساب مستقبل الجامعة وأنظمتها.
د.عبدربه العنزي