يثير الاحتجاج الرافض لقانون الضمان الاجتماعي في فلسطين لدى المتابعين من خارج فلسطين التساؤل والاستغراب؛ خاصة أن الضمان الاجتماعي أحد أدوات الحماية الاجتماعية للأشخاص والفئات ذات الحظوظ الضئيلة في المجتمع، وهو بشكل أساس مخصص للطبقة الكادحة "الشغيلة" والطبقة الوسطى من الموظفين في المؤسسات الخاصة ومنظمات المجتمع المدني. وكأن المعادلة باتت مقلوبة حيث يحتج الفقراء على القوانين التضامنية والتكافلية التي تفرض على رأس المال واصحابه المساهمة في ضمان حياة كريمة للعمال بعد سنوات الشقاء التي تأخذ منهم قوتهم وصحتهم وبدنهم.
يدرك صاحب المقال الظروف الفلسطينية الخاصة والأسباب الباعثة على الاحتجاج والمتمثلة بفقدان الثقة بالنظام السياسي، وتخوفات رأس المال الفلسطيني من الالتزامات والأعباء المتضمنة في القانون، وقصور الحكومة ومؤسسة الضمان في عملهما بالإضافة الى ثغرات في القانون بحاجة إلى تعديلات واجبة، وهي مبررات محقة تتحمل السلطة الحاكمة جزءا وافرا منها، كما تتحمل الثقافة المجتمعية "عدم المساهمة والمشاركة في تحمل الأعباء" جزءا آخر، فيما يتحمل رأس المال الفلسطيني الذي يريد التهرب من الالتزامات المالية المفروضة بالقانون جزءا كبيرا.
عادة "تهرول" الشعوب للانضمام الى الضمان الاجتماعي أو أحد اشكاله الخاصة تقاعد الشيخوخة، حيث تفضل الأغلبية من المواطنين الالتحاق بالوظيفة العامة، على الرغم من انخفاض الرواتب ومحدودية الابداع وقلة فرص التطور فيها، لسببين؛ الأول: يتعلق بالديمومة وصعوبة الإقالة في الوظيفة العامة، والثاني: وهو الأهم يتمثل بالحصول على راتب تقاعدي في سن الشيخوخة.
في ظني يطرح احتجاج الشغيلة في مواجهة تطبيق قانون الضمان، وهو يشبه الاحتجاج الذي حصل في الأعوام الفارطة على قانون ضريبة الدخل في عهد رئيس الحكومة السابق د. سلام فياض، يطرح أسئلة غاية في الأهمية تتثمل بقدرة الحكومة على اقناع الجمهور رغم "عدالة" السياسة المقدمة في القانون أو الأهداف النبيلة له، وقدرة رأس المال "المتضرر" آنيا من القانون على تحريك المخاوف والشكوك لدى جموع الشغيلة، وفشل الاتحادات والنقابات خاصة العمالية من ضم الشغيلة لعضويتها، وفشلها في تلمس اهتمامات واحتياجات أعضائها. كما يطرح التحدي ذاته الذي سوف تواجهه السياسات الاجتماعية المستقبلية كتبني نظام التأمين الوطني "الشامل" الذي يمثل الركيزة الثانية لضمان حياة كريمة للمواطنين الفلسطينيين وهي خطوة، في ظني وليس أغلب الظن إثم، واجبة.
السؤال المقدم في عنوان المقال " هل الفقراء يتظاهرون لصالح الأغنياء؟!" لا يقدم وصفا للحالة بل يحاول أن يثير نقاشا للدراسة والبحث والتحليل لمحاولة فهم "تفسير" التحولات الاجتماعية وتأثيرها على مستقبل البلاد والعباد في قادم الأيام. وهي لازمة من الأطراف المختلفة التي تظن نفسها مسؤولة، أو لها قدرة على ضبط الإيقاع، أو ترغب في رسم السياسات المستقبلية لتجنب الازمات أو الثورات أو الانهيارات.
بقلم/ جهاد حرب