العالم الذي نعيش فيه، ومن يفشل الأمم المتحدة؟

بقلم: مصطفى البرغوثي

أظهر استطلاع عالمي جديد أن 65% من المُستطلَعين يخشون خطر حرب عالمية ثالثة، ويؤكد 72% منهم أن الأمم المتحدة هي أكثر مؤسسة دولية تحظى بتقدير إيجابي. ومع ذلك يُقر الجميع بفشلها، حتى الآن، في أداء مهامها على الوجه المطلوب.

ويشير نفس الإستطلاع الذي يحظى بإحترام غربي واسع إلى أن إسرائيل هي ثاني أسوأ كيان في العالم يمارس تأثيرا سلبيا على الشؤون الدولية.

وما دام النظام الدولي لا يملك مؤسسة أفضل من الأمم المتحدة، فإن السؤال الطبيعي، من، وما الذي يعيقها عن أداء دورها في الحفاظ على السلم العالمي؟

هناك ستة عوامل تؤثر بشكل سلبي، وتضعف دور الأمم المتحدة .

وأول وأهم هذه العوامل، الظاهرة العالمية التي ترسخت بعد إنتهاء فترة الحرب الباردة، وتتمثل في الخرق المتكرر والمتواصل للمعاهدات والقوانين الدولية، بما في ذلك خرق القانون الإنساني الدولي وقرارات الأمم المتحدة،وما نشأ من توافق ضمني بين دول كبيرة وصغيرة على تهميش المبادىء الإنسانية وحقوق الإنسان، والقيم الديمقراطية، وإخضاعها جميعها للمصالح القومية البحتة، بحيث غدا العنصر الوحيد المقرر في السياسات الدولية هو عنصر صراع القوى والمصالح ، وكأننا نعيش انحدارا نحو قيم وأساليب ووسائل القرن التاسع عشر في إدارة العلاقات الدولية، والتنافس بين الشعوب والدول.

أما العامل الثاني الذي أنهك الأمم المتحدة ، والعالم، فهو اعتماد منظومة معايير مزدوجة، في تحديد الخروقات للقانون الدولي، وفي فرض العقوبات، وأبرز الأمثلة على ذلك، تجاهل ممارسات إسرائيل التي خرقت كل قانون دولي، ونفذت أسوأ أشكال التطهير العرقي، وتمارس أطول احتلال في التاريخ الحديث، وتوجت ذلك بأسوأ منظومة للأبارتهايد والتمييز العنصري في تاريخ البشرية ، ومع ذلك وبسبب حماية الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، لم تُتخذ ضدها أي عقوبات دولية، ولم تتعرض للمساءلة والمحاسبة التي تعرضت لها دول عديدة قامت بخروقات أقل بكثير مما خرقته إسرائيل العامل الثالث، يكمن في التناقض الصارخ بين طبيعة عصر العولمة غير المسبوقة إقتصاديا، وما يشمله من ثورة المعلومات وثورة الإتصالات، وبين النمو الواسع للإنعزالية الشوفينية، والشعبوية السياسية في الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية، بما في ذلك ما قامت به إدارة ترامب من خروقات لقواعد واتفاقيات التجارة العالمية، ووقف سباق التسلح، والحفاظ على المناخ العالمي.

أما العامل الرابع فهو افتقار الأمم المتحدة لأدوات ووسائل لتنفيذ قراراتها، ويكفي أن نذكر هنا، من تجربة فلسطين، أن الأمم المتحدة ما زالت عاجزة عن تنفيذ سبعمائة وخمسة قرارات اتخذتها الجمعية العامة لصالح الشعب الفلسطيني، وما لا يقل عن ستة وثمانين قرارا أخذها مجلس الأمن الدولي، وآخرها القرار الشهير في نهاية عام 2016 بوقف الإستيطان الإسرائيلي وعدم شرعيته.

أما العامل الخامس فيكمن في أن النظام السياسي العالمي، و منظومة الأمم المتحدة، لم تتطور لتأخذ في الإعتبار، الإنتقال المتسارع لمراكز القوة من الدول والحكومات إلى الشركات الإحتكارية الكبرى، والمؤسسات غير الرسمية، كما لم تستطع، حتى الآن، أن تتعامل مع القفزات الإلكترونية الهائلة في عالم السايبر وتقنياته.

وأخيرا فإن العامل السادس ، والذي نعاني من آثاره، هو ما يمكن تسميته حالة إنفصام الشخصية في السياسة العالمية، فالكل يتشدق بحقوق الإنسان والديمقراطية ومبدأ سيادة القانون، والأغلبية تتعايش مع، بل وتدعم، الأنظمة السلطوية، والديكتاتورية، والقمعية، والحروب العدوانية الغادرة كما جرى في الغزو الذي دمر العراق.

العالمُ بحاجة لثورة عالمية تستعيد قيم العدالة الإنسانية، ومبادئ الحرية، وهذه ليست أمنية، بل شرط أساس للحفاظ على الوجود البشري.

بقلم/ د. مصطفى البرغوثي