الاعلام مرآة للمجتمع .... ومقياس حقيقي لعوامل القوة بداخله .... ولأهميته في بناء الرأي العام والتأثير عليه ربما يكون أحقا بوضعه على الميزان ... ليس لمحاسبته او اظهار ضعفه وما يحدث بداخله وعليه .... ولكن لأهميته القصوى ومدى الادراك والمعرفة ان الاعلام لا يقبل القسمة .... بل يعمل على تأكيد الوحدة ومجموعة القيم الوطنية والمجتمعية .
كم نحن بحاجة دائمة لوضع السياسة بالميزان ... كما وضع العلاقات الوطنية ... كما وضع اساليب النضال الفلسطيني ... كما وضع العلاقات المجتمعية ... كم نحن بأمس الحاجة الى وضع كلا منا بالميزان ... كما شعاراتنا ... وتصريحاتنا ... ومواقف كلا منا .
ميزان الامور بصورة مجردة وموضوعية وخالية من الاهواء والمصالح والاجندات الخاصة ... مسألة مهمة وضرورة وطنية ... وقبل كل ذلك مسألة انسانية شخصية لا فصال فيها ... ولا تلاعب حولها ... وحتى لا نضل الطريق ... وحتى لا نكون مشاركين في تعميق التشوهات والثغرات .. والسلبيات .
من هنا كانت الضرورة لوضع كافة امور حياتنا بالميزان وطالما سلمنا وقبلنا ورأينا من المفيد ان نضع كافة القضايا بالميزان .... فلماذا لا يكون الاعلام بالميزان باعتباره الوسيلة الاكثر تأثيرا في بناء المجتمع وتوجيه الرأي العام ؟ّ!
كون ان الاعلام بوسائله واشكاله المرئية والمقروءة والمسموعة والالكترونية يمتلك من قوة التأثير والفعل في تغيير اتجاهات الرأي العام ... وباعتبار ان الاعلام الوسيلة القادرة على احداث مستويات الوعي ... والوسيلة القادرة على وضع جمهور المتلقين في صورة اخر الاحداث وتحليلاتها والرأي حولها .
كون ان الاعلام وسيلة مؤثرة وفاعلة والسلطة الرابعة التي لها نفوذها وتأثيراتها ... فان الاعلام يجب ان يوضع بالميزان بما له .. وما عليه ... وبما حققه وما اخفق في تحقيقه .... كما حال كافة الملفات والسلطات ... والسياسة شاهدة والمفاوضات والمقاومة والعلاقات الداخلية والقضايا المجتمعية والثقافية ... والسلوكيات داخل المجتمع كلها دلائل وشواهد على ان اهمية وضع الاعلام بالميزان تحسب له ولا تحسب عليه .. وتؤكد على دوره ... ولا تنقص من قدره ... وتؤكد على رسالته واهميتها .
لكن سيبقى السؤال هل أن الاعلام قد تغير ؟؟؟ أم انه يمتلك قدرة التغيير ؟؟؟
تغير الاعلام بكافة القضايا التي يطرحها ويعالجها تعتبر مسألة طبيعية مهنية في سياق الجهود المبذولة والطاقات المسخرة ... لكن الاعلام ان يتنازل عن التغيير ... لصالح ان يغير بأولوياته واهدافه وما يسعى لتحقيقه والهدف من وجوده .... فهذه مسألة اخرى تستحق التوقف والتقييم والمعالجة الضرورية حفاظا على الجهود المبذولة والطاقات المسخرة والامال المعلقة على الاعلام بكافة وسائله .
الاخطر الذي نحن بحاجة الي التوقف امامه والمراجعه ... بمعنى ان نرى السياسة التحريرية لاي وسيلة اعلامية وقد حدث عليها من المتغيرات غير المعتاده والمألوفة ....ليبقى السؤال حول الاسباب التي ادت الى ذلك .... فهل هي موضوعية وفي سياق التطور المهني ؟! أم انها محاولة تغيير طارئ استثنائي لا يعبر عن سياسة جديدة بقدر انها محاولة اغناء لتجربة مهنية ولسياسة تحريرية قد تستمر او تتلاشى مع الزمن ؟!
بكل الاحوال وسائل الاعلام وان كانت تمتلك من قوة التأثير والتغيير وبناء الرأي العام ... الا انها دائمة الحاجة للمرجعات والوقفات التقييمية .... حتى تراجع الكثير من اساليبها الفنية ومضمونها التحريري والتحليلي ... ولا يجب ان تخرج وسائل الاعلام عن اطار الواجب المهني .. بل يجب ان تكون نموذجا ومثالا مؤثرا وفاعلا في بناء الرأي العام وبما يخدم المجتمع واهدافه لمواجهة تحدياته .
التجربة الاعلامية وقد حملت الكثير من الاجتهادات وولدت الكثير من الخبرات والاستخلاصات .. كما فيها الكثير من الاخفاقات والهفوات ... لكنها بالمجمل تجربة غنية ومليئة بالعطاء والتأثير ..... كما انها حملت الكثير من الابداعات والتي لا زالت تدلل على تطور وحداثة في سياق تجربة لا زالت بحاجة الى المزيد من الامكانيات والي الكثير من البيئة المجتمعية والوطنية والقانونية التي تساعدها على اداء رسالتها ... ولا تقف حائلا امام تطورها .
نحن بحاجة الى اعادة الثقة بالاعلام الفلسطيني وان يكون مؤثرا وذات مصداقية لاهمية الاعلام باعتباره صمام امان للوعي الوطني والاجتماعي والانساني ... في ظل ما يحيطنا من وسائل اعلامية مؤثرة تمتلك الكثير من الامكانيات وقوة التاثير وقوة التخطيط على احداث اختراقات بالوعي والمعرفة واحداث حالة من الارباك وفقدان الثقة بكل ما يقال وما يتم قراءته ومشاهدته والاستماع له بوسائل اعلامنا الفلسطيني
مهمة الاعلاميين بكافة تخصصاتهم لا تقل بمهامها ومسؤولياتها عن رجال السياسة والقانون لكن الحاجة ستبقى ملحة وضرورية بما يؤكد على اهمية التعاون الوثيق والتنسيق المستمر باعتبارها دوافع النجاح ونتائجه وليس الابقاء على كل وسيلة اعلامية وتحت عنوان الديمقراطية ولكل منها مسارها ومفرداتها ... لان النتائج ستكون نتيجة لاعلام متخبط غير مخطط ويحمل افكارا جزئية ... وثقافة مختزلة ... ولا جدوى او عائد من ورائها .
لقد بذل الاعلام الفلسطيني بكافة وسائله الكثير من الجهود وسخر الكثير من الطاقات وكان اعلاما مقاوما مدافعا عن ثوابتنا الوطنية .... لكنه ايضا قد اقحم ودخل في دهاليز الخلافات والانقسام ... وفقد الكثير من اهدافه وأسس وجوده وهذا ما يحتاج من كافة الاعلاميين ووسائلهم التي يعملون بها ان يعملوا ضمن ضوابط واحكام وخطة وطنية تخدم المجتمع والقضية وهذا ما هو جاري ومعمول به حتى وان كان هناك من السلبيات التي نعتبرها طارئة واستثنائية وليست سياسة معتمدة حتى نحافظ على معالم الصورة ومضمون الكلمة التي كلفت الكثير والتي يجب ان نصونها بحدقات العيون وبكل القلوب المحبة لهذا الوطن الجريح .
بقلم/ وفيق زنداح