تمتمتْ تلك المرأة ولعنتْ بصوتٍ خافتٍ العتمةَ. كانت هناك بصمتِها المجنون تشبه روحاً تائهة، توّاقة لهمساتِ حبيبها، الذي رحلَ فجأة، لتقتلَ مللها المجنون في غرفةِ كوخِها الرّطب، ونظرتْ من النافذة ثم تنهّدتْ بعدما رأتْ العتمةَ منتشرةً في كلّ مكان، إلا أنّها راحتْ تسرحُ في صمتِ السّماءِ المعتمة وتتأمل صمتها المجنون، وبعد برهةٍ عادتْ إلى أريكتها لكيْ تنامَ، لكنّ النّومَ لم يأتها، وظلّت ساهرة..
الوقت أشارَ إلى منتصف الليل، وهي منذ أيام يلفّها الحزنُ بسببِ رحيل حبيبها كعاشقة متأملة في عودته إليها، لكنّها فقدتْ الأملَ بعودتِه. وقالت: كم أشتاقُ إليه في هذه الليلة، لماذا رحل؟ هل لأنني بتّ غير مكترثة لطلباتِه المجنونة..
عادتْ إلى النّافذةِ وراحت تنظرُ بجنونٍ إلى السماءِ لربما تظهر صورته لها في العتمةِ، لكنها لم ترَ أي شيءٍ في العتمة، التي بدت لها حالكة، ورأت نفسها بأنها تقفُ على حافّةِ العتمة، وكانت خائفة من كل شيء، لا سيما مكوثها الإجباري منذ زمنٍ في بيت كوخ مهجور في جبل وعر..
ظلّتْ ساهرةً، والبرد بدأ يتسلل إلى جسدِها، في ليلة ربيعية، وراحتْ تتغطّى بمعطفِ حبيبها، الذي نسيه ذات ليلةٍ حينما أتى لزيارتها، وتركه عندها، لحطة ما نعستْ على رجليه، وتذكّرتْ اهتمامَ حبيبها بها، وقتما غطاها لئلا تبرد..
قامتْ من على الأريكةِ، وشربت كأساً من الماء، وعادتْ إلى النافذةِ لتنظر إلى السماء، لكنّها رأتها معتمةً على غير عادتها، فالقمرُ لم يطلّ في تلك الليلة، وقالت: حتى القمر تركني..
كانت تسمعُ عواءَ الذئاب والخوفُ بدأ يتسلل إلى قلبِها، وراحتْ تتفحّص الأبوابَ، إذا ما كانت موصدةً أم لا، فتأكدتْ بأن كلّ الأبوابِ مغلقةٌ بشكلٍ جيّد، وعادتْ إلى الأريكة، لكنها لم تستطع أن تنعسَ على عكس كل الليالي، وبقيتْ ساهرة حتى الصباح، وحين أشرقتْ الشمس، فرحتْ، وقالت: بالأمس وقفتُ على حافّةِ العتمة، لكنّ الشّمسَ الآن ستسرّني مرة أخرى بأشعّتها قبل أنْ يحلّ الليل، فهلْ سأظلُّ عائشةً بخوفٍ من عتمةٍ مخيفة وفي جبلٍ مليء بذئابٍ جائعة؟ أين أنتَ يا حبيبي؟ فتعال ضمّني إلى صدركِ فبدونكَ سأظل تائهةً في عتمة مجنونة وضجرٍ مميت لأن حضورك يبدد عتمتي فلا يعقل أن أظلّ هنا على حافةِ العتمة ضجرةً كصحراءٍ تشتاقُ للمطرِ..
عطا الله شاهين