من الواضح جدا أن جميع البنود المطروحة والأساسية في إتفاقات المصالحة منذ عام 2011م وحتى عام 2017م وما بينهما من جلسات للحوار , متشابهة ومتكررة وثابتة , والخلافات ليس جوهرية كما يعتقد البعض إنما هي خلافات طارئة بحكم عامل الوقت والمستجدات على أرض الواقع , ففي عام 2011م لم تكن حكومة رامي الحمد الله "التوافق" موجودة , ولم يكن عدد موظفين حماس في غزة قد وصل الى 42 ألف موظف , ولم تكن غزة مرهونة بنتائج الثورات العربية , ولم تكن فصائل المقاومة صاحبة بصمة مثل اليوم , ولم يكن التيار السلفي قد توغل في غزة , ولم تكن بعض الدول تتقدم بمهر غزة , ولم تكن إسرائيل إتخذت قرار التسوية مع غزة , ولم تكن حماس إنشقت عن الإخوان, فكل شيئ تغير على أرض الواقع لينعكس سلبا على ملف المصالحة , فالبنود الأساسية كانت ولا زالت حاضرة في كل الجلسات , وهي ثلاث بنود .
دخول حماس في منظمة التحرير بالإضافة الى الجهاد الإسلامي , وتفعيلها من خلال إجراء إنتخابات للمجلسين الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية .
تشكيل حكومة وحدة وطنية لمدة ستتة شهور او سنة ومن ثم إجراء إنتخابات تشريعية ورئاسية .
عدم إقصاء موظفين حماس ودمجهم في موازنة السلطة لتقاضي الراتب .
هذه البنود الثلاثة لم تتغير مع مرور الزمن , ولكن البند الأهم والذي يعتبر المدخل الأساسي للمصالحة هو رواتب موظفين حماس , ففي آخر جلسات حوار القاهرة وافقت حماس على تسليم غزة بالكامل لحكومة الوفاق بشرط أن تتكفل الحكومة بدفع رواتب موظفيها , رغم أن قطر تكفلت في نصف الموظفين وهم عشرين ألف مدنيا , وأيضا رفع العقوبات عن غزة حسب تعبيرهم , فكان شرط رفع العقوبات يعبر عن غباء حماس كما وصفهم البعض , لأن إستلام حكومة الوفاق لغزة بحد ذاته هو رفع للعقوبات , لأنها ستتكفل بكل مصاريف غزة , بمعنى أنها لم تأتي على غزة قبل دفع مهرها .
رسالتي الى قيادة حركة فتح كونها صاحبة القرار والسيادة , لا تتركوا غزة وإدفعوا مهرها قبل فوات الأوان , فهناك الكثير يستعدون لدفع مهرها , ليس لأنها غنية بحقول البترول والغاز , وليس لأنها غنية بمناجم الذهب والثروات الطبيعية , وليس لأنها أحد المعالم الدينية والحضارية , فغزة تفتقر لما ذكرت , ولكنها غنية بخصوبتها السياسية , والتي تجعل منها ميدان للقتال وإستعراض لعضلات بعض الدول , ورأس حربة في الصراع العربي الإسرائيلي , كونها تتصدر وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية , وأصبحت ذات شهرة في السلطة الرابعة , والتي تعتبر السلطة الأولى في الحرب الباردة .
اليوم أصبحت غزة ملعبا لثلاث دول رئيسية , إيران وتركيا وقطر , بالإضافة الى دول الإحتياط , ولكل دولة لها هدفها الخاص , فإيران تستعرض عضلاتها على الأنظمة العربية من خلال دعمها للمقاومة في غزة , والذي كان أخرها قافلة الأسلحة القادمة الى غزة عبر سيناء والذي سيطروا عليها "داعش" قبل أيام , بالإضافة الى قرار تبني شهداء وجرحى مسيرات العودة , وكل ذلك يصب في شروع التمدد الشيعي في المنطقة العربية , أما تركيا وهي أكبر المطبعين مع إسرائيل فأهدافها تلتقي مع إيران بما يخص ضرب الأنظمة العربية , وبالطبع لأنها كيان إخواني على الطريقة الفرنسية , ولكن دعم تركيا لغزة شحيح جدا لا يتعدى قافلة أدوية أو ألعاب أطفال , وقد تراجع دعمها بشكل ملحوظ بعد وثيقة حماس الأخيرة , والتي أعلنت من خلالها تخليها عن تنظيم الإخوان , وتقربها من الأنظمة العربية وخاصة نظام "السيسي" , أما قطر فطموحها أصغر من طموح إيران وتركيا , فهي تطمح أن تكون حاضرة في ميدان السياسة كي يراها الجميع , فقطر دولة صغيرة وضعيفة ولا تجد ميدانا مناسبا لها كميدان غزة , ومع ذلك فإنها لن تعلن عداوتها مع أحد , فتارة تتواجد في إسرائيل , وتارة تتواجد في الولايات المتحدة , وتارة تتواجد في رام الله , وتارة في غزة , فهي تريد أن تلعب جميع الأدوار والتي تلتقي مع طموحها الأساسي وهو الشهرة والنجومية .
برأيي يجب على قياة فتح أن تدرك هذا تماما , وأن تكون السباقة في دفع مهر غزة , وخاصة رواتب موظفيها والتي أصبحت الشاكلة الأساسية بملف المصالحة , فأنا أجزم أن حل رواتب موظفين حماس سيحل كافة الأمور المتعثرة في المصالحة .
بقلم/ أشرف صالح