في التاسع والعشرين من تشرين الثاني يصادف اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني بقرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1977 . وهو يوم من أجل تحشيد التأييد للقضية والشعب الفلسطيني ، والذي لا يزال يعاني من أبشع أشكال احتلال عرفه التاريخ ، وهو الوحيد المتبقي في العالم الذي لا يستجيب لأي شرعة دولية منذ ما قبل عام 1948 تاريخ نكبة الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه بقوة الحديد والنار.
بعد مرور 41 عاماً على هذا الإعلان الذي جاء على خلفية القرار الشهير الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1947 وتحت الرقم 181 " قرار تقسيم فلسطين " ، يحق للشعب الفلسطيني أن يوجه أسئلة غاية في الأهمية . كيف نطالب شعوب العالم للتضامن معنا ونحن الفلسطينيون غير متضامنين مع أنفسنا ، حيث الانقسام الداخلي يتعمق يوماً بعد يوم ، والوطن الفلسطيني مستنزف بين أوطان ثلاثة ، وطن تغتصبه " إسرائيل " في مناطق عام 1948 ، ووطن في قطاع غزة تحاصره " إسرائيل " وتحكمه حركة حماس ، ووطن في الضفة الغربية تديره سلطة حزبها الرئيسي حركة فتح ، وتحكمه وتتحكم به " إسرائيل " ؟
كيف نستعيد زخم القضية وحضورها لدى شعوب أمتنا العربية والإسلامية ، وسكين التحريض السياسي والإعلامي المتبادل بين حماس وفتح ، تحز في جسد القضية التي لا ينقصها ذبحٌ يومي على أيدي المحتل الصهيوني الغاصب للأرض والمقدسات . وهذه الشعوب في الأصل تعيش ومنذ أواخر عام 2010 حالة من عدم الاتزان والتوازن مع بدء هستيريا ما سمي ب" الربيع العربي " ، حيث أصبح الهم القُطْري لكل بلد عربي هو الأساس ، وهو الشغل الشاغل لهذه الشعوب ؟ ، التي لا زلنا نؤمن بأنها ستصحو من كبوتها ، وشاهدنا ما جرى ويجري في تونس والجزائر وموريتانيا رفضاً لزيارات محمد بن سلمان المُطبّع مع الكيان الصهيوني ، ووكيل الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب ، في تسويقه ل" صفقة القرن " ، وقاتل الأطفال في اليمن الشقيق .
وفي المقلب الآخر لهذا الغياب الذي يشبه حالة التخلي العربي ، تأتي المنهجية السياسية للقيادة التي تتصدر العمل الفلسطيني لتشكل بعقليتها ومحدودية سقوفها في مواجهة التحديات ومخاطرها بالهروب إلى الأمام باتجاه التعلق بحبال المفاوضات مع العدو التي لا بديل عنها إلاّ المفاوضات ، ليس لأن أفق البدائل مغلق أو غير متيسر ، بل لأن هذه القيادة لا تريد هذه البدائل على كثرتها وأقلها التوجه الجدي والمسؤول إلى مؤسسات ومنظمات الأمم المتحدة لمقاضاة الكيان على جرائمه ، وهي بذلك تبرر للمتقاعسين تقاعسهم وللمتخاذلين تخاذلهم وحتى للمتآمرين تأمرهم.
ونحن نحيي هذا اليوم تأتي ممارسات وسياسات الكيان " الإسرائيلي " مع ما سبق من استمرار حالة الانقسام وعدم ممانعة السلطة ومعها منظمة التحرير في الذهاب إلى مفاوضات عبثية متجددة ، ستأتي على البقية الباقية من فلسطين وعناوينها . فها هو الاحتلال يتقدم بخطوات واثقة وحثيثة في الاستيطان والتهويد بقصد قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية وبسط سيطرته على القدس والمسجد الأقصى زمنياً ومكانياً بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي اعترافه بالقدس عاصمة للكيان ونقل سفارة بلاده من " تل أبيب " إلى مدينة القدس . في محاولة مكشوفة لفرض الاعتراف الفلسطيني على يهودية الكيان ، بعد إقرار قانون القومية للشعب اليهودي . حيث لم تقف ممارسات الاحتلال عند حدود ، بل هو يمارس أبشع أنواع الظلم والاضطهاد بحق الشعب الفلسطيني الذي يعتقل الصهاينة ما يزيد على ستة آلاف أسير يعيشون في أسوأ حالات من التعذيب الجسدي والنفسي دونما أي رادع لهذا المحتل الغاصب لا من شرعة دولية ولا من سلطة تملكها الهوان أمام سطوة المحتل وجبروته.
إن الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أعلنت هذا اليوم التضامني أليست هي ومعها مجلس الأمن ومنظمات الأمم المتحدة ذاتها التي تمارس المحاباة لهذا الكيان وحكومته ؟ ، أليست هذه المنظمة الدولية ذاتها التي تسمح للإدارة الأميركية من خلال هيمنتها وسطوتها أن تحمي الكيان من المساءلة والانصياع لقراراتها ؟ ، أيكفي أن تتضامن هذه المنظمة مع شعبنا يوماً في العام وتتآمر عليه طيلة أيام السنة ، كما رسم الفنان المبدع الشهيد ناجي العلي معلقاً على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بكاريكاتيره الساخر من ذاك القرار ( 365 – 1 = 364 يوماً للتآمر على الشعب الفلسطيني ) .
شعبنا الفلسطيني وهو يحيي هذا اليوم ومعه الشعوب المحبة للحرية والتحرر ، قدره أن يبقى ممسكاً بقضيته على الرغم من كل التحديات والصعاب ليكمل مسيرة نضاله وكفاحه حتى تحقيق تطلعاته ، وليجعل من يوم التضامن يوماً للتمسك بثوابته الوطنية التاريخية والمشروعة على كامل أرضه الفلسطينية .
رامز مصطفى
كاتب فلسطيني