منذ واحد وأربعين عاماً، اتخذت الأمم المتحدة قراراً باعتبار يوم التاسع والعشرين من تشرين الثاني كل عام، يوما للتضامن مع الشعب الفلسطيني، لكن هذا التضامن، لم يرق إلى مستوى الدور العملي الذي يرتب على الأمم المتحدة القيام به انتصاراً لقراراتها، وإعمالاً لتنفيذ ما يتعلق بالحقوق، التي تتضامن معها الأمم المتحدة.
العام 1977 حين اتخذت الأمم المتحدة قرارها، لم يكن ثمة ملامح أو مقدمات لمرحلة أوسلو والبحث عن السلام، ولم تكن إسرائيل قد شنت عدوانها الواسع على لبنان واحتلال عاصمته بيروت، الأمر الذي أدى إلى خروج منظمة التحرير ومقاتليها. وحينذاك، أيضاً، لم تكن الأمم المتحدة قد اتخذت أي قرار صريح حول الدولة الفلسطينية، ما يعني أن قرارها بالتضامن مع الشعب الفلسطيني، قد استند إلى قرار التقسيم الذي صدر في اليوم ذاته والشهر ذاته، الذي أقرت بأنه يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني.
كان ذلك القرار هو المرجعية القانونية الأساسية، التي شكلت خلفية التصويت على تحديد يوم للتضامن مع الشعب الفلسطيني، فالقرار 242 والقرار 338، اللذان صدرا بعد حرب حزيران العام 1967، لم يتضمنا مرجعية قانونية صريحة بشأن حق الفلسطينيين في دولة.
معلومة الظروف التي وقعت بعد ذلك التاريخ ونقصد العام 1977، ومعلومة الأسباب التي دفعت نحو توقيع اتفاق أوسلو، حتى لو كان البعض لا يتفهمها، ولكن تلك الاتفاقية، رغم أنها لم تحظ بصفة الاتفاقية الدولية. كانت خطأً فلسطينياً، تمثل بالتحول أو القبول بالتحول عن قرار التقسيم رقم 181، الذي يشكل مرجعية قانونية أكيدة وراسخة.
اليوم، يشكو الفلسطينيون من أن التضامن الدولي الذي يتوسع عاماً بعد عام، قد ظل نظرياً ولم ينقل الأمم المتحدة، ولا الأمم الأخرى منفردة، أو جماعات إلى مستوى العمل الجدي من أجل إعمال حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، وتحقيق عودة اللاجئين، وكل هذه الحقوق أصبحت تستند إلى مرجعيات قانونية من قبل الأمم المتحدة.
من الواضح أنه في ظل التوازنات الدولية، والدور المؤثر الذي تلعبه الولايات المتحدة، عبر المؤسسة الدولية، فإنه من غير المتوقع أن يتغير دور وتأثير الأمم المتحدة إزاء الحقوق الفلسطينية.
الولايات المتحدة تتجند بكل قوتها لتعجيز الأمم المتحدة ومنعها من اتخاذ قرارات، قادرة على فرضها، بل إن الأمم المتحدة، أصبحت هدفاً للولايات المتحدة وإسرائيل بسبب كثرة القرارات التي تتخذها لصالح القضية الفلسطينية.
لقد أعلنت الولايات المتحدة، خصوصاً منذ تولي ترامب رئاسة البيت الأبيض الحرب على الأمم المتحدة والتي تعتبرها منحازة لصالح الفلسطينيين ومعادية لإسرائيل، فلقد تحولت الجمعية العامة، والمؤسسات الأخرى المنبثقة عن الأمم المتحدة إلى ساحة حرب، ودائماً كانت لصالح الفلسطينيين.
خلال الأيام الأخيرة من الشهر الماضي، حصل الفلسطينيون على خمسة قرارات، وسادس يتعلق بالجولان المحتل، بينما تحاول الولايات المتحدة ضمان التصويت على قرار يستهدف حركة حماس، لكن محاولاتها غير مضمونة. من المرات القليلة التي تقبل فيها الولايات المتحدة إدخال تعديلات على مشروع قرارها الذي يدين «حماس» والمقاومة، بقصد استمالة عدد كاف من الدول للتصويت لصالح قرارها، لكنها رغم ذلك مضطرة لأن تؤجل التصويت بسبب فعالية الدور الفلسطيني.
على أن الفلسطينيين يعرفون أن عشرات القرارات التي اتخذتها، ويمكن أن تتخذها الأمم المتحدة لا تعيد لهم حقوقاً، فالأمر كله يعود إلى موازين القوى.
موازين القوى في حالة الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، لا تقوم على تحديد ما لدى الطرفين من أسباب القوة، وأدوات التدمير والتأثير لإلحاق الهزيمة بالآخر، وإنما تقوم على فهم أوسع بكثير يشمل المجال الدولي فضلاً عن العربي والفلسطيني وما بينهما.
إسرائيل أُنشِئَت من قبل قوى الاستعمار العالمي، بعد الحرب العالمية الأولى، وأنجزت مشروع الدولة بعد الحرب العالمية الثانية على اعتبار أنها مشروع استعماري بامتياز، يحقق للقوى الاستعمارية الكثير من المصالح الأساسية في هذه المنطقة.
إذاً، فالمعركة لا تنحصر فقط في حدود الجغرافية الفلسطينية أو العربية، وإنما تشكل الساحة الدولية، ساحة فعل أساسي جداً، ذلك أن تخليص إسرائيل من حلفائها، وعزلها، يصبح واحداً من أهم الأهداف لتغيير موازين القوى.
في الصراع مع مشروع استعماري كما هو حال دولة إسرائيل، فإن المعركة لا تحسم بالضربة القاضية وإنما تحسم بالنقاط الأمر الذي يستغرق زمناً يتطلب من الفلسطينيين أولاً أن يقوموا بواجباتهم تجاه أنفسهم والمحافظة على صمودهم على الأرض التي يخوضون الصراع من أجلها.
هنا نتحدث عن الأمم المتحدة كمنصة عمل، وعمل ينطوي على حيوية، وأبعاد حقوقية وأخلاقية، حين تذهب إلى المجتمعات الفاعلة على المستوى الدولي.
نقصد من ذلك، أن النضال التضامني الذي يستهدف تعميق وعي المجتمعات العالمية، خصوصاً في الدول الرأسمالية الداعمة لإسرائيل، يشكل بحد ذاته هدفاً. حين تصبح حقائق الصراع جزءا من اهتمامات، المواطن الذي يذهب إلى صناديق الاقتراع، فإن ذلك سينعكس على سياسات الدول. في هذا المجال يحقق الفلسطينيون مكاسب متراكمة على مستوى إحداث تغيرات حقيقية وراسخة في وعي المجتمعات الغربية.
نحتاج كفلسطينيين إلى توفير أدوات العمل والتواصل والتوعية ونحتاج إلى إظهار مظلوميتنا، وفي الوقت ذاته إظهار الطبيعة العنصرية والإرهابية لدولة الاحتلال، وبرأينا فإن إسرائيل لا تقصر في إظهار عنصريتها، وطبيعتها الاستعمارية، واستهتارها بالقوانين والقرارات الدولية، وحتى عدائها للشعوب التي تقف إلى جانب الحق الفلسطيني، حتى أولئك الذين ساهموا في قيامها.
بقلم/ طلال عوكل