السياسة والاقتصاد ... وجهان لحالة واحدة !!!

بقلم: وفيق زنداح

منذ زمن قالوا ان السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة .... وكان هناك الكثيرين ممن لم يصدقوا هذه المقولة وحاولوا معارضتها والالتفاف عليها ... حتى وصلنا اليوم وفي هذا الزمن الذي نعيشه بأن اصبحت السياسة والاقتصاد هم بحقيقة الامر وجهان لحالة واحدة ... فلا تستطيع السياسة المزايدة على الاقتصاد ... كما لا يستطيع الاقتصاد المزايدة على حسابات السياسة ... كلهم بالهم سواء ... في ظل حالة الضعف والارباك والاختلاف والى درجة الانقسام وتشتت الموارد والطاقات والامكانيات .... وكما بالاقتصاد كانت السياسة بتشتتها وتباينها واختلافاتها فكانت النتائج والمخرجات على عكس التمنيات والاماني والتوقعات .

بحالتنا الفلسطينية فالاقتصاد الفلسطيني يترنح بجزئياته وموارده غير المنتظمة والقائمة على المساعدات المالية والقروض وفي احسن الاحوال بعض المنح في اطار المواقف لبعض الداعمين من الاشقاء والاصدقاء والمؤسسات الدولية مثال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي .. والجزء الاخر من الموارد ذات العلاقة بالمقاصة والايرادات الواردة من عملية الاستيراد .. وما ينتج من ضرائب ورسوم تعزز من الموارد ... وهناك الجزء اليسير من تفاعلات قوى السوق وما يتمخض عن تلك التفاعلات من ايرادات تعزز من الاقتصاد الكلي والجزئي .

بكافة الاحوال وبحسب الواقع السياسي والظروف القائمة لا نستطيع وصف الاقتصاد الفلسطيني بأنه اقتصاد قادر على تلبية الاحتياجات ... كما لا نستطيع القول بأن اقتصادنا محدد بإنتاجه وايراداته .... فلا هو اقتصاد صناعي ... ولا اقتصاد زراعي ... ولا حتى اقتصاد سياحي ولكنه بالمجمل يعبر عن اقتصاد كلي بمدخولات متعددة الجوانب لقطاعات عديدة ومن خلال ايرادات مختلفة .

هذا لا يعني بالمطلق ان حالتنا الاقتصادية كتب عليها ان تكون بهذا الشكل والمضمون في ظل افاق المستقبل الموعود باعتبار ان فلسطين ستكون دولة سياحية دينية من الطراز الاول .. كما انها ستكون دولة انتاجية وخدماتية وتكنولوجية قد تساهم بمواردها البشرية في اقتصاد كلي قادر على معالجة سلبيات الواقع وازاماته .

المحافظات الشمالية تختلف والي حد كبير عن حالة المحافظات الجنوبية والذي يعيش فيه 2 مليون فلسطيني في ظل اقتصاد ضعيف ومنظومات تتأكل ... وموارد تضعف يوما بعد يوم .. وانتاج يتلاشى ... وامكانيات استثمارية غائبة ورواتب ومدخولات فردية تقل يوما بعد يوم .... ومساعدات طارئة واغاثية لا يبنى عليها .... وحركة تجارية شبه مشلولة .... وواقع صناعي مدمر ... وطاقات انتاجية معطلة .. ومصانع مغلقة ... ومحلات تجارية تغلق يوما بعد يوم ... وارباك عام وشديد في مجمل الاوضاع الاقتصادية وفي الجهاز المصرفي نتيجة عشرات الالاف من الشيكات المرتجعة والمديونية العالية .

حالة اقتصادية شبه كارثية ولا يسعفها دعم طارئ ولا اغاثة استثنائية بل ما يمكن ان يكون علاجا شافيا وقاطعا هو اعادة هيكلة الاقتصاد الكلي للوطن الفلسطيني بشقيه الشمالي والجنوبي في ظل خطط اقتصادية وتنموية قادرة على النهوض بالحالة الاقتصادية ومعالجة الكثير من الازمات المترتبة على سنوات الانقسام الاسود التي أدى الى انهيار الكثير من المنظومات والقطاعات .

ما نعيشه من ظواهر الفقر والبطالة المتفشية بواقع عشرات الالاف من الخريجين كما عشرات الالاف من العمال في ظل الضعف العام لحركة رأس المال المستثمر وانخفاض كبير بمعدل دوران رأس المال كما الضعف الشديد بالإيرادات ومستوى دخل الفرد .

رغم الجهود الانعاشية الطارئة والتي لا تلبي الحد الادنى من المتطلبات الحياتية .

من هنا نجد ان الاقتصاد بانهياراته المتعاقبة ... وبضعفه العام ... لا يمكن ان يولد السياسة المطلوبة والقادرة على الوقوف في مواجهة ما يحاك ويخطط .

صحيح اننا بحالتنا الفلسطينية نتقدم بمجال السياسة وبخطوات اكبر من حقيقة الواقع الاقتصادي استنادا لحقوق ثابتة وقرارات أممية داعمة ومساندة للحق الفلسطيني ... الا ان السؤال سيبقى بأننا رغم امتلاكنا لقضية عادلة ولحقوق ثابتة ويساندنا القانون الدولي وشرائعه ومواثيقه ... الا اننا لا زلنا نتعثر في تحقيق اهدافنا بصورة ملموسة .... فهل لهذا علاقة بمعادلة السياسة الدولية والقائمة على ان الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة ؟! ام له علاقة بقوى اقتصادية صهيونية يهودية تتحكم بالقرار السياسي وبالتالي تقوم على تعطيله وعدم تنفيذه بما يخص القضية الفلسطينية .

علينا دائما ان نتذكر وان لا نتناسى ... ان نعمل وان نتفهم .... ان السياسة تعبير عن مقومات قوة اقتصادية .... ثقافية .... اجتماعية ... تاريخية ... والاكثر من ذلك ان السياسة تعبير عن حالة وحدوية لمجتمع متماسك وقادر على مخاطبة الاخرين بخطاب واحد ... وليس بخطابات عديدة .

بقلم/ وفيق زنداح