كما كان متوقعا لم يضع نتنياهو المزيد من الوقت وقرر البدء بعملية عسكرية في الجبهة الشمالية التي يعتبرها الأكثر سخونة من باقي الجبهات وهو ما تتوافق معه في ذلك الأركان العسكرية والأمنية داخل دولة الاحتلال.
عملية "الدرع الشمالي" توحي بأنها عملية وقائية دفاعية لا تحمل أية صبغة هجومية من خلال القول أن هدفها هو كشف الأنفاق التي حفرها حزب الله جنوب لبنان منذ فترات طويلة والتي يقولون بأنها تهدد شمال دولة الاحتلال وخاصة منطقة الجليل المهددة بسيطرة قوات من حزب الله على مناطق منها.
الواضح أن هذه العملية جاءت بمباركة أميركية خاصة بعد الاجتماع المفاجيء والطويل الذي عقده نتنياهو مساء الاثنين مع وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو في بروكسل والذي طلب منه أن ينقل رسالة إلى لبنان مفادها أنها "إذا لم توقف تسلح حزب الله، فإن "إسرائيل" ستضطر لفعل ذلك بنفسها"، علما أن "إسرائيل" كانت قد بعثت برسالة مماثلة إلى لبنان عن طريق فرنسا.
إلا أن الأمر المفاجئ في هذه العملية العسكرية هو أنها ركزت حتى الآن على إزالة خطر الأنفاق ولم تستهدف صواريخ ومصانع حزب الله التي تتحدث عنها دولة الاحتلال صباح مساء وتعتبرها التهديد الأكبر عليها خاصة في ظل التطور الكبير الذي باتت عليه.
يبدو أن نتنياهو أراد من الحديث عن عملية دفاعية في المقام الأول ألا يظهر وكأنه من أعلن حالة الحرب مع حزب الله وانه يقوم بعملية عسكرية وقائية تهدف لإزالة خطر يهدد دولة الاحتلال، وإذا ما كان هناك رد من حزب الله فيكون لديه المبرر لشن عملية عسكرية واسعة تستهدف الحزب في لبنان.
إذن هذه العملية العسكرية المسماة بالدرع الشمالي قد تكون بداية لحرب كبيرة يسعى لها نتنياهو ولكن لا يريد أن يكون المبادر بها حتى يضمن تأييدا أكبر لها من المجتمع الدولي عامة والإقليمي خاصة، فإذا ما اندلعت الحرب فهو سيحقق هدفه بالعمل على القضاء على المنظومة الصاروخية لحزب الله والمصانع التي تقوم بإنتاجها في لبنان، وإذا لم تتدحرج الأوضاع لحالة حرب فهو سيظهر بأنه أزال خطرا كبيرا صنعه حزب الله وهو موضوع الأنفاق إلى جانب انه سيجعل حزب الله في موقف صعب وانه بات غير قادر على فتح جبهة مواجهة مع الاحتلال لخشيته من نتائجها الكبيرة عليه وعلى لبنان، مما يعني زيادة قوة الردع.
نتنياهو جعل الجبهة الشمالية هي الشغل الأكبر له رغم اشتعال الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة عدة مرات، ولكنه عمل كل ما بوسعه لتبريد جبهة الجنوب من خلال معادلة الهدوء مقابل الهدوء وبعض المبادرات الإنسانية حتى يكون التركيز على جبهة الشمال، لأنه يدرك أن حربا في الشمال لن تجد رفضا إقليميا كبيرا مثلما قد يحدث في حالة حرب مع غزة، بسبب حالة العداء الكبيرة بين إيران وبعض الدول الإقليمية والتي تعتبر حزب الله ذراع إيراني في المنطقة
بالإضافة إلى أن نتنياهو سيحاول التقرب أكثر من بعض الدول الإقليمية من خلال هذه الحرب المتوقعة والتي سيهدف من ورائها، إلى جانب تحقيق المصالح الإسرائيلية وأبرزها توجيه ضربة قوية لحزب الله واعتراف دولي بضم هضبة الجولان السورية، إلى تعزيز علاقاته مع هذه الدول والتي باتت تخرج إلى العلن بشكل واضح بحجة التهديد الإيراني.
ولا يمكن إغفال الأسباب الداخلية التي يواجهها نتنياهو في ظل الصعوبات التي عاشها ويعيشها في الفترة الأخيرة خاصة بعد انكشاف القوة الخاصة شرق خان يونس وما تبعها من إطلاق صاروخ الكورنيت على حافلة لجنود الاحتلال إلى جانب إطلاق مئات القذائف الصاروخية من غزة، وهو ما جعل صورة نتنياهو تهتز في الساحة السياسية والإعلامية كونه يحرص على أن يكون "مستر أمن"، وكذلك التظاهرات الكبيرة في غلاف غزة المنددة بتراجع الرد الإسرائيلي وعدم حمايتهم بالصورة الكافية، وهو ما اثر على استطلاعات الرأي، فنتنياهو يبحث عن صورة انتصار تعيد له الهيبة الأمنية خاصة مع اقتراب موعد انتخابات الكنيست.
إلى جانب موضوع التحقيقات الداخلية وتوصية شرطة الاحتلال بتوجيه لائحة اتهام لنتنياهو في القضية المسماة "4000" بعد أن كانت أوصت بذلك في قضيتي "1000" و"2000"، وهو ما جعل الصعوبات تزداد حول نتنياهو والذي بات يفكر في انجاز عسكري وامني يجعله يتهرب من هذه التحقيقات التي تزداد صعوبة.
بقلم/ عاهد فروانة