تؤكد الاجراءات الاسرائيلية ضد نشطاء من أبناء القدس العربية على أن هذه المدينة محتلة، لأن هناك تمييزاً واضحاً في المعاملة سواء أكانت سياسية أم أمنية وحتى ولو كانت اجتماعية. وهذه الاجراءات تظهر للعالم كله أن اسرائيل محتلة للأرض فقط، ولكنها لم تستطع حتى الآن احتلال أبنائها أو السيطرة عليهم، إذ أنهم ما زالوا وسيبقون معتزين بانتمائهم الى العروبة، والى الأمة العربية الاصيلة، ولن يتنازلوا عن هذا الانتماء مهما كانت لغة الترهيب أو الترغيب.
وأي اجراء اسرائيلي ضد أبناء القدس تبرره السلطات المحتلة بأنها أمنية، وليست كيدية أو تمييزية أو عنصرية، مع أن كل الدلائل والمعطيات تؤكد بشكل ليس عليه أي لبس أو شك، بأن هذه الاجراءات سياسية بامتياز، وتهدف أولاً وأخيراً الى التخلص من الوجود العربي في المدينة!
فهل التأخير والمماطلة في اصدار تراخيص بناء لأبناء القدس العرب هي بسبب أمور وظروف أمنية! وهل اقتحام المسجد الأقصى يومياً من غلاة المستوطنين المتطرفين وبحماية أمنية هو أمر أمني أم ديني؟! وهل منع اقامة مهرجانات سياسية أو اجتماعية في القدس يشكل خطراً على أمن دولة تقول دائماً وتعترف بأنها أقوى دول الشرق الأوسط؟ وهل مداهمة المحلات التجارية بصورة فظة بحجة جباية الضرائب هي بسبب أمني؟ وهل فرض مخالفات من دون مبرر على السائقين أو السيارات هي اجراءات أمنية؟
إن العذر الذي تقدمه سلطات الاحتلال حول اجراءاتها للحفاظ على أمن المدينة هو أقبح بكثير من الذنوب التي ترتكبها يومياً، وفي كل ساعة.. وهذه الاجراءات لا توفر الأمن والاستقرار في المدينة بل توتر الأمور، وتستفز المواطن الذي يقاوم ضد هذه الاجراءات بشتى الطرق والوسائل المشروعة دولياً.
إن استمرار سياسات هدم البيوت بحجة عدم الترخيص، واعتقال أبناء القدس، ومصادرة اراضٍ، والسيطرة على مبانٍ وعقارات بشتى الطرق والوسائل لا توفر الأمن لاسرائيل ولا لأبنائها بل تشكل وقوداً لعربة النضال ضد الاحتلال، وتزيد من اندفاعها للأمام.
هذه السياسات الاسرائيلية القائمة على القمع والظلم لن تخيف أبناء القدس، بل تشعرهم كل لحظة ودقيقة بأنهم تحت الاحتلال، وعليهم الحفاظ على وجودهم في المدينة، لأن هذا الوجود هو مستهدف أكثر من استهداف اسرائيل للجغرافيا.. وتحفزهم على عدم السكوت بل المضي في نضالهم حتى الحصول على حقوقهم المشروعة، وهذا يعني ضرورة الصمود والصبر، لان الاحتلال سيزول في النهاية سواء عاجلاً أم آجلاً، لان التاريخ أكد ذلك. فالامبراطورية الاسرائيلية لن تبقى قوية الى أبد الآبدين.. فقد تأتي ظروف ومعطيات تساهم في زوال الامبراطورية كما زالت امبراطوريات عديدة عبر التاريخ، ولم يبق لها أي وجود سوى ذكرها لها في كتب التاريخ.
وكلمة أخيرة لا بدّ من قولها وبكل جرأة أن هذه السياسات الاسرائيلية الممارسة ضد ابناء القدس تؤكد على أن الوجود العربي يخيف ويرهب سلطات الاحتلال مهما كانت عظمة قوتها العسكرية، وهذا الوجود سيبقى قوياً الى أبد الدهور رغم ثقل المعاناة والاعباء الملقاة على عاتق أبناء القدس جميعاً!
جاك يوسف خزمو
رئيس تحرير مجلة البيادر
القدس/4/12/2018