نتنياهو ومستقبله السياسي يمر في امتحانٍ هو الأخطر منذ توليه المتعاقب لحكومات الكيان . ونجاحه في لملمة وضع ائتلافه الحكومي على خلفية استقاله وزير حربه ليبرمان احتجاجاً على وقف العدوان الأخير على قطاع غزة بعد مضي 40 ساعة على بدئه ، وبالتالي إبعاد شبح الانتخابات المبكرة عنه وعن حزبه ولو بشكلٍ مؤقت . هذا النجاح من وجهة نظر الكثيرين داخل الكيان الصهيوني سيبقى عرضة للتهديد الدائم بالاستناد إلى جملة من التحديات ، أولها ، مسيرات العودة في مناطق غلاف غزة مع الأراضي المحتلة عام 1948 ، والمستمرة منذ 30 أذار الماضي ، وما رافقها من إبداعات لأساليب المقاومة من طائرات ورقية وبالونات حارقة . وثانيها ، فشل العدوان الأخير على قطاع غزة واضطرار نتنياهو للرضوخ والقبول بوقف إطلاق النار مع المقاومة التي تراكم من قدراتها القتالية الهادفة إلى تحقيق الرعب المتبادل ، وهذا ما أكدته نتائج العدوان في تموز 2014 وما سبقها في أعوام 2008 – 2009 و 2012 . وثالثها ، الجبهة الشمالية مع لبنان ، حيث المقاومة بقيادة حزب الله تمثل رعباً حقيقياً للكيان وقياداته ومجتمع المستوطنين لديه منذ الهزيمة المدوية التي منيّ بها الكيان على يد مجاهدي الحزب وقائد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله . وهذا الرعب الوجودي من حزب الله لما يعلمه قادة الكيان الصهيوني علم اليقين ما راكمته المقاومة من قدرات صاروخية وصلت إلى 150 ألف صاروخ استناداً إلى تقديرات استخباراتية صهيونية ، واليوم تبرز المعضلة الكارثية بالنسبة للكيان ومجتمع مستوطنيه ما ادعاه نتنياهو شخصياً في الكشف عن وجود أنفاق قد حفرها حزب الله تصل إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة مع لبنان ، الأمر الذي دفع نتنياهو للسفر على عجلٍ للقاء رئيس الدبلوماسية الأمريكية مايك بومبيو في بروكسل لإطلاعه على خطورة الوضع العسكري على جبهة شمال فلسطين المحتلة مع لبنان . ورابع تلك التحديات ، ما تحقق في الميدان السوري وتلك الانتصارات التي حققتها القيادة السورية بفضل التضحيات الجسام لجيشها والقوى الحليفة لسورية . هذا الميدان الذي لطالما عمل الكيان الصهيوني على اختراقه واستباحته جواً من خلال الغارات ، وأرضاً من خلال المجموعات الإرهابية المسلحة التي كانت الذراع العسكري والأمني للعدو الصهيوني الراعي والحاضن لتلك المجموعات ، اليوم هذا الكيان يقف مكتوف الأيدي لا حول له ولا قوة على شن طيرانه للغارات منذ أن تنامت القدرات الدفاعية للجيش السوري ، مضافاً لذلك الرعب المضاعف من تمدد قوى المقاومة نحو مناطق الجولان لإنشاء جبهة جديدة تتكامل مع جبهة الجنوب اللبناني ، الأمر الذي يمثل كسر لكل الخطوط الحمر التي اعتقد العدوالصهيوني واهماً أنه قد فرضها خلال سني الحرب الإرهابية الكونية على سورية ، لتثبت الوقائع الميدانية وتطوراتها أنها أحلام أضغاث ليس إلاّ . وهذا الموضوع كان مثار ما بحثه نتنياهو مع وزير الخارجية الأمريكية بومبيو في بروكسل ، والشكوى ليست بعيدة عن إيران وحضورها المتزايد في المنطقة وخصوصاً في سوريا ، وخطوط الإمداد المفتوحة مع حزب الله وصولاً إلى قطاع غزة ، حيث صاروخ الكورنيت كان الرسالة الدامغة على تلك الخطوط المفتوحة والمتكاملة الجهود في مواجهة العدو الصهيوني ، وما تحضره قوى المقاومة لهذا العدو قادة ومستوطنين . وخامسها ، على الرغم مما يجمع الكيان من علاقة جيدة مع روسيا ، إلاّ أن إسقاط الطائرة الروسية قبالة الساحل السوري كان له وقعه على تلك العلاقة التي تأزمت كثيراً ، وهذا ليس وحده ما لعب دوراً في تأزم تلك العلاقة ، بل لقناعة القيادة الروسية أن نتنياهو وبتحريض أمريكي ، يقف عائقاً أمام أي دور روسي في المنطقة يتصل بالتسوية مع السلطة الفلسطينية ، حيث صارح نتنياهو القيادة الروسية أن ملف التسوية وحدها الإدارة الأمريكية المسؤولة عنه ، ورفض رفضاً قاطعاً أي دور روسي في هذا الشأن . وسادساً ، صحيح أن نتنياهو قد تمكن من إحداث اختراق على جبهة التطبيع مع عدد من الأنظمة العربية والخليجية على وجه التحديد باستثناء الكويت ، ولكن الأصح أن هذا الاختراق ما كان ليتحقق لولا تلك الضغوط التي مارستها ولا زالت الإدارة الأمريكية في هذا السياق ، على أمل أن يستعيد الكيان الصهيوني دوره كشرطي المنطقة وحارس للمصالح الأمريكية فيها ، وهذا وعد إبليس في الجنة ، حيث الزمن قد تغير مع تغير العالم وميله ولو ببطء نحو عالم متعدد الأقطاب ، وإلاّ ما معنى بقاء القوات الأمريكية مرابطة في مناطق من الجغرافية السورية والعراقية ، والعمل على توسعة قاعدة عيديد في قطر ، والبحث عن موطأ قدم لها في اليمن ، لو أن الكيان لديه تلك القدرات على لعب هذا الدور ، وهو ليس في مقدوره حماية نفسه في أية حرب قادمة . وبتقديري لن يطول الوقت كثيراً عندما سيجد نتنياهو أن هذا الاختراق سيسد بفضل تنامي قوة الحراك الجماهيري لدى العديد من شعوب أمتنا العربية ، والأشقاء في تونس يتقدمون الصفوف اليوم رفضاَ لكل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني ، وهذا ما كان ليتحقق لولا تلك النجاحات والانتصارات التي يحققها محور المقاومة وقاعدته المادية والإستراتيجية الجغرافية السورية .
هذه التحديات وغيرها ، هي ما تدفع نتنياهو للتحرك في أكثر من اتجاه على أمل شد عصب الأحزاب والكتل الصهيونية حول الخطر الذي يتهدد الكيان ومستقبله ، وعلى عادته أي نتنياهو يبحث في الأزمات عن انتصارات وهمية ، ضالته المنشودة إليها العناوين الفلسطينية في القدس وتهويدها ومصادرة الأراضي الفلسطينية والإيغال في الاستيطان ، علها تقنع الداخل الصهيوني أنه الوحيد القادر على تحقيق القفزات والنجاحات للكيان ، ويفرض هيبته وسطوته العسكرية المتأكلة منذ العام 2000 والسبحة تكر مع مرور السنين ليجد الكيان وقادته ومستوطنيه أنفسهم في مأزقٍ وجودي تعاكس حقيقة ما يحاول إظهاره من قوة رادعة كرابع جيش في العالم .
رامز مصطفى
كاتب فلسطيني