بنيامين نتنياهو في أول تعليق على سقوط مشروع القرار الأمريكي حول إدانة المقاومة الفلسطينية ووصفها الإرهاب ، يقول : " وقفت أغلبية ساحقة من الدول ضد حماس ، لم نحقق أغلبية الثلثين ، ولكن هذه هي المرة الأولى التي تُصوّت فيها أغلبية الدول ضد حماس ، أثني على جميع الدول ألـ 87 التي اتخذت موقفاً مبدئياً ضد حماس ، هذا إنجاز مهم للغاية بالنسبة للولايات المتحدة و" إسرائيل " . ويضيف قائلاً : " نعم ، التصويت على القرار الأمريكي لتجريم حركة حماس في الجمعية العامة لم ينجح ، ولكن الحقيقة هي أننا كنا قاب قوسين أو أدني من الإدانة" .
كلام نتنياهو غاية في الخطورة لجهة التدليل على مسألتان متناقضتان . المسألة الأولى ، تُدلل على مدى التراجع في مستوى الاهتمام بالقضية الفلسطينية ، صحيح أن الإنفضاض الملحوظ من حولها بقي في نطاق الأنظمة والدول بالمعنى الرسمي ، ولكن علينا ألاّ نستهين بمستوى حضورها على المستوى الجماهيري . وهنا علينا ألاّ نعفي أنفسنا نحن الفلسطينيون بالمعنى الرسمي من مسؤولية ما لحق القضية من تراجع ، أولاً بسبب اتفاقات " أوسلو " التي شرعت وفتح الأبواب أمام الكيان ليتسلل إلى العديد من الدول العربية ، وثانياً استمرار الانقسام والتراشق السياسي والإعلامي سيد المشهد على الساحة الفلسطينية . والمسألة الثانية ، وهي بالتأكيد على حساب الأولى ، وعنيت ذاك الاختراق الذي حققه الكيان الصهيونية في نسجه لعلاقات التطبيع مع العديد من أنظمة الدول العربية ، والمؤكد أن الإدارة الأمريكية وضغوطها حقيقة هي من ساهمت إلى حدٍ كبير في تحقيق أو تسهيل هذا السياق .
صحيح أن القرار الأمريكي قد سقط وكما عبر نتنياهو لأنه لم يحز على الثلثين ، ولكن الأصح أن من صوتّ لصالح القرار 87 دولة ، مقابل 57 دولة صوتت ضد القرار ، لتبقى الدول التي تمنتعت عن التصويت وعددها 33 صوتاً ، في جعبة الاحتياط للجولات القادمة التي ستقدم عليها الإدارة الأمريكية . وهنا يجوز التكهن حول نقطتين ، الأولى من يضمن أن عدد من الدول الممتنعة عن التصويت ، قد امتنعت بطلب من الإدارة الأمريكية لحين الطلب وفق التطورات أو السيناريوهات التي ترسمها أمريكا ومعها الكيان . والثانية من يستبعد أن مخرجات التصويت لجهة الأعداد سواء الموافقة أو الارفضة أم الممتنعة ، كان متعمداً في توجيه رسالة للمقاومة وحماس المستهدفة من القرار ، بأن عليكم الانفتاح على حلول سياسية تتعلق بإنهاء الصراع ، وإلاّ فإن سيف التجريم والإرهاب سيوضع من جديد على طاولة الجمعية العامة للأمم المتحدة . أليس هذا ما تم تنفيذه من سيناريو استدراجي مع منظمة التحرير الفلسطينية ، التي وجدت نفسها توقع على اتفاقات " أوسلو " عام 1993 .
القاعدة الثورية التي تعلمناها من قاموس الثورة وأبجدياتها ، وهي عندما ترى عدوك مرتاح لخطواتك فيقيناً أنك تسير بالطريق الخطأ . وهذا يضعنا أمام السؤال الكبير ، الذي لا مبرر لأحد ألاّ يجيب عليه ، والقيادات الفلسطينية وفي مقدمتها السلطة مطالبة بعدم التهرب من السؤال ، وهو من المسؤول عن وصول القضية الفلسطينية إلى هذا الدرك من التراجع المخيف ، على المستويات والصعد ؟ . قد يعرف الكثر الإجابة على السؤال ، ولكن المعرفة شيء ، والمكاشفة شيء أخر ، والأهم منهما كيف السبيل حتى نعيد لقضيتنا حضورها وألقها مرة جديدة ، بعيداً عن رمي المسؤولية على الآخرين فقط .
رامز مصطفى
كاتب فلسطيني