اوروبا والمهاجرين من التعاطف والتضامن الى القوانين العنصرية المعادية للمهاجرين..

بقلم: ميلاد البصير

يشهد التاريخ أن دول الاتحاد الاوروبي هي اهم الدول التي كانت تستقبل وتسضيف طالبي اللجوء السياسي الهاربين من الظلم والبطش والمطاردين من قبل حكوماتهم ودولهم بسبب انتماءاتهم السياسية، وافكارهم ، واعتقاداتهم الدينية،و انتماءاتهم الحزبيه الخ .

يوجد في اوروبا مئات الألوف من العرب والمسلمين والأفارقة وغيرها من القارات ، فمن لا يتذكر الثيله وقتل سالفادور أجنيدي وتولي الجنرال الفاشي بينو شيه وما ترتب عليه من هروب الالاف المواطنين الثيليين الذين لقوا حماة في جميع دول الاتحاد الاوروبي، من لا يتذكر آلاف المواطنون من اريتريا في سبعينات القرن الماضي كذلك والمواطنون الفلسطينينون الذين طردوا من وطنهم ولجوء الى اوروبا ، في إمكاني ان أكمل لكن يكفي هذا الامثله لكي اذكر الجميع في اوروبا التي كنا نعرفها حامية لحقوق الانسان ، تستضيف طالبي اللجوء، ففي سبعينات القرن الماضي وامام وصول المواطنين الهاربين من الثيله تم استقبالهم بطريقة مثالية ، ففتحت الأحزاب السياسية مراكزها، ونقابات العمال قامت بدورها، البلديات والمؤسسات الوطنية المحلية كانت تتسابق فيما بينها للتضامن مع المواطنين الجدد االذين هربوا من بطش الدكتاتور الجديد الجنرال بينو شيه.

هكذا كان المجتمع المدني الاوروبي في القرن الماضي يطفوا عليه مبادىء التضامن ، التعاون والضيافة وحمايه الضعيف والمهاجر والأجنبي.

اليوم الظروف تغيرت في جميع دول الاتحاد الاوروبي ، الأحزاب التاريخية التقليدية لم يكن لها وجود، المجتمع المدني انقلب رأسا على عقب ، فظهرت الأحزاب اليمينية المتطرفة والمعادين للاجانب والمهاجرين فنجد الكثير من الشعارات التي تقول مثلا : الاولويه للإيطاليين ، للفرنسيين ، للالمان وهكذا، بدل التعاطف والتضامن وضيافة المهاجرين كما كان في الماضي القريب ، اليوم أغلبية هذه الدول تحت ضغط الناخبين والمجتمع المدني أصدرت قوانين وطنية عنصرية ومعادية للمهاجرين حيث يتم التضيق عليهم بدل استضافتهم ومساعدتهم واندماجهم في المجتمع المدني وفي الحياه الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.

ان هذا التغيير يعود الى العولمه حيث ان العولمه وسرعتها في اختراق المجتمعات المحليه والاقتصاد الوطني بشكل خاص وما يترتب عليه فيما يخص القدره الشرائية للمواطن الاوروبي، وزياده نسبه البطالة ، وازدياد نسبه الفقر بين السكان ، افلاس آلاف المصانع والشركات وما يترتب عليه من نتائج ، تحويل وتبديل استثمار الأموال ، فبدل فتح المشاريع الانتاجية والمصانع والشركات اصبح الكثير من رجال الاعمال واصحاب رؤوس الأموال يستثمرون اموالهم في البورصات العالمية في ميلانو او باريس او نيويورك بذلك وبدون شك تركت العولمه خلفها ملايين من الفقراء والعاطلين عن العمل في المجتمعات الاوروبية وفي نفس الوقت حقق الكثير من رجال الاعمال والرأسمالين أرباح مضاعفة في حقبة تاريخية بسيطة.

هذه الظروف كانت وما زالت تربه خصبه لنمو وترعرع الأحزاب والحركات السياسية المتطرفة والمعادية للمهاجرين والأجانب فوجدوا في المواطن الأجنبي والمختلف والمهاجر واللاجئ جميع اسباب الفقر، البطالة، فقدان القدره الشرائية ، فإذا لا يوجد فرص عمل وتوظيف سببه الأجنبي الذي سرق فرصه العمل ، واذا لا يوجد مساكن شعبيه للمواطن ذات الدخل المحدود سببه هو المهاجر لانه هو الذي أخذ السكن ، بصريح العباره اي شيء سلبي سببه المهاجرين ، سببه طالبي اللجوء السياسي .

في نفس الوقت عدم قدره او فشل الأحزاب اليسارية والتقدمية الاوروبية في تجديد نفسها من الداخل لكي تستطيع مرافقه التغيرات الاجتماعية والاقتصاد والإقليمية وعدم قدرتها وفشلها الذريع في طرح برامج اجتماعية واقتصادية بديله قائمة على اندماج المهاجرين في المجتمعات الاوروبية ، قائمة على ترسيخ مبادىء الحقوق والواجبات ، تساوي المواطنون امام القانون ، ترسيخ ثقافة التضامن والضيافة وتقوية دولة القانون ، فشل هذه الأحزاب بعمل برامج اقتصادية لتوسيع فرص العمل وتجنب افلاس الشركات وزياده القدره الشرائية للمواطنين ونشر وتقوية مبادىء فرص العمل النوعية .

هذه الأسباب مجتمعة خلقت في اوروبا ما يسمى في الشعوبية الاقتصادية فأصبح المواطن الاوروبي يجد ان سبب فقدان قدرته الشرائية، عدم إيجاد فرص عمل، عدم إيجاد بيت شعبي ، سبب كل هذا وسبب فقره هو وجود هذه الإعداد من المهاجرين الذين يهددون رخاءه وأسلوب حياته واستقراره ، في نفس الوقت واضافة الى الشعوبية الاقتصادية، ظهور الشعوبية الثقافية ، اضافه الى خوف المواطن الأوروبي من فقدان راحته واستقراره الاقتصادي اصبح يتخوف ايضا من فقدان أوروبيته ، فقدان عاداته وتقاليده لان المهاجر يجلب معه قيمه وعاداته وتقاليده ويحاول استعمالها ونشرها في المجتمعات الاوروبية وبهذه الطريقه تولد المجتمعات المتعدده الثقافات والديانات .

من هذا المنطلق في الأشهر والسنوات القادمه سنجد المؤسسات الاوروبية محكومة من قبل هذه الحركات السياسية المتطرفة والتي ستسعى جاهده الى تضيق الخناق على المهاجرين وإصدار قوانين عنصرية، وتجرد المهاجرين من حقوقهم المشروعة دستوريا لذلك يتوجب علينا جميعا التنسيق فيما بيننا وان نتحد مع المجتمع المدني التقدمي ونقابات العمال والموظفين وما تبقى من الأحزاب اليسارية والتقدمية للحفاظ على حقوقنا ولكي نبني فعلا مجتمعا متعدد الثقافات قائم على التعايش السلمي وعلى السلام وعلى المساواه في الحقوق والواجبات بين جميع افراده بغض النظر عن الاسم وعن الدين وعن اللغة .

مختص بشؤون الهجرة –ايطاليا

ممثل جبهة النضال الشعبي الفلسطيني في ايطاليا وجمهورية سان مارينو

بقلم/ د.ميلاد بصير