ربما يكون اجتماع اللجنة التنفيذية لـ (م ت ف) المقرر، يوم الخميس القادم واحداً من أهم اجتماعاتها التي عقدتها على مدار تاريخها، ذلك أن هذا الاجتماع سيضع النقاط الأخيرة على الحروف، وسيكون منوطاً به اتخاذ القرارات المؤجلة أو التي تم التريث بشأنها، حتى لا تكون ناقصة أو غير دقيقة، أو أنها قد جاءت على عجل وكرد فعل، أو تحت تأثير حدث ما، وهي أي جملة القرارات التي من المتوقع اتخاذها ستحدد وجهة القيادة الفلسطينية بعد أن تغادر المنعطف أو نقطة المراوحة الحالية، إن كان فيما يخص الملف الداخلي، أي ملف الانقسام أو ملف الخصام مع «حماس»، أو ما يخص الملف الخارجي الذي يحدد العلاقة المتوترة، بل الملتهبة سياسياً، إن كان مع إدارة الرئيس دونالد ترامب الأميركية أو مع حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية.
بعد نحو أربعة أشهر من اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في آب الماضي، ستقف اللجنة التنفيذية أمام جملة القرارات التي اتخذها المجلس في جلسته تلك، لتشرع في تنفيذها بعد أن قامت اللجان التي شكلت بالخصوص بإنجاز تصوراتها لآليات التنفيذ تلك، ولعل خطاب الرئيس محمود عباس في كلمة له قبل يومين قد حدد واحداً من القرارات التي سوف يتم اتخاذها في اللجنة التنفيذية، وهو القرار الخاص بحل المجلس التشريعي، وهذا بتقديرنا قرار يهدف للضغط على «حماس» وليس على قطاع غزة من أجل الرضوخ لاستحقاقات إنهاء الانقسام، كذلك يعبر عن استجابة لاستحقاق دستوري وشعبي، مرتبط بانتهاء المدة القانونية لمجلس انتخب منذ ثلاثة عشر عاماً، لأربع سنوات فقط، لم يقم بدوره حتى خلال فترته القانونية، وهو غير موجود إلا بالاسم وحسب.
كذلك، من المتوقع أن يتم اتخاذ قرارات تمس اتفاقات أوسلو واتفاق باريس الاقتصادي، بما في ذلك التنسيق الأمني مع إسرائيل، إضافة إلى قرارات غير معروفة، أو من غير الممكن توقع مضمونها تجاه الإدارة الأميركية وتجاه إسرائيل، وربما أيضا اتخاذ قرارات تطلق المزيد من التحرك على الجبهة الدبلوماسية، ومنها التقدم لمحكمتي جنيف ولاهاي بدعاوى محددة ضد قادة العنف الإسرائيلي، وتوجيه تهم بارتكاب جرائم الحرب إن كان في غزة أو الضفة الغربية.
وحتى لا تكون القرارات مجرد إعلان سياسي، لابد من التفكير في مدى تأثيرها على الأطراف المعنية، ونحدد هنا القرار الخاص بحل المجلس التشريعي، فهو ربما كان أكثر تأثيراً لو أنه اتخذ قبل تشكيل حكومة التوافق الوطني، أي أيام كانت مجموعة نواب التشريعي بغزة تجتمع لتمنح حكومة الانقسام برئاسة إسماعيل هنية غطاء ما، لكن اتخاذ القرار الآن يعتبر مهماً، ليس لأنه فقط يعتبر تحذيراً لـ «حماس» ولكن لأنه يخرج واحدة من الأدوات التي يمكن الاتكاء عليها لاحقاً في إعلان «دولة غزة» المنفصلة، ومن المهم أيضاً برأينا أن يتبع القرار بجملة قرارات أخرى تضاف إليه لتعلن أن كل أدوات حكم الظل الحمساوية في غزة هي غير شرعية بل خارج القانون، أي لابد من اتخاذ قرار باعتبار كل موظفي «حماس» بغزة غير شرعيين ومطالبتهم بإعلان استقالاتهم من مناصبهم، وإلا لن يتم احتواؤهم لاحقاً في قوائم موظفي السلطة، والقرار الأهم والذي يمكن اعتباره قراراً حاسماً هو ذلك المتعلق بمركز القوة الحقيقي، أي القوة العسكرية، باعتبار كل المجموعات المسلحة خارج إطار القانون الفلسطيني، وهي إن كانت مجموعات مقاومة، فلا يحق لها اتخاذ القرار السيادي بالحرب مع إسرائيل أو غيرها، وأن قرار الحرب لا تتخذه حماس، بل السلطة الرسمية، وإن أي تدخل لأي فرد أو مجموعة بالشأن الداخلي يجعل من أفرادها، كما يحدث في الضفة الغربية، خارجاً أو خارجين عن القانون، وينزع عنه أو عنهم صفة المقاومة لصالح صفة قاطع الطريق أو قطاع الطرق.
كذلك يمكن أو ربما صار واجباً الإعلان الرسمي من قبل اللجنة التنفيذية عبر قرار صريح وواضح بإطلاق المقاومة الشعبية السلمية، وحماية كل المقاومين للاحتلال، واعتبار كل من يتصدى للاحتلال وللمستوطنين مواطناً فلسطينياً، بل جندياً في صفوف قوات الأمن الفلسطيني، كما تم اعتماد كل من سبقت له المشاركة في انتفاضة 1987، إن كان شهيداً أو جريحاً أو أسيراً، وتبني عوائل الشهداء فيما بعد، بل والرد على أي إجراء احتلالي بهدم منازل عوائل المقاومين ببناء بيوتهم وصرف مخصصاتهم وما إلى ذلك.
أي لابد من مواجهة كل قرار إسرائيلي يتخذ بقرار فلسطيني مضاد، حتى تتحول السلطة نفسها إلى قيادة للمقاومة الشعبية السلمية، حيث لم يعد الوقت مناسباً لمجرد التحريض على المقاومة السلمية في القدس والضفة الغربية، بل أن تفتح قرارات اللجنة التنفيذية الباب للتحول بالسلطة من إدارة الأمور الحياتية للناس إلى قيادة مقاومتهم للاحتلال بشكل صريح ومعلن وواضح.
ويمكن أيضاً أن يتم الإعلان عن تشكيل لجان للمقاومة الشعبية، ذات اختصاصات محددة، تدفع بكل فصائل (م ت ف) للانخراط فيها، بل وإجبارها على أن تنخرط في فعل المقاومة وعلى مغادرة مربع القول إلى الفعل الميداني، كما كان حال القيادة الموحدة للانتفاضة في الأعوام التي تلت 1987.
باختصار لا بد أن تكون القرارات ذات طابع عملي وليست قرارات سياسية من أجل التحذير والتنبيه وما إلى ذلك، والهدف منها الزج بكل طاقات الكفاح الوطني إلى الميدان، وتحويل مواجهة الاحتلال الحالية من طابع الأعمال الفردية، إلى الطابع الجمعي/الوطني الذي يقاد من أعلى مستوى سياسي ورسمي فلسطيني.
هكذا يتكامل فعل المواجهة السياسي والدبلوماسي مع الفعل الشعبي الميداني، الذي ينزع عن السلطة أولاً وعن كل فصائل العمل الوطني ثانياً صفة البيروقراطية والعمل الفوقي، إلى الصفة الشعبية والعملية بالنزول إلى الشارع، حيث يمكن لنا بعد ذلك أن لا نرى الخطباء من الوزراء وقادة الفصائل يعلنون ويصرحون من وراء الميكروفونات بل من ميادين المواجهة، وهذا هو القول/الفصل والمعيار الحقيقي بين مَن هو جدير بقيادة الشعب الفلسطيني والذي يمثله حقاً، وبين مَن هو غير جدير أو لم يعد جديراً بتمثيل الشعب، حتى لو كان منتخباً قبل نحو عقد ونصف من السنين العجاف.
بقلم/ رجب أبو سرية