المعركة سجال , ونار الثأر في إشتعال , ورجالاً لنا في ساحة الضفة الثائرة , لا ترضى الدنية ولا الخنوع ولا الإستسلام , صنعوا من آلام وأوجاع الوطن لهم سلاح , سددوا ضرباتهم فزلزلت كيان اللقطاء , وهل ينام الحر عن ثأر يطلبه ؟, وهل يعود الوطن عزيزاً بغير تضحيات ودماء , رجالا لا تخشى الموت تطلبه شهادة , وخاب من ظن أن الضفة ماتت فيها النخوة وضعف فيها الإنتماء , فالضفة مرجل الغضب قادم إنفجاره لامحالة , ألا يعلم هؤلاء أن جذور الشهداء تخرج من بين الصخور , وسماؤنا تمطر بالدماء فالأرض في شتاء البطولة تفور وتغلي ثأراً , وتنبت من جديد شهداء على إمتداد الوطن ,عبيرهم يفوح ربيعاً في كل بيت وشارع , ألا ترى صور الشهداء تزين المجالس والحياة وأحاديث الجدات, وتتسابق الأمهات لتطلق أسماء الشهداء على مواليد جدد في عيونهم الصغيرة مشهد ملحمة قادمة , تقترب كلما كبروا الصغار , فالثأر للوطن يولد مع الأحرار.
نامت فلسطين ليلة الأربعاء (12-12) حزينة بعد تمكن العدو الصهيوني من إغتيال الشهيد صالح البرغوثي بعد عملية مطاردة وبحث واسعة في رام الله المحتلة, الشهيد صالح سليل أسرة مجاهدة تتنقل ما بين الشهادة والأسر , ولا تترك ساحة القتال من أجل فلسطين , منبت الشهيد في بلدة كوبر شمال رام الله , ويشهد لهذه البلدة الطيبة أهلها بأنها معقل الإستشهاديين أبطال الرد السريع خلال إنتفاضة القدس, وينسب للشهيد صالح البرغوثي تنفيذه لعملية عوفر بتاريخ 9-12-2018م , كاد الحزن يقتل نفوس الفلسطينيين وأرقهم التفكير بالثأر عن طلب النوم , وما كاد فجر(13-12) يبزغ حتى أشرق قمر جديد على طريق الجهاد الفلسطيني , وسال الدم مسفوحاً في مخيم عسكر بنابلس , ليوزع نوره على إمتداد الوطن يطلب الثأر , وشاع الخبر إرتقى أشرف نعالوة شهيداً, يا حامل راية الثأر في "بركان " , يا من سكنت قلوبنا وعشت في بيوتنا بين أحاديثنا ودعواتنا , يا أشرف المقاتل يا صاحب الإبتسامة الواثقة من النصر والمستهزئة بكيان خيبر العصر, أي وجعاً هذا الذي يطبق على أرواحنا , برحيلكم يا حراس الوطن والأقصى, تزرعون الأمل للشعب بتضحياتكم , وتسقونه دمكم الأحمر القاني , فيبزغ نصراً قريباً بإذن الله .
بعد فشل الإحتلال ولمدة شهرين في إلقاء القبض على البطل أشرف نعالوة ,وتكبده خسائر مالية كبيرة خلال العمليات الأمنية الواسعة وحملات إقتحام المتكررة لمدينة طولكرم وبلدة الشويكة مسقط رأس الشهيد أشرف ,هذا الفشل كان بمثابة هزيمة للإحتلال وأدواته الأمنية , كيف يستطيع مقاوم فلسطيني يعيش في بيئة أمنية معادية ( إحتلال , وتنسيق أمني ) أن يصمد كل هذه المدة , دون الإيقاع به أو تصفيته ,وكل يوم يمر وأشرف طليق يشكل ذلك خطراً محدقا على الإحتلال ومستوطنيه , كما تحقق بطولة أشرف نعالوة , ولادة قدوة فلسطينية جديدة للشباب الذي سيسلكون دربه ويقتدون به , وهذا أكثر ما يخشاه الإحتلال .
جاءت عملية "عوفر " قرب رام الله , كضربة جديدة لمنظومة الأمن الصهيونية , وتحدياً آخر لإختبار فرض الأمن والسيطرة, وتوفير أجواء آمنة للمستوطنين , خلال المكوث والتنقل في الضفة المحتلة , وأمام هذا التحدي الكبير للأمن الصهيوني , جن جنون جيش الإحتلال , إقتحم رام الله ليلاً ونهاراً , بحث في المباني والأماكن العامة , أقام حملات التفتيش للمركبات في الشوارع , وبما يملكه من تقنيات تكنولوجيا وكاميرات مراقبة وطائرات إستطلاع , وقنوات للتنسيق الأمني , وعملاء على الأرض , إستطاع الوصول إلى الشهيد صالح البرغوثي وإغتياله, وكأنه بذلك أنهى الخطر عن مستوطنيه وأزال الخوف عن جنوده , ولكن الجواب الفلسطيني على ذلك جاء سريعاً بعد سويعات قليلة , فكان الرد على جريمة الإحتلال في رام الله ونابلس , من النوع المزلزل والمربك للإحتلال ومستوطنيه ,(3) جنود قتلى وإصابات خطيرة قرب مستوطنة "جفعات أساف" شرق رام الله المحتلة , في وضح النهار كان الهجوم , ومن نقطة صفر تم تسديد الرصاصات التي إخترقت أجساد الجنود , كما جاء في الإعلام العبري ,
نشوة النصر لم تدوم صهيونياً , إعتقد المحتل بأنه تخلص من خلايا المقاومة الفاعلة في الضفة المحتلة , بإرتقاء الشهيدان البرغوثي ونعالوة , فكانت الرسالة أن المقاومة مستمرة , والعمليات قادمة لن تتوقف , وليعلم الإحتلال أن الشهداء يصنعون برحيلهم جيوشاً تحمل الراية والسلاح , وأن بنادق الشهداء لا تُكسر ورصاصاتهم لا تُعطب , وما على الإحتلال ومستوطنيه الا الرحيل عن أرضنا وقدسنا , هذه رسالة الشهداء والمقاومين في فلسطين, المعركة مفتوحة وللحديث بقية.
بقلم : جبريل عوده *
كاتب وباحث فلسطيني
13-12-2018م