تضليل الشعب وتمكين الإحتلال

بقلم: محمد أبو مهادي

عندما تداول عدد كبير من نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي فيديو مترجم لفرنسية خلال احتجاجات السترات الصفراء في باريس وهي تصرخ وتقول:

(أرجوكم لا تحرقوا باريس، لا تفعلوا كما فعل العرب) ، كنت مقتنعاً ان هذا الفيديو مفبرك، وانه من فعل اجهزة أمنية أو هواة موالين لحكومة ماكرون يسعى لمساندة الشرطة في لجم المظاهرات واخراجها على انها عملية فوضى وتخريب ينبغي مواجهتها وتوفير حاضنة شعبية تبرر قمعها، بعد الفيديو مباشرة تم اعتقال اكثر من 1700 متظاهر، وهذا ليس عدداً سهلا في بلد أوروبي، لو تمت الإعتقالات قبل الفيديو لتحولت باريس إلى معقل لثورة جديدة من اجل العدالة الإجتماعية والحقوق الإقتصادية.

أدوات الإستبداد وطرائقه واحدة في كل العالم، المخابرات والاعلام الداجل والقطيع.

تسفيد مخابرات عباس مما يجري في العالم، وتنقل أسوأ التجارب، ويصرف عليها من أجل تطبيق هذه التجارب، ونجحت إلى حد ما في عدّة محطات منذ حادثة حرق الطفل أبو خضير في الضفة الغربية حتّى يومنا هذا.

اشتعلت الضفة الغربية غضباً ضد جرائم الاحتلال، وخرج الشعب في تظاهراته الحاشدة لتظهر فجأة صورة مسلح وسط المتظاهرين أو فيديو نساء يهاجمن رجال الشرطة أو متظاهرون يرفعون رايات فصائلية في تظاهرات نابلس والخليل وغيرها من المدن الفلسطينية، أخرجوا الأمر وكأنه جريمة نكراء تستوجب القمع والتنكيل بحق الناس وجرّت بعض القوى السياسية لموقف المدافع عن مظهر القمع تحت هذا العنوان!

واستطاعت اخماد شرارة انتفاضة فلسطينية جديدة ضد الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه الذين انتقلوا الآن من مرحلة الخوف والإنكفاء إلى مرحلة الهجوم على بيوت الفلسطينيين ليلة أمس!

كنت على يقين أن شائعات الأجهزة الأمنية ستؤتي أكلها وتؤثر في مسار الأحداث وتلجم انتفاضة شعب من اجل الكرامة والحرية أو تعطلها إلى حين.

شاهدت سذاجة القطيع وهو يستحضر أسوأ ما عنده للرد سلباً ام ايجاباً على تلك المشاهد التي بثّها جهاز المخابرات واذرعه في القوى السياسية الفلسطينية، وكيف تركت القضية المركزية ومقارعة الإحتلال الذي دخل في ثلاث ازمات سياسية متلاحقة وفضحت حقيقته أو بدأت تنفضح:

فضيحة عدوانه الأخير على غزة.

فضيحة حربه على انفاق حزب الله.

فضيحة أمن جنده ومستوطنيه في الضفة الغربية.

جهاز المخابرات العامة ونخبة اوسلو الإقتصادية المرتبطة بإسرائيل يقدمون كل مرة طوق النجاة لحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، وينقلون اسرائيل من موقع الأزمة إلى موقع الهجوم، وينقلون الفلسطينيين من موقع التلاحم الشعبي والإتفاق العام على مواجهة الإحتلال بأروع صورها إلى زاوية الصراع الداخلي والإنشغال ببعضهم البعض.

كما استفاد الإحتلال من مسيرة مفاوضات فاشلة عمرها ربع قرن في بناء المستوطنات وجدار الفصل العنصري وتهويد القدس، سيستفيد من حالة الإحباط التي تفرضها قيادة التنسيق الأمني المقدس ليواصل تحقيق الإنجازات على مستوى الإقليم والعالم.

استراليا تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل والبحرين تقول أن ذلك لا يؤثر على مسيرة السلام بين الفلسطينيين واسرائيل، والفلسطينيون ينشغلون ببعضهم بفضل قيادة عاجزة متواطئة تعلن ان مقاومة الإحتلال هي أعمال عنف!

قد يكون نشر فيديو مفبرك في باريس من أجل حماية نظام سياسي وتقليص الإحتجاجات الكبيرة التي تقضّ مضاجع ماكرون، لكن في فلسطين لصالح من كل هذا التضليل؟.

بقلم/ محمد أبو مهادي