متى نغلب المصلحة العامة ونتجاوز الأهواء الشخصية؟

بقلم: رامي الغف

من يريد ان يعرف الحقيقة عليه ان يكون موضوعي في التحليل والنتيجة وان يتقبل الراى الاخر حتى وان كان على عكس ما يريد او يؤمن، والحقيقة الدامغة في وضع الوطن الفلسطيني اليوم ان ثمة قوة موجوده على الساحة الفلسطينية وهم امراء الإنقسام، وهذه القوة لا تتورع في ان تتخذ كافة الوسائل والاساليب لتحقيق ما تريد وهو بقاء الحال على ما هو عليه وبقاء هذا الإنقسام أعوام وأعوام قادمة، لذلك لا نبالغ لو قلنا بأن يوما بعد أخر تأكد للجميع في الوطن الفلسطيني إن الحكومة المقبلة لا يمكن إن تكون إلا حكومة شراكة وطنية حقيقية وان المرحلة تتطلب استثمار كل الجهود الوطنية في سبيل الانطلاق في بناء دولة المؤسسات والخدمات التي غابت عن المواطنين طيلة السنوات العشرة الاخيرة وهي الحالة التي كانت موجوده في ظل الإنقسام العقيم.

الا ان ما يؤسف له ويحزن القلب اننا نجد في البعض ميلا نحو تغليب المصلحة الشخصية والمجازفة بكل شيء في سبيل منصب معين متناسين شعاراتهم وكلماتهم في خلال فترات الانتخابات بل وصل الحال بالبعض الى التهديد والوعيد والعودة الى المربع الاول اذا لم يحصل على ما يريده من مناصب ومكاسب، وطبيعة الامور وتجربة السنوات السابقة مثلما توكد على اهمية اشراك الجميع في الحكومة توكد في الوقت ذاته وبما لا يقبل الشك ان الوزراء المقبلين يجب ان يكونوا مقبولين من قبل الشركاء في الوطن وان هذا الشرط هو اساس قبوله وبخاصة في المرحلة المقبلة وهي مرحلة حساسة ومصيرية باتفاق الجميع.

وهنا نتساءل هل يمكن أن يبقى الوضع المأساوي موجود ونقول أن هذا جزءاً من المصلحة الوطنية؟ وهل الفوضى وعدم وجود دولة جزء مكمل لهذه المصلحة؟ وهل الوضع المتدهور اقتصاديا مصلحة وطنية؟ وهل زيادة البطالة والفقر والجوع مصلحة وطنية؟ وهل الاقتتال وعدم تمكين الحكومة من أداء واجبها مثلاً هو مصلحة وطنية؟ وهل قطع التيار الكهربائي هو مصلحة وطنية؟ وهل الانفصال بين شطري الوطن مصلحة وطنية؟ وهل بقاء الإنقسام الموجود منذ عشرة سنوات جزءا من المصلحة الوطنية؟ وهل بقاء الحصار والإغلاقات هو مصلحة وطنية؟ وهل تدمير الإنجازات الوطنية التي عمدت بالدم والجراح هو جزءا من هذه المصلحة؟ وهل الجرائم وحالات الإنتحار المتكررة هي مصلحة وطنية؟ وهل بقاء الحال كما هو عليه مصلحة وطنية؟ وهل تنطوي حتى على أية مصلحة وطنية بالسياق التي هي عليه وبالواقع الذي يتم فرضه على الأرض وعلى أنغامها وبالصورة المشوهة التي تعكسها عن واقع الساحة الداخلية والوطنية والسياسية؟

يجب أن تعلو المصلحة الوطنية فوق كل الطموحات الشخصية والجمعية والفئوية والحزبية ويجب أن نجعلها مصلحة عليا فوق كل المصالح والاعتبارات الأخرى، ويجب أن ينطلق هذا الموقف باتجاه الفعل الصحيح وفق حسابات دقيقة بعيدًا عن مستنقع المنافع والأحقاد والرواسب الدنيئة والحسابات الذاتية والطموحات والمصالح الذاتية، لأنها مواقف مرفوضة بكل المعاير الدينية والأخلاقية والوطنية.

إن محاولة إغفال المصلحة الوطنية العليا يفقد الشخصية صفة الوطنية ويغمسها في المصالح الأنانية الضيقة، إن على الجميع ترتيب الأولويات بما يضمن المصلحة الوطنية العليا ومستقبل الأجيال القادمة، وحفظاً لمصلحة الجماهير وتقديساً للوحدة الوطنية وللتراب المقدس، ورفض كل المحاولات السلطوية للبعض لتقليص الفرص أمام فرض الوطنية والانتماء وفق ممارسات وأفعال وخطب بعيدة عن الذكاء والحكمة وبعد النظر، والرؤيا المستقبلية لهذا الوطن التي فيه مستقبلنا ومستقبل أبنائنا.

إنني أشعر بتأنيب الضمير حين أسمع من أن البعض قد اخترق جدار المصلحة الوطنية العليا، وأخذ يمارس الوصاية والتسلط، وينتهك حرمة اللحمة والوحدة العظيمة، ويفضل مصلحته أو مصلحة فصيلة أو حركته أو حزبه أو يشيع الأخبار الكاذبة ويسرد القصص الوهمية والحكايا ويتحدث بلا وعي ولا إدراك ولا مخيلة، وبتجرد المسئولية والحنكة والعقل، فلقد مللنا من التصريحات النارية والخطب الرنانة والتشدق الضيق الأعمى والشك اللامحدود التي لم تؤدي كلها إلا إلى الاحتقان والتوتر والتفرقة والعنصرية بعيداً عن الحس الوطني والتطلع الحقيقي للنماء والتطور والإزدهار والمواكبة في كل المجالات.

إن على الجميع أن يترجموا عملياً إيمانهم العميق بالعمل لصالح الوطن وليس لصالح الكتل والقوى والجهات والتجمعات والأحزاب وإنما مصلحة مشتركة هي فلسطين الذي يجمعنا أرضا وبحرا وجوا ودينا ومذهبا وشعباً واحد، فإن محاولة سرقة الوطنية أو تغيير مفاهيمها وانتمائها من لدن البعض وبطرق ملتوية ومختلفة تشوبها العتمة ويلونها الرماد يوفر الإحساس بالمرارة، وينذر بأخطار رهيبة لم تكن في الحسبان ولا ضمن الأجندة، وستكون عواقبها وخيمة على هذا الوطن والجماهير، فانهم لا يحتملون المزيد فقد أنهكوا لفترات طويلة أما آن الأوان أن يعيشوا ويستقروا وينعموا بكل ما تنعم به باقي الدول من امن وأمان واستقرار ورخاء ونماء.

إنها مفارقة كبرى يندى لها الجبين وتميل عندها كفة العدل والإنصاف، ناهيك عما تتركه من أثر سلبي في وجدان الجماهير، خاصة وان فلسطين تمر بمرحلة دقيقة وحساسة تتطلب وقفة قيادية ووطنية تقطع دابر المصالح الشخصية.

لا يخفى على أحد ما يعانيه الشارع الفلسطيني والمشروع الوطني ككل علاوه على الوضع الإقتصادي والمالي والامني وما يلاقيه من من فوضى وارباك وما تواجهه الجماهير من متاعب وويلات ومصائب جعلتهم في حالة الانقسامات المتكررة وأذهلتهم الصدمات والتهديدات والتحديات فأصبحوا سكارى وما هم بسكارى.

بعد إنسحاب الإحتلال من قطاع غزه وبعض مدن وقرى الضفة الغربية ترائت للجماهير بصيص من نور نحو السعادة والاطمئنان والتقدم والازدهار، الا أنه سرعان ما أخمد هذا التفاؤل لتعود الظلمة من جديد وما زاد الطين بلة كما يقولون التصرفات الحمقاء لبعض الساسة والمتنفذين وامراء الإنقسام في الوطن الفلسطيني، والذين يحاولوا وضع العصى في عجلة التقدم لتحقيق أحلامهم المريضة فتوسلوا بشتى الطرق المجافية للاخلاق والمبادىء والقيم السماوية والارضية وضربوا بكل الاتفاقات والمواثيق عرض الحائط وحاولوا بكل الوسائل دفع وطننا نحو الحرب الاهلية التي لا تبقى ولا تذر من اجل الحصول على مكاسب فئوية ضيقة ومنافع شخصية، ولاثارة النزعات والنعرات وأشعال نار الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، ولسان حال الشعب كأنه يقول ( خلصني وخود عباتي ) فهو يأمل في حل الازمات العصيبة السياسية والامنية والإقتصادية والخدمية.

لسنا هنا في مجال توزيع الاتهامات، ولا في خانة اصدار الاحكام على هذا الطرف أو ذاك؟ وسنظل في صلب الموضوع الذي بدأنا فيه نطرح تساؤلات المواطن الفلسطيني المحقة والتي يمكن جمعها في سؤال واحد: إلى متى نبقى على هذا الحال؟ وما نخشاه أن يظل هذا السؤال يتردد على ألسنة ابنائنا واحفادنا من دون ان نستمع نحن ولا هم على اجابات كافية شافية، اجابة عملية وليست كلاماً فقد مللنا سماعه، اجابة نرى أثرها في الساحات العامة والشوارع وامام الجامعات والميادين وفي المنتزهات والشوارع الرئيسية، اجابة لا نسمع بعدها صوت انفجار يهز البيوت ويخلع القلوب، اجابة يستطيع بعدها الفلسطيني أن يسير في شوارع غير محجوزة بقطع الباطون الكبيرة، شوارع مزدحمة بالناس الفرحين السعداء، اجابة تعيد البسمة الى الوجوه والاشراقة الى العيون التي نضحت كثيراً حتى جفت، اجابة تقول ان الأمل قد حل ولا نطمع بأكثر من ذلك.

انا هنا اختتم مقالتي هذه وكما بداتها نريد حكومة وطنية تخدم المصلحة الوطنية العليا والتي تعمل من اجل فلسطين موحد مستقل ديمقراطي يعيش المواطن فيه عزيزا، محترما، متطورا، ومخدموما، وليس حكومة وحدة وطنية متبعثرة ومتضاربة المصالح في معظم الاحوال وكما شاهدناه في الحكومات السابقة.

آخر الكلام:
مهما بدا الأفق قاتماً للبعض، فإن عزيمة أبناء الشعب الفلسطيني، وصمود وإصرار قادته المخلصين يفتح لنا جميعاً أبواب الأملِ مشرعةً لتجاوز المحنة، وإن أبناء هذا الشعب الكريم سيقدم أنموذجاً وطنياً سيحفظه التاريخ بأنصع صفحاته لفلسطين التي تقاوم أعتى إحتلال على وجهه البسيطة، لأنه شعبٌ صانعٌ للحياة، وسيواجه الدمار ويبني دولته.

 

بقلم / رامي الغف*

*إعلامي وباحث سياسي