قرار الرئيس بحل المجلس التشريعي والدعوة لانتخابات تشريعية ، في ظل استمرار الانقسام يعني تكرار سيناريو ما حدث بانتخابات الهيئات المحلية قبل عامين بانعقاد الانتخابات المحلية في الضفة الغربية دون قطاع غزة نتيجة عدم التزام طرفي الانقسام بتحييد إجراءات التحضير للانتخابات عن المناكفات السياسية وبتهيئة بيئة مواتية وضامنة لتنفيذ الانتخابات بنجاح في كافة محافظات الوطن.
مما يعني أن شعرة معاوية قُطعت بهذا القرار، الذي سيعزز بدوره الانقسام ، وحيث أشار الرئيس في حديثه؛ أن الصلاحية ممنوحة له من قبل المحكمة الدستورية التي شكلت عام 2016 بقرار بقانون منه! وهنا نقف أمام عدة تساؤلات...
هل استند القرار في حكم المحكمة الدستورية قياسا إلى الحكم السابق بقضية السيد محمد دحلان الذي جاء برفع الحصانة عنه لانتهاء ولاية المجلس التشريعي؟ حسب المادة 47 من القانون الأساسي الفلسطيني والتي تحدد ولاية المجلس التشريعي بأربع سنوات فقط.
أما إذا كان هناك حكماً خاصاً بناءا على طلبٍ قدم أمام المحكمة الدستورية، فمن المؤكد أن قراراً من هذا القبيل يصدر برئاسة رئيس المحكمة الدستورية وقد سبق لرئيس المحكمة الدستورية أن أعطى رأياً بهذا الخصوص إبان تعليقه سالف الذكر في مؤتمر القانون الدستوري بجامعة النجاح، وإذا انعقدت المحكمة برئاسة رئيس المحكمة الدستورية ووفقا للإجراءات القانونية فان هذا الأمر يُعد مخالفة واضحة للقانون وتتطلب منه تنحيه عن الحكم، فالقاضي الذي يبدي رأيه بقضية معينة لا يجوز له أن يحكم بها وبالتالي الحكم المستند إليه يصبح حكما يشوبه البطلان
ونقطة أخرى مهمة يجب أن لا تُغفل بالرجوع إلى صلاحيات المحكمة الدستورية، تختص المحكمة، دون غيرها، بما يلي:
الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة. في تفسير نصوص القانون الأساسي والقوانين في حال التنازع حول حقوق السلطات الثلاث وواجباتها واختصاصاتها.
وعليه فهذا لا يُجيز لها مخالفة القانون الأساسي، فبالرجوع لنص المادة 113 من القانون الأساسي الفلسطيني بأنه (لا يجوز حل المجلس التشريعي الفلسطيني أو تعطيله خلال فترة حالة الطوارئ أو تعليق أحكام هذا الباب)
وبالتالي فقد أضحى هناك خللاً كبيراً في حكم المحكمة الدستورية بتجاوزها لصلاحياتها يمتد لقرار السيد الرئيس بحل المجلس التشريعي، فنحن ما زلنا في حالة الطوارئ ودلالتها الواضحة هي استمرار إصدار القرارات بقوانين على سبيل المثال لا الحصر,
حتى وإن افترضنا أن حالة الطوارئ قد انتهت استنادا إلى انتهاء مدتها حسب القانون, و إلى أن الرئيس يصدر قراراته بقانون استنادا لنص المادة 43 من القانون الاساسي وهي حالة الضرورة – وهناك فرق بين الأحكام والإجراءات والآثار المترتبة على حالة الضرورة وحالة الطوارئ - (وعلى إثرها تم تبرير حكم المحكمة أي بمفهوم المخالفة للمادة 113 في حالات غير الضرورة يجوز للرئيس حل المجلس التشريعي) وهذا تفسير يخضع لوجهات نظر .
إذ لا يجوز إعمال النصوص الدستورية حسب الأهواء والمصالح السياسية وإنما وفقاً للمصلحة العامة وروح النص، و الأولى تجميد كل العملية التشريعية في ظل الاستخدام السياسي المفرط لها من قبل طرفي الانقسام.
والسؤال ؛ لو نُفذ جدلاً قرار حل المجلس التشريعي الحالي، فهل سيمارس المجلس التشريعي صلاحياته لحين حلف اليمين للمجلس المنتخب؟ لقد أجاب القانون الأساسي الفلسطيني في نص المادة 47 مكرر (تنتهي مدة ولاية المجلس التشريعي القائم عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية) والمقصود بالقائم هنا وبعد مراجعة السياقات التي شرعت بها هذه المادة هو المجلس التشريعي القديم وليس الحالي وبالتالي نتحدث عن فراغ تشريعي وغياب كامل للمساءلة وتفرد مطلق من السلطات التنفيذية التي تمارس سلطة التشريع نيابة عن التشريعي
والسيناريو القانوني المتوقع بعد اتخاذ هذه الخطوة, هو إحالة اختصاصات المجلس التشريعي للمجلس الوطني باعتباره الهيئة التشريعية الممثلة للشعب الفلسطيني بالوطن والشتات ،
لا شك أن الانتخابات احتياج بالغ الأهمية وضرورة ملحة لإنقاذ النظام السياسي وتحقيق الوحدة الوطنية إلا أنها لا بد أن تكون انتخابات شاملة ونزيهة تطبق في كافة محافظات الوطن وفق سياق قانوني ووطني موحد.
وهناك اجتهادات وانعكاسات على قرار المحكمة الدستورية بحل المجلس التشريعي فقد قال رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق، د.عصام عابدين، إنّ قرار المحكمة الدستورية بحلّ المجلس التشريعي الفلسطيني هو قرار منعدم، لأنّه يشكل عدوانًا على القانون الأساسي الفلسطيني الذي يُفترض أنّه المرجعية الأساسية للمحكمة.
وأوضح د.عابدين، لبوابة الهدف اليوم الأحد، أنّه "لا تُوجدّ أيّة مادة في القانون الأساسي الفلسطيني (121 مادة) تُجيز حلّ المجلس التشريعي الفلسطيني على الإطلاق، بل على العكس، المادة (111) تُؤكّد على أنّه لا يجوز حلّ المجلس حتى في حالة الطوارئ. وبالتالي لا توجد أيّة صلاحية في القانون الأساسي أو في قانون المحكمة تُجير لها حلّه."
وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، أمس السبت 22 ديسمبر 2018، أنّ المحكمة الدستورية العليا في فلسطين قرّرت حل المجلس التشريعي، والدعوة لانتخابات تشريعية خلال 6 أشهر.
من جهته أضاف د.عابدين أنّ "كل قرارات المحكمة الدستورية منذ نشأتها حتى الآن، وفي كلّ مرّة تُثير جدلًا ونقاشًا كبيرين في المجتمع الفلسطيني، لأنّها لا ترتكز على أيّ أساسٍ قانونيّ. منها قرارها السابق برفع الحصانة عن نوّاب في المجلس التشريعي وهذا مخالف للمادة (53) من القانون الأساسي."
وبيّن الخبير القانوني أنّ "المحكمة الدستورية تظهر وكأنّها وصيّة على القانون الأساسي وعلى السلطات، لا تمتثل للقانون الأساسي، وأصلًا تشكيلُها مخالفٌ للقانون الأساسي ومخالفٌ لقانونها. وبالتالي ما صدر عنها بحلّ التشريعي قرارٌ منعدم كما أنّه ليس من حقّ المحكمة الدستورية تحديد موعد إجراء الانتخابات، من الواضح أنّ هذه المحكمة لا تحترم اختصاصاتها كما لا تحترم قانونها والقانون الأساسي."
"عندما نقول أنّ هناك انتهاك سافر للقانون الأساسي الذي هو التشريع الأسمى، هذا يعني أنّ القرار الذي يصدر في هذه الحالة هو قرار منعدم ولا يُرتّب أي أثر قانوني. وفق د. عابدين الذي لفت إلى أنّ "هذه المحكمة يُفترض أن تكون الحكَم بين السلطات، وأن تكون حارسة للقانون الأساسي، أمّا أن تعتدي هي نفسها على القانون الأساسي فإنّنا أمام قرارات منعدمة من تلك المحكمة، وهذه مسألة ثابتة".
وقال إنّ المحكمة الدستورية الفلسطينية تُواجه انتقادات لاذعة من لِجان دولية وخبراء دوليين، كونها تبدو كأداةٍ في يد السلطة التنفيذية، بمعنى أنّ الأمر لا يقتصر على انتقادات من المجتمع المحلي فقط. من هذه اللجان الدولية كانت لجنة (سيداو/ CEDAW)- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة- التي انتقدت بشكل لاذع أداء المحكمة الدستورية بعد إقرار الأخيرة تحفظاتٍ على الاتفاقية.
وفي تفاصيل قرار المحكمة الدستورية، قال الرئيس عباس خلال خطابٍ له بمُستهلّ "اجتماع القيادة" في مدينة رام الله، أمس السبت، إنّ "أول الإجراءات التي قرر اتّخاذها بحق حركة حماس كان حلّ المجلس التشريعي، إلا أنّ المجلس المركزي أكّد ضرورة وجود سند ورأي قانوني لاتخاذ مث هذا القرار، واتجهنا للقضاء، وبناءً على ذلك قررت المحكمة الدستورية العليا حل المجلس التشريعي والدعوة لانتخابات تشريعية خلال 6 أشهر".
حيث قال الرئيس التنفيذي للمركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة" المحامي ابراهيم البرغوثي في اتصال هاتفي مع وطن إن ما ورد على لسان الرئيس محمود عباس بحاجة الى وقفة قانونية، وكذلك الاطلاع على تفاصيل القرار الذي وصفه "بالخطير جداً".
وأوضح البرغوثي أنهم جهة قانونية لم يتطلعوا على القرار، ولا يعلمون حيثياته وماهيته، ويجب دراسة القرار في أي سياق تم، والعودة الى القانون الأساسي ما اذا كانت تملك صلاحية الدعوة لانتخابات أو عدمها.
وأكد انه بامكان الرئيس الدعوة لانتخابات عامة "رئاسية وتشريعية" دون الحاجة الى محكمة دستورية.
بدوره، اعتبر الخبير القانوني ماجد عاروري أنه من الصعب التعليق على قرار الدستورية حل المجلس، دون الاطلاع على حيثياته. لكنه أعرب عن دعمه إجراء انتخابات تشريعية، والالتزام بالمدة المذكورة لذلك، خروجا من الوضع القائم، وحالة الانقسام السياسي.
واتفق مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان د. عمار دويك مع رأي العاروري، لكنه قال إنه تواصل مع احد القضاة، أعضاء المحكمة، وأوضح له بأن القرار يدعو إلى حل المجلس التشريعي وإلى اجراء انتخابات خلال ستة شهور من تاريخ صدوره. كما بين الدويك أن إجراء الانتخابات مطلب وطني وحقوقي، ويجب البدء بالتحضير لها وتهيئة الاجواء التي تضمن نزاهتها وحريتها.
ولاقت هذه التطورات استنكارًا واسعًا من مختلف الفصائل الفلسطينية، وكذلك جهات حقوقية، أجمعت على عدم قانونية القرار وأنّه سيزيد من العقبات أمام المطلب الوطني المُلحّ وهو استعادة الوحدة وإنهاء الانقسام المشؤوم.
واعتبرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القرار "سياسيّ، وسيضيف عقبات جديدة أمام جهود المصالحة، وسيُعقّد الأوضاع الداخلية أكثر فأكثر، وسيُدخل الساحة الفلسطينية في صراعٍ على الشرعيات التي باتت غالبيتها -إن لم تكن جميعُها- في موضع شكٍ بشرعيّتها نتيجة تقادمها".
ودعت الشعبية إلى "وقف القرار، والتركيز على تنفيذ اتفاقيات المصالحة كافة ودون انتقائية، والإعداد لانتخابات ديمقراطية حقيقية وشاملة.. " يسبقها إنها توافقٌ وطنيّ، كما وجهت الدعوة للرئيس عباس واللجنة التنفيذية لإعطاء الأولوية لقضايا الصراع مع العدو، والعمل مع جميع القوى بالتركيز على عوامل الوحدة الوطنية، التي تمكن من التصدي للعدوان الصهيوني والتصدي لمخطّطات تصفية الحقوق والقضية الفلسطينية".
ووفق ردود الفعل بين المؤيده لقرار حل التشريعي والمتحفظة على القرار والرافضة للقرار تكمن تكمن المعضلة عن أمكانيه توفر الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات في موعد إقرارها وهل هناك بيئه مناسبه لان تجري في غزه والقدس ،وفي حل عدم التمكن من إجرائها فماذا سيكون عليه الموقف والقرار
فهل هو تسليم بالأمر الواقع بحيث يصبح الانقسام محصلة حاصل بالفصل الجغرافي بين الضفة الغربيه وغزه وهذا من وجهة نظر سياسيه انتهاء اتفاق أوسلو الذي يحمل عنوان غزه وأريحا اولا والضفة بموجب الملاحق والاتفاقات اعادة انتشار وتموضع لقوات الاحتلال والأيام الاخيره اكدت ذلك، لا بل ان اجتياح مدن الضفة الغربيه من قبل قوات الاحتلال ومحاصرة المقاطعه يؤكد صحة الواقع الذي تعيشه الضفة الغربيه وهي ان السلطه الوطنيه بمفهوم الاحتلال ادارة شؤون الفلسطينيين وحياتهم اليوميه وان السيطره الفعليه هي لقوات الاحتلال ،
ومن شان حل التشريعي أن يفتح الباب امام حماس لفرض سلطة امر واقع على غزه ويفتح الباب واسعا امام تمرير المخططات التي تسعى امريكا وحلفائها لتمريرها ضمن مخطط صفقة القرن ،
وإذا قررت السلطة المضي بإجراءات إجراءت الانتخابات في الضفة الغربية دون القدس وغزه تكمن معضلة ترسيخ مفهوم الاحتلال الاسرائيلي وتنهي رؤيا الدولتين وتضع المشروع الوطني الفلسطيني أمام مخاطر إنهاء وتصفية القضية الفلسطينية وتعيدنا لمربع الخيارات والبديل الذي ما زال حلم الاحتلال الإسرائيلي.
بقلم/ علي ابوحبله