الانقسام لا يمنع المواجهة

بقلم: محمد السهلي

ليس معقولاً أن يترك الاحتلال منفلتاً في عدوانه تحت ذريعة الانقسام

اضمحلت الآمال بإنهاء الانقسام في المدى القريب المنظور على الأقل. وأسباب ذلك هو استمرار السياسات الدي أدت إليه، ومانتج عنه مع مرور الوقت من مصالح ومزايا للبعض.

وقد مر مسار المحاولات التي بذلت من أجال استعادة الوحدة في مسربين متناقضين، أحدهما الحوار الوطني الشامل ومانتج عن جولاته المتعاقبة من قرارات متقدمة،والثاني مسرب المفاوضات الثنائية بين طرفي الانقسام ومانتج عنها من صفقات ملغومة.

بالنتيجة ،أحيلت قرارات الاجماع الوطني حول الانقسام إلى «التقاعد»، وتواصلت انفجارات الألغام المزروعة في نصوص الصفقات الثنائية، لتنتج المزيد من التداعيات التي انعكست بالدرجة الأولى على أهالي قطاع غزة وفاقمت مآسيهم جراء عدوان الاحتلال وحصاره.

واللافت أن المستفيدين من الانقسام واستمراره يضعونه مانعاً للنهوض بكثير من المهام الوطنية، وفي مقدمها مواجهة الاحتلال في السياسة والميدان.

التجربة الوطنية الفلسطينية مرت في كثير من المراحل، انقسم خلالها الصف السياسي الفلسطيني على نفسه في عدد من المحطات.ومع ذلك لم ينسحب هذا الانقسام تماماً على الكثير من المهام الوطنية في الميدان، وأبرزها مواجهة الاعتداءات على مواقع الثورة والمخيمات الفلسطينية. وفي ذلك الوقت ، نجحت الحركة الوطنية الفلسطينية في جمع صفوفها من جديد مرات عدة، استشرافاً منها للمخاطر التي تحيق بالقضية الفلسطينية وبنى الثورة ذاتها، في ظل تكالب مشاريع تصفية الحقوق الوطنية في العودة وتقرير المصير.

ومع أن هناك اختلافاَ في الظروف التي عاشتها الحركة الوطنية الفلسطينية في ذلك الوقت عما تعيشه اليوم،إلا أن المخاطر لم تتنه، بل تعاظمت مع تراجع موقع القضية الفلسطينية على جدول أعمال النظام الرسمي العربي وانسحاب الكثير من مكوناته حتى من موقع المواجهة اللفظية مع الاحتلال، وشرع علناً في تطبيع العلاقات معه. وإلى جانب ذلك، تحول الموقف الأميركي من دور المساند السياسي للاحتلال إلى موقع الشريك المباشر في تنفيذ سياساته التوسعية، ووضع تصفية حقوق الشعب الفلسطيني في مقدمة استهدافاته.

وبين هذا وذاك، مضت عجلة الاستيطان والتهويد دون توقف في القدس وباقي أنحاء الضفة الفلسطينة واتسعت عمليات التطهير العرقي كامتداد لما يحصل في أراضي الـ48 على وقع ترسيم «قانون القومية».

ومنذ وقوع الانقسام صيف العام 2007، تراكمت التساؤلات عن الأسباب التي تجعله يستعصي على العلاج باستعادة الوحدة في ظل تصاعد العدوان الاسرائيلي وازدياد المخاطر على القضية الفلسطينية برمتها. ونعتقد أن جوهر المشكلة يتمثل في الأساس بتجاهل الطابع التحرري لمهام الحركة الوطنية الفلسطينية. ويؤدي هذا التجاهل بالضرورة إلى انتاج حسابات مصلحية جهوية أفرعت نزعات «تقاسم السلطة» في ظل الاحتلال. ومنذ الانتخابات الفلسطينية العامة الأخيرة التي جرت في الضفة والقطاع برز في المشهد السياسي الفلسطيني قطبان متصارعان يسعى كل منهما إلى تحجيم الأخر وإقصائه عن إدارة الشأن الفلسطيني العام. وعلى الرغم الرغم من الحوارات الفلسطينة الشاملة التي حاولت تدارك الانهيار قبل وقوعه، إلا أن كلا من القطبين لم يتخلَ عن طموحاته السلطوية.

لكن التساؤلات الأكثر ملحاحية حول الانقسام دارت حول المهمات الوطنية التي ينبغي النهوض بها في ظل استمراره، وفي مقدمتها مواجهة العدوان الاسرئيلي متعدد الشكال بدءاً من الاستيطان مرورا بالتهويد وعمليات القتل والاعتقال والاجتياحات المتكررة إلى جانب مايتعرض له قطاع غزة من حصار وحروب وأزمات اجتماعية واقتصادية. فليس من المعقول أن تتوقف المواجهة مع الاحتلال ويترك منفلتاً في تغوله على ماتبقى من الأرض الفلسطينية، فقط لأن طرفي الانقسام لم يتجاوزا حساباتهما الجهوية من أجل المصلحة الوطنية العليا.

مهام كثيرة يمكن للجميع خوضها في الميدان بشكل موحد. وقد حصل هذا مرات عدة حتى مع وقوع الانقسام، مثال ذلك، مواجهة الاحتلال خلال الحروب التي شنها على قطاع غزة، وربما مواجهة العدوان الأخير التي اشتركت فيها جميع فصائل المقاومة الفلسطينية خير مثال، وقد خلقت الوحدة الميدانية والردع الذي مثلته شرخا في حكومة الاحتلال أدى إلى استقالة وزير الحرب ليبرمان.

وقبل ذلك، وعقب حرب العام 2014 على القطاع،تشكل وفد فلسطيني واحد إلى المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال، وتوصل إلى اتفاق تهدئة نص على كثير من الخطوات التي كان من شأن التزام العدو تنفيذها أن تخفف من أعباء الحصار على غزة. وتنبع ضرورة ووجوب وحدة المواجهة مع الاحتلال من حقيقة أن العدو يستهدف الجميع، ومن مصلحة الجميع التصدي له دفاعا عن الحقوق الفلسطينية التي يدرج جميع القوى والفصائل الفلسطينية وجوب النضال من أجل تجسيدها في برنامجه السياسي.

صحيح أن هناك من ينظر إلى موضوعة المواجهة السياسية والميدانية بشكل مختلف عما نص عليه البرنامح الوطني التحرري، إلا أن هذا الموضوع قد حسمه المجلسان الوطني والمركزي عندما أكدا على ضرورة إنهاض المقاومة الشعبية الفلسطينية وحمايتها ودعمها، كما أكدت القرارات على ضرورة تظهير العلاقة مع الاحتلال كماهي على الأرض، بين عدو محتل وشعب

واقع تحت الاحتلال. ومن هذه الزاوية دعا المجلسان إلى القطع مع اتفاق أوسلو وسحب الاعتراف بإسرائيل والتوجه إلى الأمم المتحدة ومؤسساتها لمقارعة الاحتلال في ميدانها الرحب وعلى أساس قراراتها ذات الصلة.

ماحدث ويحدث في الضفة الفلسطينية مؤخراً يؤكد أن استمرار الاحتلال سبب مباشر لمقاومته، وأنه لايمكن تجاوز مايلحقه هذا الاحتلال ومستوطنيه من أذى يومي بحق الفلسطينيين وممتلكاتهم. ولذلك، تتوالى الانتفاضات والهبات الفلسطينية في القدس وجميع أنحاء الضفة الفلسطينية. ومهما تصاعد القمع الاسرائيلي الدموي في الضفة الفلسطينية، فلن يستطيع أن يخمد المقاومة والإنتفاضة الشعبية، والتي مع استمرارها وتعاظمها وانتشارها ستضع الاحتلال أمام أكلاف جدية يدفعها جنوده ومستوطنوه وقيادته السياسية.

لاشي يبرر تصارع قطبي الانقسام. فلا السلطه لديها سلطة تبرر الصراع على تقاسمها، ولا حكم غزة يلغي وجود العدو المتربص بالشعب الفلسطيني وحقوقه. والجميع على دريئة استهدافه. وماهو مجدٍ فعلاً خيار المواجهة في الميدان والسياسية، وانضمام الجميع إلى المعركة المفتوحة مع الاحتلال والاستيطان. وهذا يجعل المجتمع الدولي يلتفت جدياً إلى مايجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة ويضعه أمام حسابات جديدة تحسباً من تطورات لايمكن احتواؤها إلا عبر تدخل جدي لوضع دولة الاحتلال أما تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي تكفل للشعب الفلسطيني حقوقه في العودة والاستقلال.

بقلم/ محمد السهلي