إسراء جعابيص جسد يحترق خلف قضبان السجان

بقلم: وسيم وني

إن من أسمى حقوق الإنسان في أي بقعة من بقاع الأرض أياً كان جنسيته وجنسه ومذهبه وعرقه ولغته ولونه أن يتمتع بحريته ، هذا الحق يولد مع الإنسان ويبقى ملازمه حتى وفاته ، وحين يحاول العدو الإسرائيلي إنتزاع هذه الحرية وحقه الطبيعي بالدفاع عن أرضه تمنحه كافة القوانين الدولية والشرائع السماوية حقه الطبيعي في الدفاع عن أرضه وحريته ، وهذا بالضبط ما حصل مع الأسيرة إسراء جعابيص التي مارس العدو الإسرائيلي بحقها إرهاب الدولة المنظم بلا رحمة ولا هوادة .
الأسيرة إسراء جعابيص 33 عاماً من مواليد جبل المكبر في القدس المحتلة ، وبتاريخ 11-10-2015 اعتقلت إسراء بعد أن أطلق جنود العدو الإسرائيلي طلقات رشاشاتهم الغادرة على مركبتها بالقرب من حاجز الزعيم العسكري مما أدى إلى إنفجار أسطوانة غاز كانت موجودة في سيارتها لتشتعل النيران داخلها وتحرق جسد ووجه إسراء ولم يكتف جنود العدو بذلك بل تركو النار تلتهم أكثر من 60 % من جسدها في مشهد يمثل البربرية الصهيونية بحق شعبنا وبلا تفريق بين رجل أو إمرأة أو صغير أو كبير .
وبعد إعتقال إسراء وجه لها العدو الإسرائيلي إتهاماَ ظالماَ وجائراَ وهو الإدعاء بمحاولة إسراء تنفيذ عملية عسكرية ضد كيان العدو ، وليصدر حكم بحقها بالسجن 11 عاماً وقد تمنى من حكم على إسراء موتها عندما كانت تحترق ولكنه يراهن على موتها في غياهب السجون .
أما عن حالة إسراء بعد عملية الحرق المتعمد لها فقد تغيرت ملامحها ، كل شيء تغير جسدها المحترق تغير لونه ، ملامحها تغيرت بشكل كبير، التصقت كتفها الأيمن من تحت الإبط بجسدها حتى أصبحت عاجزة كلياً عن تحريك يدها ، عداكم عن أنها لم تعد تسمع نتيجة التصاق أذناها برأسها ولم تعد ترى بشكل جيد أو حتى تأكل أو تمضغ الطعام حتى أنها بصعوبة بالغة تستطيع التنفس فجفنها ملتصق بعينها وأصابعها ملتصقة ببعضها البعض حتى أصبحت إمرأة بلا ملامح تغتالها أيدي السجان .

إسراء القابعة خلف القضبان في سجون العدو الإسرائيلي بحاجة إلى أكثر من 10 عمليات جراحية لكي تستطيع ولو بجزء يسير المحافظة على حياتها التي يحاول أطباء السجن بتعمدهم عدم تقديم العلاج لها بإغتيالها داخل السجن فما لم تفعله النيران يفعله السجان من سياسية الإهمال الطبي المتعمد علها تموت خلف القضبان ، وهي الشهيدة الحية على جرائم العدو الإسرائيلي الممنهجة بعدم تقديم العلاج للمئات من أسرانا وأسيراتنا والذين يموتون باليوم ألف مرة جراء إصابة البعض منهم بالشلل أو الإعاقة أو الأمراض المزمنة التي تحتاج لعناية خاصة ليجعل هذا السجان هذه الأمراض تفتك بأجسادهم الطاهرة ضمن سياسة وخطة شيطانية تقضي بتغييب كل من يدخل سجون العدو الإسرائيلي .

تقول إسراء جعابيص: أشعر بالخوف من وجهي عندما أنظر إلى نفسي بالمرآة، ماذا يقول ابني الصغير معتصم عندما يراني؟ هل سيعرفني؟ هل سيشعر بالخوف مني؟ يحتفل العالم كل سنة بيوم التضامن مع الشعب الفلسطيني ،وباليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، وبالاعلان العالمي لحقوق الانسان، تنتهي الاحتفالات وقلبي لازال يحترق.
لم يكتف العدو الإسرائيلي بحرق جلد إسراء، بل يحرق كل يوم قلبها على طفلها الذي أٌرغمت على تركه ولم يسمح له بزيارتها، أما معتصم فسيحتفظ بأول وربما آخر زيارة لوالدته داخل المعتقل، فهو وإن صدم بهول ما رآه يرى في وجه أمه الجمال الذي لا يمكن للحروق ولا العدو الإسرائيلي أن يخفياه.
الأسيرة إسراء ضحية أطباء تخلو عن رحمتهم وأخلاقيات مهنتهم وعن كل الشرائع السماوية والإنسانية والدولية خدمة لكيانهم وتحولو من أطباء إلى مجرمي حرب في منظومة القمع الإسرائيلية والتي تمارس بصمت قانون إعدام الأسرى ، وقانون التغذية القسرية، وقانون تجميد تمويل العلاج الطبي للأسرى، وتحاصر أجسامهم بالأمراض والحرمان من ابسط حقوقهم الانسانية والعيش بكرامة .
ووفق إحصائيات رسمية صدرت عن هيئة شؤون الأسرى فقد وصل عدد المعتقلين الفلسطينيين إلى 6 آلاف معتقل بينهم 230 طفلا و52 معتقلة و6 نواب بالمجلس التشريعي الفلسطيني (البرلمان) و430 معتقل إداري (معتقلون بلا تهمة)، وألف و800 مريض بينهم 700 بحاجة لتدخل طبي عاجل.

هذا جزء بسيط مما يتعرض له أسرانا وأسيراتنا في السجون والمعتقلات الصهيونية من انتهاكات طالت إنسانيتهم وكرامتهم وحقوقهم ، في ظل صمت عالمي رهيب تجاه تلك التجاوزات اللاإنسانية ، التي تخطت كل الحدود هؤلاء الأسرى والأسيرات الذين ضحوا وما زالوا يضحون من أجلنا ومن أجل فلسطين فحري بنا أن نواصل النضال من أجلهم ومن أجل أن ينعموا بحريتهم وأن يتنسموا عبير فلسطين الذي ناضلوا من أجلها ، وعلى المجتمع الدولي الذى يتغنى بالسلام وحقوق الإنسان أن يعمل بشكل جاد وحقيقي من أجل إطلاق سراح إسراء جعابيص و كافة الأسرى والأسيرات ، لذا فإننا نتطلع إلى جهد، سياسي وحقوقي وقانوني وإنساني، ضاغط ومؤثر، يدفع المحكمة الجنائية الدولية إلى البدء بفتح تحقيق في الجرائم التي اقترفت بحق الأسرى والأسيرات الفلسطينيين في سجون العدو الإسرائيلي، وهي لا تعد ولا تحصى.


بقلم د. وسيم وني مدير مركز رؤية للدراسات والأبحاث في لبنان