الوقت سلاح الأسير الفلسطينى في وجه السجان

بقلم: رأفت حمدونة

قد يكون من الغرابة الحديث أن الوقت سلاح الأسير الفلسطينى بين جدران معتمة في وجه سجان يملك كل امكانيات القوة ، ولكنها ببساطة الحالة الابداعية للأسرى الفلسطينيين بقدرتهم على نقل الوقت من أداة قوة في يد السجان لحالة صمود وتحدى في يد الأسير ، وتحويله من عنصر قتل إلى وسيلة حياة ، ومن غاية احباط إلى هدف اعداد للمستقبل بكل تفاؤل وأمل بالحياة .

وليس بغريب على نخبة  من الشعب الفلسطينى أن تقاتل السجان بنفس السلاح،فقد هدف كيان القمع الصهيونى من خلال أجهزة الظلام من خبراء الهندسة البشرية وصناعة القانون والقضاء والتشريع والتخطيط  قتل الأسير الفلسطيني وتدميره من خلال الفراغ وأشكال العقاب الأخرى ، لخلق حالة لديه من الاحباط والقهر والملل والرتابة، والتوتر والإرهاق في ظل جنون الأحكام العسكرية الردعية التى وصلت لسبع وستين مؤبداً لمدى الحياة ، ومن الأسرى من قارب على الأربعين عاماً على اعتقالين كالأسير نائل البرغوثى وعمداء الأسرى كريم وماهر يونس .

وبالفعل تحول الوقت لسلاح استغله واستثمره الأسير الفلسطينى متحدياً سياسة السجان ، الذى سعى لإفراغ الإنسان الفلسطيني من محتواه الوطني، وقتل روح التمرد والتحدي فيه، ولقد استدرك مبدعو الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة أبعاد هذا الأمر وعملوا على تفويت الفرصة على دوائر القمع الصهيونية، وكان هذا الوعي بداية للمبدعين الأسرى للبدء في حملة ثورية للاستفادة من الفراغ الطويل وتحويله من عامل سلبي يخلق الأزمات، إلى عامل إيجابي يوفر الإمكانيات في بناء الذات، فسعى الأسرى إلى تحقيق الفائدة، والتفكير والمبادرة، والمعرفة، والقدرة على التحكم في الظرف والبيئة، والتخطيط والتنظيم والتقويم، والاندفاع نحو الثقافة والتعليم، وبذلك قتل الأسرى الوقت قبل أن يقتلهم ، وكما يقال تحولت بالفعل السجون إلى جامعات.

فاهتم الأسرى بملء الوقت كأحد أهم أشكال الصمود في وجه السجان ، وذلك من خلال  المطالعة والتعليم والتوسع في المعارف والثقافات بعد الاعتقال، واطلعوا من خلال الجلسات الثقافية والكتاب على الحضارات والثقافات والتجارب النضالية العالمية، والالتحاق بالجامعات وتعلم اللغات  ، ولم يستسلم الأسرى لواقع الاعتقال والتحنيط بين جدرانه، بل استطاعوا من خلال إمكانياتهم وقدراتهم، أن يؤثروا إيجاباً بالواقع المحيط، وينشروا المفاهيم الإبداعية كحرية الفكر، وتعزيز التطور الثقافي، وتشجيع حركة الأدب، ورسم السياسات والخطط والبرامج لتخريج القادة والكوادر، وإعمال العقل، وملء الوقت وإدارته بما يفيد.

وأعتقد أن السجون والمعتقلات بفضل استغلال الوقت للأسرى الفلسطينيين كانت ولا زالت مدرسةً وطنيةً وتربويةً ودائرة من دوائر العمل النضالي الإبداعي فصاغت وبلورت طلائع الأسرى والمعتقلين،فكان لآلاف الأسرى المحررين دورهم الطليعى بعد التحرر، بعد أن تخرجوا من أكاديمية السجون وتصدروا المواقع والمراكز المتنوعة، وتبوؤوا مواقع سياسية وأماكن مهمة في المؤسسات المجتمعية المختلفة ولعبوا ولا زالوا دوراً مؤثراً في الحياة السياسية، والفكرية، والاجتماعية، والإعلامية، كقادة سياسيين وعسكريين، ووزراء ونواب وأمناء عامّين وأعضاء مكاتب سياسية لفصائل وحركات ثورية، وأعضاء فى المجلسين " الوطني والتشريعي"، ومدراء لمؤسسات رسمية وأهلية، وخبراء ومفكرين، ونخب أكاديمية وإدارية.

[email protected]

بقلم/ د. رأفت حمدونة