تعتبر حكومة بنيامين نتنياهو الحالية الأطول عمرا في دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال الخمسة وعشرين عاما الأخيرة، أي منذ اعتماد نظام الانتخاب المباشر لرئيس الوزراء في العام 1996م والذي تم التراجع عنه سريعا في بداية الألفية الثانية.
ورغم ذلك إلا أن نتنياهو لم يرد لها أن تستمر حتى نهاية فترة ولايتها القانونية والتي كانت مقررة في شهر نوفمبر نهاية العام المقبل، وأعلن حل الكنيست بالتوافق مع الأحزاب المنضوية في ائتلافه الحكومي.
من الواضح أن خيارات نتنياهو باتت محدودة في تمديد عمر حكومته لذا استغل أزمة قانون تجنيد الحريديم وجعلها البوابة من اجل الدعوة إلى انتخابات شبه مبكرة خاصة وانه لم يخصم من عمر هذه الحكومة سوى سبعة أشهر فقط.
عدة أسباب جعلت الخيارات محدودة في وجه بنيامين نتنياهو أولها ما أعلنت عنه النيابة العامة داخل دولة الاحتلال التوصية بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو بتهم الفساد والرشوة في ثلاث ملفات، لتنضم بذلك إلى شرطة الاحتلال التي أعلنت عن ذلك مسبقا، ما جعل الحبل يضيق على رقبة نتنياهو ووضع المستشار القضائي للحكومة افيخاي مندلبليت أمام واقع يصعب معه المماطلة في توجيه لوائح اتهام ضد رئيس الحكومة.
لذا سارع نتنياهو للإعلان عن الانتخابات حتى لا يترك فرصة مناسبة من اجل إعداد لوائح الاتهام ضده، وحتى لو تم إعدادها فسيكون التذرع بالانشغال بالانتخابات وبعدها الفوز المتوقع له، الأمر الذي سيجعل ملاحقته قانونيا عملية محرجة خصوصا في ظل تسلحه بالإرادة الشعبية التي جددت الثقة به رئيسا للحكومة.
ثاني الأسباب يتعلق بظهور شخصيات قوية ترغب في دخول الحقل السياسي أبرزها رئيس الأركان السابق بيني جانتس والذي أعلن عن نيته تشكيل حزب سياسي جديد لخوض الانتخابات حيث تعطيه استطلاعات الرأي ما يقارب الستة عشر مقعدا، إلى جانب وزير الجيش الأسبق بوجي يعالون والذي أعلن عن تشكيل حزب جديد وهو الذي لديه ثأر شخصي مع نتنياهو بعد أن أقاله من الوزارة قبل أكثر من عامين، وكذلك القائد الليكودي جدعون ساعر المنافس على رئاسة الليكود وغيرهم من الشخصيات أمثال اشكنازي.
نتنياهو رغب في تقديم موعد الانتخابات حتى لا يترك لهذه الشخصيات مساحة كبيرة في منافسته رغم علمه أنهم إذا ظلوا متفرقين فلن يشكلوا تهديدا كبيرا عليه ولكنه لا يريد أن يواصلوا ازعاجه بحصولهم على عدد كبير من مقاعد الكنيست، إلى جانب محاصرة منافسه الليكودي العنيد جدعون ساعر وحرمانه من السيطرة على الليكود.
أما ثالث الأسباب فيتمحور حول ما يسمى بصفقة القرن والتي كانت بعض الأخبار تتحدث عن عزم الإدارة الأمريكية طرحها بداية العام المقبل، ورغم قناعتنا أن هذه الإدارة تقوم بتنفيذ الخطة دون الإعلان عنها خاصة بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والتضييق على الاونروا واللاجئين وغيرها، إلا أن نتنياهو يريد أن يظل متلقيا للانجازات من ورائها دون أن يدفع ولو ثمن قليل، فهذه الخطة لن تحمل سوى بعض الأمور البسيطة لصالح الفلسطينيين من اجل إخراجها بشكل مقبول كما يدعون، ولكن نتنياهو لا يرغب بدفع أي ثمن، لذا سارع للإعلان عن تقديم الانتخابات حتى لا يترك فرصة لإدارة ترامب في الإعلان عن الخطة المزعومة وهو ما نجح بتحقيقه بعد أن أشارت المصادر إلى نية الإدارة تأجيل طرحها.
هذه الأسباب في اعتقادي كانت هي المحرك الأساسي في رغبة نتنياهو في عدم إكمال فترة حكومته إلى نهايتها إلى جانب أن استطلاعات الرأي لا زالت تعطيه الأفضلية الكبيرة عن غيره من الشخصيات والأحزاب.
بقلم/ عاهد عوني فروانة
مختص بالشئون الاسرائيلية