هل تقبلوا أن تُستباحوا؟

بقلم: مصطفى البرغوثي

تخيلوا معي، رجل مكافح يقترب من عامه الستين، قضى حياته يشقى ويعمل، من أجل أن تعيش عائلته بكرامة، يغادر مكان عمله مسرعا بسبب توتر الأوضاع، ويسوق سيارته نحو بيته باحثا عن الأمان، وساعيا للاطمئنان على عائلته، فيفاجىء بحشد من الجنود الإسرائيليين ويحاول تجنبهم، فيتلقى ثمانين رصاصة، تفجر دماغه الذي يتناثر في أنحاء سيارته، وتحول جسده إلى أشلاء ممزقة.
هذا ما حدث في مدينة البيرة قبل أيام لحلمي العارضة.
وتخيلوا معي شبانا يافعين عائدين من زيارة عمل لمدينة نابلس، يسوق أحدهم سيارته ساعيا للوصول إلى القدس التي يعيشون فيها قبل حلول الظلام، ويحاول تجاوز الضباب الذي أرخى سدوله على الشوارع فيجد أمامه حاجزا عسكريا يغلق الطريق الرئيسي، ويأمره الضابط الإسرائيلي بترك الطريق الرئيسي بحجة أنه مغلق، والتوجه لطريق فرعي، فيفعل ليفاجىء بعد قليل بالرصاص ينهمر عليه من المستعمرين ( المستوطنين) فيسرع هاربا من رصاصهم ليتلقى من أمامه رصاص جنود إسرائيليين، يجبرونه وزملائه بعد أن أطلقوا الرصاص على مركبتهم، على الترجل ويضربوهم بأعقاب البنادق ويقيدوهم، ويفشلوا في إخراج صديقه الذي لم يستطع الحراك ، لأنه أصبح جثة هامدة بفعل رصاص الجنود.
 هذا ما حدث لقاسم العباسي و زملائه بالقرب من مدينة البيرة قبل يومين .
وتخيلوا إمرأة مسنة، في السبعينات، تسوق سيارتها ببطء وهي تتوجه لزيارة أبنتها المريضة، تفاجىء بجنود الاحتلال يقفزون أمامها ، فترتبك، فيطلق جنود الاحتلال الذين لا تتجاوز أعمارهم العشرين عاما ، النار عليها فيردونها قتيلة ، دون أن تكون قد فعلت شيئا ، أو آذت إنسانا في حياتها.
 هذا ما حدث للشهيدة ثروت الشعراوي في مدينة الخليل قبل ثلاثة أعوام.
وتخيلوا معي ، فتاة يافعة ، لم تكمل عامها العشرين، مفعمة بحب الحياة والعطاء تتطوع كمسعفة مع جمعية الاغاثة الطبية الفلسطينية في غزة، وتملأ المحيط دفأ بعنايتها المميزة بالجرحى، لا تعبأ بالإرهاق أو التعب، ولا تبحث إلا عن سعادة إنسان تضمد جراحه لتفاجىء برصاصة غادرة من جندي إسرائيلي تخترق صدرها وترديها قتيلة.
 إنها الشهيدة رزان النجار.

هناك ما لايقل عن ستمائة وأربعين حاجزا عسكريا، ثابتا ومتنقلا، تقطع أوصال شوارع وطرق الضفة الغربية من شمالها إلى جنوبها، وكل واحدة من هذه الحواجز يمكن أن تتحول إلى مسرح لعملية قتل إجرامي جديدة ضد فلسطيني أو فلسطينية.
ولا تمر ليلة دون أن تقتحم مدرعات و جنود الاحتلال المدن والقرى الفلسطينية ليفاجىء المواطنون بها في شوارعهم وأمام بيوتهم،و لا احد يحميهم منها، ومن كان حظه سيئا سيصبح قتيلا جديدا برصاصهم دون أن يقترف شيئا.
هذا غير عشرات العائلات التي تُستباح بيوتها كل ليلة، أثناء عمليات المداهمة والإعتقال التي يقوم بها جيش الإحتلال .
ولا توجد بقعة في قطاع غزة المحاصر آمنة من قصف طائرات أو مدفعية أو سفن الإحتلال، أو رصاص الجنود المنتشرين على التلال والحدود.
ما يقوم به الاحتلال ليس سوى إستباحة وحشية للشعب الفلسطيني ، ولحياة أبنائه وبناته، ولا تمثل إلا استهانة وإستخفاف بحياة البشر، فقط لأنهم فلسطينيون.
ولا أمان لأحد، ما لم نتكاتف، ونتعاون ونتوحد، في مواجهة منظومة الإحتلال والتمييز العنصري التي إستفحلت فاشيتها، ولن تردع إلا بإلغاء حصانتها، وإخضاعها للمحاسبة والمقاطعة.
لا أظن أن أحدا يقبل أن تُستباح حياة إبنه أو إبنته أو أمه أو أبية ، فهل نتكاتف في مواجهة هذا الظلم؟


بقلم د. مصطفى البرغوثي
الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية