لشد ما تحيرني حالة صديقي ادوار، للوهلة الأولى يبدو شرسا، بل ويميل ليكون ذئبا مفترسا، غير ان هذا الانطباع الأولي سرعان ما يتغير اذا دار الحديث عن النساء أو معهن . فورا ينقلب الى حمل وديع، طفل على صدر امرأة.
كان يبدو لي ان ادوار مصاب بانفصام شديد في شخصيته... فهذا الذئب في شراسته مع بعض الناس حوله، من أقرباء وجيران وابناء بلد وأصحاب، يصير طفلا وادعا في ثوان، حين يخاطب امرأة، وبغض النظر عن جيلها. مجرد نسويتها تجعله حملا وديعا ودودا، مستعدا لتقديم كل خدمة تطلب.
علاقتي معه لم تكن سهلة، ولكنها علاقة بدأت منذ أوائل وعينا، مرت بفترات برود وتباعد وفترات اندفاع وارتباط شبه يومي. أحببت مراقبة تحولاته من الحالات الذئبية الى الحالات الحملية.. أو بالعكس. شيء يبعث على الحيرة.. وأعترف ان ولعي باكتشاف وصياغة شخصيات لقصصي كان يشدني اليه أكثر وأكثر. وكلما تعمقت في حالاته المتقلبة، ازددت شغفا بالمزيد من كشف تقلباته ومفارقات حالته. كان دائما شيء لا يكتمل في صورته التي تتشكل في ذهني، لادوار حياة جنسية ثرية يُحسد عليها .. وأعرف من صديقاته السابقات، واللواتي جمعتني بهن مناسبات عدة، انه انسان مثالي، مليء بالأحاسيس والاحترام والرعاية.. ولا يترددن لتلبية اشارته مرة أخرى ولو انقلب العالم فوق رؤوسهن. واعترفن انه لم يخدعهن بوعود كاذبة، كما يفعل معظم الرجال عادة في علاقاتهم النسائية... أو حتى في السياسة، لدرجة صار الفهم الشعبي ان السياسة هي فن الأكاذيب وفن خداع الجمهور. فهل يكون الحب هو فن خداع النساء؟!
ادوار لم يخدع فتياته العاشقات ... كان واضحا لهن انها علاقة لا تبشر بارتباط في المستقبل، ربما حلمن بكسر الجليد وتغيير الثابت في شخصيته. لكن هذا، بالتأكيد الملموس لم يحدث. كان يقطع علاقاته بصمت، لا يثرثر، وكأن شيئا لم يكن. ويحافظ على مودة واحترام لعشيقاته السابقات.
ما عدا صديقه المقرب، الذي يحتمله ويحتمل فظاظته الذئبية، والذي هو انا نفسي، ربما طمعا في الوصول الى رسم شخصية قصصية نادرة، وبالتأكيد بسبب صداقة ربطتنا منذ شبابنا الباكر، تحمل الكثير من الذكريات التي من الصعب اقالتها من حياتنا، وتفقد قيمتها إذا تباعدنا، لدرجة أن ادوار يكاد يكون خلوا من أي علاقة دائمة مع شخصية ذكورية أخرى.
ربما ليس صحيحا تماما القول بأني احتمله من أجل كسب شخصية قصصية جديدة. صداقتنا ابتدأت ونحن على مقاعد الدراسة الابتدائية. كان طالبا ذكيا ودودا... لا تظهر علية قساوة الذئا. ربما لوجودنا في مدرسة مختلطة للبنين والبنات ... لا أعرف، هل جعله ذلك طالبا ودودا وديعا خدوما ومستعدا للمساعدة وارشاد الصف كله في الامتحانات؟
كثيرا ما جّرت عليه تصرفاته المدرسية عقوبات مختلفة، وصلت حد الطرد من الصف، ولكنه يعود لفعل نفس الشيء الذي يثير غضب المعلمين. كان لا يحتمل ان يرى كآبة الراسبين أو الحاصلين على علامات ضعيفة .. خاصة من طلاب صفه. ورغم انه طالب ممتاز وهاد، ويشارك بنشاط في برامج الصف ، الا ان مربية الصف سجلت له في شهادته انه مشاغب، الى جانب علاماته المدرسية غير الناقصة علامة واحدة في أي موضوع كان.
رغم انه كان تلميذا ذكيا مجتهدا ومرجعا في الامتحانات للجميع طلاب الصف الضعفاء. وقد لجأ أحد المعلمين الى اعفاء ادوار من امتحاناته، واخراجه من الصف، بحجة انه لا يحتاج الى امتحان. عندها كان مستوى علامات الطلاب ينخفض بشكل كبير!!
قد تكون تصرفات ذلك المعلم ، الذي اثار حنق ادوار وغضبه العاصف ، هي السبب في تصرفات ادوار الذئبية مع الذكور بشكل عام.
كانت الحلقة حول ادوار تتحول الى أكبر حلقة في ساحة المدرسة ، حيث تؤخذ قرارات مواجهة تعسف بعض المعلمين ، وترتيبات تمرير أجوبة الامتحانات لطلاب الصف . وكان يطربه بشكل خاص تودد فتيات الصف اليه، وتفضيلهن الحديث والضحك معه عن سائر الطلاب. كانت الغيرة تقتلنا ونحاول ان نتودد له لنقترب من مجموعته المكتظة بأجمل طالبات المدرسة. ربما هذا ما جعله في المستقبل ذئبا مع الذكور وحملا وديعا مع الاناث. بالطبع هذا ليس تفسيرا علميا، انما ملاحظة قد لا تكون مهمة، ومجرد فكرة للدخول الى عالم شخصيته الصعبة. ومع ذلك لا يمكن أن أضحي بصداقة من أنقذ علاماتي المدرسية وجعلني انا وشهادتي فخرا لوالدي أمام الأهل والجيران.
فكيف لا أكون ملتزما بهذه الصداقة وبهذا الصديق ؟
كنا نحسد ادوار في قدرته على جذب طالبات مدرستنا لحلقته في ساحة المدرسة ، وثم بتنا نحسده باتساع مغامراته النسائية .. حين كنا بالكاد نحظى بمغامرة غرامية، ترضي غرورنا الذكوري لأشهر ، حتى نحظى بابتسامة أو استلطاف جديد.
بالطبع ليست هذه هي الحكاية التي جعلتني في فجر يوم ربيعي أشحذ فكري وذاكرتي ، وأمسك القلم لأخط على الورق تفاصيل لم أعد قادرا على تخزينها وحفظها سرا، حين بدأت أقتنع ان الفكرة لقصة حقيقية مشوقة ونادرة قد اكتملت.
عقد كامل وانا أتردد في صياغة هذه القصة ، عذبني التفكير بها ، وأكثر ما أقلقني هو التفكير برد فعل صديقي عندما يقرأ قصته مكتوبة بقلم أقرب أصدقائه ، وأكثرهم ائتمانا على اسراره.
لم أكن بحاجة ليكشف لي أحد ان ما أعرفه من خبايا وتفاصيل حياة الناس ، لن يكون ، في لحظة التوهج، الا مادتي التي أشكل منها أفكاري القصصية ، وان القريبين مني قد يعرفون شخصيات قصصي، أو يكتشفون أنفسهم بها ... وهو ما كان يقلقني في فترة ما ، ثم استسلمت لهذه العادة السيئة في حكم بعض الأخلاقيين.
مضى عقدا كاملا.. ولكن تفاصيل هذه القصة ونهايتها ما زالت تثير تفكيري وتشغلني حتى اليوم ، ولا أستغرب ان أعود اليها للكتابة من زاوية أخرى تراودني أحيانا ، ولكني لا أرى انها اكتملت لتشكل حافزا يضغطني لمثل هذا الإنجاز.
كنت قد تزوجت قبل ادوار بعقد كامل تقريبا.. وصرت أبا تشغلني هموم الدنيا حين واصل ادوار جمع الفراشات والزهور من حوله.. قبل ان يقرر الزواج بشكل فجائي لم يتوقعة حتى الجن .. لو وجد مثل هذا الشيء الخرافي.
واليوم نحن آباء لأطفال.. ولا أعرف هل حياة المجون أكثر متعة ، ام حياة العمل الأسود لتربية أطفالنا هي الحياة التي يحلم بها الانسان ؟
العاشق صار اليوم رجل بيت ملتزم لدرجة من الصعب مقارنتها مع تاريخه العشقي الحافل . وكثيرا ما حاولت ان أبحث في أعماق ما يبدو انه التزام كامل لبيته وزوجته . كان يردني بود ووداعة لا أعرفهما بشخصيته. ويؤكد ان تاريخ حياته الحقيقي بدأ منذ تزوج .. وما مضى انتهى . كنت أرد عليه مستهجنا
هل انت ادوار نفسك ؟ .. صديقي من أيام الدراسة ؟
فيبتسم بصمت ليشعرني اني لم أعرفه في السابق اطلاقا.
القصة الحقيقة لإدوار الجديد بدأت حين وصل ادوار لمنتصف عقده الرابع .. عازبا عاشقا متجولا بين عشيقاته.
في يوم شتوي بارد اتصل بي وطلب ان يزورني في بيتي .عادة كانت لقاءاتنا في بيته او في البارات. شعرت باثارة تعتريني كلما شممت تشكل حدث جديد يبشر بنص جديد جاء مهموما على غير عادته ، فأحيا رغبتي الحادة في كشف ما يخفي.
جلسنا امام مدفأة الحطب . عرضت عليه كأس كونياك ، وافق مترددا . صببت كأسي "اوتارد" الفرنسي الرائع ، وتسلينا ببضع حبات كستناء مشوية. وما هي الا جرعتين حتى انتقل الدفء الى لسانه ، قال:
- حان الوقت لأجري تغييرا في حياتي
لم أعقب .. لم أفهم مراده ، واصل:
- لا يمكن الارتواء من حواء .. رغم علاقاتي ما زلت ظامئا كما ابتدأت
ملأ كأسه من جديد ، رغم تردده في الشرب في البداية ، وعرفت انها اشارة لكشف ما تشتهي نفسي لمعرفته .. وأن ليلتي طويلة مع أدوار.
- كل أصحابي تزوجوا .. أنظر اليك مثلا ، لك زوجة وثلاثة أطفال .. صرت تفضلهم عن السهر معي ..وتفضل بيتك عن قضاء أمسية معي .. لا اعاتبك ولست غاضبا .. أنا أحسدك . عندما تحضر أختي لزيارتي مع طفلها ، أشعر بسعادة غير عادية وانا الاعب الطفل ، واذا ما نجحت بخطف ابتسامة منه ، لا تسعني الدنيا من الفرح .. أنسى حتى مواعيدي ..
وتررد في ذكر نوع مواعيده .. ولكن المكتوب يقرأ من عنوانه.
ملأت كأسي وكأسه. رشفنا ، قشرنا الكستناء المشوية . ولم أجد ما أقوله امام تحولات ادوار الفجائية والتي نجحت بمباغتتي وفرض الصمت على لساني . قال:
- اليوم لي ثلاث عشيقات .. جميلات ، متعلمات ، مخلصات ... أشعر برغبتهن المجنونة بالزواج ، ولكني لم أخدعهن . انا لست مخادعا . لم ولن أكذب .. مع اللواتي مررن في حياتي.
ووجدت ما أقوله:
- العلاقة نفسها توحي .. أحيانا لا ضرورة للكلام المباشر.
- هذا صحيح .. لكنهن يعرفن اني لست طالبا للزواج . ليس أكثر من علاقة غير ملزمة
- ما الذي تغير فيك إذن ؟
- لا أملك جوابا عقلانيا .. مجرد مشاعر وأحاسيس تجتاحني في الأيام الأخيرة ، وأعرف انها أكثر من نزوة عابرة.. وأكثر من مجرد حلم يراودني.
ملأت الكأسين مرة أخرى . يبدو ان دفء الخمر انتصر للحمل على الذئب. لا أعرفه بهذا الهدوء وتلك السكينة وهذه الدماثة ، التي لا تنطبق على معرفتي الكاملة والموثوقة به .قال:
- اريد ابنا لي .. اريد زوجة .. وسألتزم .. انت لا تصدقني ... لا تقل شيئا .. انا أحيانا لا أصدق نفسي.. ولكني صاحب قرار ، وانت تعرف قدرتي على تنفيذ ما ألتزم به؟!
.. - الا مع النساء
- أيضا مع النساء .. لكن ليس هذه موضوعي
قالها بهدوء لا يمكن التشكيك به . قلت مازحا:
- لو خلقك الله إمرأة ، هل كنت تتصرف بنفس الوله الجنسي ؟
- ربما .. وهل النساء أقل شأنا؟
- لنعود الى قصة زواجك ( قطعت عليه الطريق ) هل إخترت الفتاة المناسبة؟
- لي ثلاث عشيقات .. يجب ان أختار احداهن .. وهذا ما يحيرني
- وماذا تطلب مني ؟
- المشورة يا صاحبي .. أو أستعملك بديلا لكرسي الاعتراف الكنسي ، لأني لا أقبل الاعتراف لكاهن
- لا أعرف عشيقاتك لأنصحك بإحداهن
- لكل جمالها الخاص .. لكل نكهتها .. ذكائها .. وجاذبيتها المميزة
- اذن تزوج الثلاث..
قلتها بدون تفكير ، بشيء من الاستفزاز . وانا حائر في ما يطرحه من احجية غريبة ، كظم انفجار غضبه بأن كرع الكونياك من الكأس دفعة واحدة . صب بصمت كأسا جديدة ، تنهد وقال متجاهلا استفزازي:
- لم أكن جادا كما انا اليوم .. اريد ان أختار واحدة من بين الثلاث
قالها بجدية وهو يداعب كأس الكونياك ليعطي الكونياك حرارة من جسمه..
- وكيف لي ان اساعدك ؟
؟ - من هي المناسبة لأختارها زوجة
قلت في محاولة للخروج من مأزق الثلاثة:
- ربما واحدة جديدة .. ليست احدى عشيقاتك ؟
- لست راغبا بهذه الفكرة .. لن أجد أفضل منهن. ؟
؟ - ادوار... أكاد أجهلك.. انت تغير كل معادلاتك المترسخة في رأسي
- اياك ان تصنع مني بطلا لخربشاتك ، انا أعرف مرضك .. ؟
- ربما ما يعتريك هي نزوة مؤقتة ..؟
!! - ليست نزوة .. قرار لا رجعة فيه
- مثل قرارات القمم العربية ؟
- القمم التي لا تشرب من هذا الكونياك ، (وأشار الى زجاجة " الأوتارد ") قراراتها تحتاج الى شبكة تصريف، او مجمع نفايات.
ورشف بتلذذ رشفتين من كأسه.
- يبدو لي اني لم أعد أعرفك ؟
. - اريد حياة أخرى .. مستقرة، هادئة .. وطفلا يملأ فراغ بيتي وحياتي
- هذا شعر يا إدوار... وحالتك بعيدة عن الشعر ؟
- أخالفك .. العشق هو شعر حقيقي أيضا ، وما أحلم به من حياة أخرى هو شعر من بحر جديد .. بدون شعر نذوى .. ننتهي ... حتى السياسة شعرا ، لو استقام السياسيون
- وأين أقع انا في هذا البحر الشعري الهائج؟
- انت صديقي ... وأكاد أقول الصديق الوحيد الثابت وغير المتحول .. رغم فظاظتي .. انت صاحب خبرة بحالاتي .. وصدقني اني أحسدك بما انت فيه اليوم.
- كنت أظن اني انا الذي يجب أن أحسدك ؟
- هذا سؤال فلسفي .. يتعلق بموقفنا من النسوية أو الشوفينية الذكورية
- اتركنا من الفلسفة .. انت تذكرني بقصة عن مثيلي جنس مرت قربهما شقراء رائعة الجمال ، ترتدي تنورة قصيرة وشفافة ، أحدهما تأملها بحسرة وقال : أتمنى لو لم أكن مثلي الجنس . الثاني تأملها مشدوها بجمالها ، فكر بعمق وقال : في هذه الحالة ، أتمنى لو كنت إمرأة مثلية الجنس.
ضحكنا بحرية لأول مرة منذ بدأت ليلتنا. وقلت لزوجتي ان لا تسرع بالقهوة لأننا سنواصل الشرب، فقبلت على مضض.
علا عويل الطفل الصغير فوجدتها مناسبة لأحول الحديث:
- الأطفال ليسوا لعبة مسلية فقط .. انها مسؤولية وارهاق وعمل إضافي.
- بالطبع .. بالطبع
قاطعني باستخفاف كاد يثير غضبي ، وعاد لمعضلته:
- كيف سأختار زوجة من بين عشيقاتي الثلاث ؟
- يبدو سؤالك فلسفيا أكثر من كونه سؤالا عمليا؟
قلتها محاولا استفزازه ردا على مقاطعته الاستفزازية. تجاهلني:
- عقلي يعذبني .. لكل منهن ميزة خاصة ومكانة خاصة في قلبي
.. - انا أحسدك
قلتها بصوت منخفض كي لا تسمعني زوجتي:
. - لا تخطئ .. حالتي صعبة وخياراتي أصعب
- تريدني أن أخرج لك الكستناء من النار؟
فهم الرمز.
شيء من هذا القبيل .. الست صديقي الوحيد والأوحد ؟
رفع الكأس الى شفتيه مستنشقا رائحة " الأوتارد " .رشفنا . أخرج من جيبه صور ثلاث فتيات ، وقال:
.. - المرشحات للزواج
نظرت للصور .. هالني جمالهن.
... - يا ابن ال
دفنت الكلمات في فمي.
- لو كنت مكاني من ستختار ؟
.. - أبقى عازبا مع الثلاث
لم يعجبه جوابي.
- أسأل بمنتهى الجدية.. والا ما جئت لمشورتك؟
بعد تفكير رويت له حكاية:
- كانت لنا جارة تخرج كل صباح وتناشد ربها بأعلى صوتها : " يا الهي ، ابعد النمور عن بيتي" وفي يوم ما ، وعلى فنجان قهوة مع جاراتها ، قالت لها الجارات ان ما تطلبينه من ربك لا ضرورة له ، أطلبي شيئا آخر .. لأن أقرب نمر لبيتك يبعد الاف الكيلومترات ، فأجابت : رأيتم اذن فائدة ما أطلبه من ربي ؟
- أي أن طلبي لمساعدتك مثل طلب الجارة من ربها ؟
- ليس بالمفهوم السلبي ، اني أنظر لصورة المرشحات وأشعر ان النمور أقرب لجارتنا من التخلي عن واحدة ... (وأشرت الى الصور) وما دمنا بسيرة النمور (وفردت الصور) أي نمرة منهن أولى بافتراسك؟
- تعيدني الى البداية دائما ، كان يجب ان لا أقبل مشاربتك .. انفكت عقدة لسانك ، وانطلق عفريتك يبحث عن فريسة لقصة جديدة .. اياك ثم اياك.. ان تصبح حكايتي في متناول قراء صحيفتك؟
!! - ليس ذنبي
- ذنبي انا الذي يطلب مشورة عبد للشيطان.
أفرغ الكاس بعصبية ، وملأها من جديدا بعصبية ظاهرة .. مازحته لأخفف عصبيته:
!! - شيطاني ليس أمريكيا وليس اسرائيليا .. عربيا أصيلا
. - انه أسفل الشياطين
أفرغ كأسه مرة أخرى دفعة واحدة ، مغمضا عينيه متلذذا بالمذاق ، وقال ضاحكا:
- انتهت الجلسة الأولى دون نتائج .لا اريد قهوة لأعكر طعم الكونياك . الى اللقاء .. فكر بحالتي.
مضت ايام وانا حائر في ما سمعته . أتأمل الصور في أوقات فراغي ، واحتار بين أن احسده على ما هو فيه أو أحسد نفسي على ما انا لست في أتونه.
كاشفت زوجتي ، حتى لا تظن ان الصور لعشيقاتي . بعد تأمل قصير قالت انها تعرف من سيختار ادوار من بين الفتيات الثلاث.
- كيف عرفتِ ؟
- هذا السر لن أكشفه الآن . دعه يختار اول . جوابي سأسجله وابقيه معك. ولكن اياك ان تفتح الورقة قبل ان يقرر ادوار اختياره . اتفقنا ؟
! -اتفقنا
قلت مستسلما وحائرا في سرعة معرفتها للفتاة التي سيختارها ادوار . هل للمرأة مجسات لا توجد في الذكور ؟
بعد اسبوع التقيت ادوار وانا متشوق للشكل الذي سيحل به اختياره. قال ضاحكا:
وصلت الى قرار .. –
من التي اخترتها ؟
- أجريت اختبارا .. لا تقاطعني .. قلت لعشيقاتي الثلاث ، كل على حدة بالطبع ، أني اذا أعطيتها 100 الف شيكل ، ماذا ستفعل بها ؟ وتلقيت اليوم أجوبتهن : واحدة قالت انها ستجري عملية تجميل لأنفها لأنه يبدو أكبر قليلا مما يجب ان يكون ، حتى يصبح جمالها كاملا الى جانبي . الثانية قالت انها ستشتري ملابس لنا من منتجي الأزياء المعروفين عالميا لأننا نستحق ان نرتدي أجمل الأزياء أمام الناس في المناسبات القادمة علينا . اما الثالثة فقالت انها ستضع المبلغ في برنامج للتوفير ، لضمان مستقبل ابنائنا.. أو ازدياد احتياجتنا ؟
ولم أعد استطيع صبرا:
- وانت من اخترت ..؟
- اخترت واحدة وبشكل نهائي
- صاحبة أي جواب ..؟
سألته وانا أخرج مراهنة زوجتي من جيبي.
- لا دخل للأجوبة في اختياري
لم أفهم ما هذا اللف والدوران .. قلت لنفسي : " سهرة على كونياك ، واختبار .. وتفاصيل الأجوبة ، ثم يقول ببساطة ان الأجوبة ليست هي المقرر في الاختيار ، هل هي فلسفة جديدة ، أم نظرية ذكورية في النساء ؟ " وقلت:
- زوجتي راهنت على واحدة بعد ان صارحتها بقصتك .. لا أعرف على من راهنت .. سافتح مراهنتها بعد ان تخبرني بالتي اخترتها.
- الصور معلمة باحرف الأبجدية أ و ب و ج .. أخترت صاحة الصورة "أ" ما هي مراهنة زوجتك ؟
فتحت الورقة وأحترت . قرأت : "سيختار صاحبة أكبر نهدين !!" ونزل علي الصمت.
نظرت للصور مجددا .. وحبست ضحكتي ، اختياره حقا كان لصاحبة أجمل صدر بينهن .. أعطيته الورقة ليقرأها ، فانفجر ضاحكا كما لم أعهده يضحك من قبل. ...
هل كانت زوجتي اكثر ذكاء مني في فهم شخصية ادوار وتفكيره ؟ ام انها تفهم عقلية الذكور ، التي لم تخرج كما يبدو .. من البدائية في النظر الى المرأة ؟
قصة/ نبيل عودة