العرب يعودون إلى سورية...هذا الجديد في رحلة الفوضى العربية التي امتدت لسبعة أعوام يبدو أنها تسدل الستار على أسوأ ما أنتج العقل العربي من مراهقات ومراهنات انتهت بهذا الخراب لتترك لنا عواصم محطمة حملتها قصائدنا وأبيات شعرنا وحملت عروبتنا وتاريخنا الذي نسيناه في لحظة من اللحظات.
للقوة مفعولها وعندما يصمد الأسد فلا بد أن يفرض معادلات جديدة وحين تختفي المجموعات التي تم استدعاؤها محملة على بوارج النفط والغاز وأمواله التي دفعت بسخاء لتحطيم كل شيء في عاصمة من عواصم القومية.
تتغير المعادلة فلم تبق داعش ولا النصرة ولا جيش الإسلام ولا أي شيء من تلك الجماعات التي عاثت فسادا في سورية كلها ذهبت وبقيت الشام.
النتائج تفرض ذاتها وتتحول إلى سياسا، ومن كان سيقتحم سورية براً من تركيا لإسقاط الأسد أصبح يبحث عن وسطاء ليتصالح معه لأنه كان يهدد دخول سورية من تركيا، وتغيرت المعادلة مع أنقرة وتغير كل شيء بفعل صمود النظام الذي لم يهتز وبفعل الحليف الروسي الذي قاتل بشراسة وأدار عملية ترحيل ناجحة لكل الغرباء الذين دخلوا سورية والذين كان يديرهم من اعتبروا سورية طريدة اختفوا وانخفض صوت عواصمهم وذهبت الأموال أدراج الرياح كما ذهب الكثير منها في دهاليز وعشوائيات السياسة التي يتبعونها ولكنها هذه المرة كانت مفعمة بالدم والدمار.
ليست سورية التي تعود إلى العرب لأنها لم تتوقف عن عروبتها حتى في أسوأ لحظات الأزمة وأشدها، بل إن العرب الذين انفتحت شهيتهم للعبة الشطرنج على رقعة العواصم هم الذين اهتزت عروبتهم وبدؤوا بدفع المال والفتوى والرجال لتدمير دمشق ها هم بعد الوقائع التي فرضها الثبات السوري مع حلفائه الذي كان ذكيا في تحالفاته الصلبة ها هم يعودون إلى سورية.
وما بين مراهنة سورية على حلفائها الذين صدقوا معها ودفعوا ثمنا من دماء أبنائهم وحلفاء العرب الذين تخلوا عنهم وغيروا اتجاههم وابتزوهم هنا تكمن صناعة السياسة وذكاء ممارستها، لذا كان النصر للأذكى كما كل الحروب والتاريخ لا يحمي الجهلة ولا يتم تطويعه بالمال ولا تصنع حقائقه بالتمنيات والرغبات فهو أقوى وأكثر ثباتاً.
قبل ست سنوات التقيت في مطار شارل ديغول صحافيا سورياً وكان لدي خوف من سقوط سورية. سألته لأطمئن على تلك العاصمة التي أوتنا ومخيماتنا في تلك الفترة كانت المجموعات التابعة لدول هامشية تتجهز للاحتفال بالنصر على أبواب العاصمة دمشق... أجابني بسرعة: "ستنتصر سورية وتنهزم قطر" قلت: وعلى ماذا تراهنون؟ أجاب: على الجيش السوري وحزب الله وإيران سألته: وهل هذا يكفي لحسم معركة يشارك فيها كل الكون وينقلون رجال من كل العالم؟ قال: إذا لم يكف سنستدعي روسيا.. وكان شيئاً غريباً حينها، وقد جرى استدعاء الحليف الروسي بعد ثلاث سنوات، وسألته: وإذا لم تحسم روسيا المعركة؟ قال ستأتي القوات البرية الصينية.. والنتيجة أن لدى الحلف السوري قراراً بألا تسقط دمشق ولم تسقط.
العرب يعودون إلى سورية محاولين التكفير عن واحدة من أبرز خطاياهم الكثيرة عندما تآمروا عليها باستثناء دول معينة لم تستهوها لعبة الشطرنج الدامية بعد أن انهزم خيارهم ومالهم ورجالهم الذين تم نقلهم بالباصات الخضراء بهد أن أهدروا 40 مليار دولار تحدث عنها رئيس وزراء قطر السابق ونجحوا في إحداث كل هذا الدمار وكل هؤلاء المهاجرين وكل هذا الموت لكنهم انهزموا.
بماذا تحتاج سورية العرب بعد هذه التجربة والخذلان الذي لا مثيل له.. لقد طعنوا سورية من الخلف وأسالوا دمها في وضح النهار ولم تكف سيوفهم عن القتال والقتل حتى آخر سوري لولا الحليف الروسي لكانت لا تزال المجموعات المدعومة تعيث خرابا، فسورية لديها حلفاؤها الذين صدقوا معها وقاتلوا كي تبقى سورية الواحدة الموحدة الدولة القومية دون تقسيم.
يحق لسورية أن تفرض شروطها إن عاد المهزومون للصلح، فقد انتصرت دمشق وها هو جيشها يصل "منبج" بعد أن حوصر في العاصمة قبل سنوات، يحق لها أن تطلب ممن يريدون استعادة العلاقات معها ثمن إعادة الإعمار وثمن الدماء وتعويضات عن كل شيء خسرته سورية.
قبل أن أنهي هذا المقال رأيت تسجيلا سابقا للشيخ العريفي وهو يجند ويدعو الشباب للقتال في سورية وأن يذهبوا هناك للانضمام لإخوانهم ضد الجيش العربي السوري طبعا، تذكرت الشيخ القرضاوي في إحدى خطب الجمعة وهو يدعو أميركا لضرب سورية "لله"، هكذا عندما انتشر شيوخ الفتنة فأحدثوا كل هذا الدمار.. لم نعد نسمع لهم صوتاً وهذه بشارة ولكن هذا الدم الذي سال في عاصمة العرب يجب أن يدفع ثمنه..!
بقلم/ أكرم عطا الله