غزة حارسة القضية الفلسطينية، وخزان المقاومة المتفجر كرامة، وهي حاضنة الأمل الفلسطيني، وهي صلب المشروع الوطني المناهض للصهيونية، وجاحد من ينكر ذلك، بل وخائن لكل فلسطين من يخذل غزة، ويطعن الوجود الفلسطيني المقاوم في الخاصرة، لأن غزة المقاومة ملك لكل الفلسطينيين، وتقع مسؤولية حمايتها ورعايتها وتطورها وازدهارها على عاتق كل القوى السياسية والتنظيمية والمجتمعية، وعليه؛ فإن كل من ينفض يده من غزة، ولا يسهم في حل مشاكلها ومعانة سكانها، هو خارج الصف الوطني؛ حتى ولو صلى الصبح إماماً في مسجد.
غزة بحاجة إلى كل أبناء غزة قبل أن تكون بحاجة إلى كل ابناء فلسطين، وأبناء الأمة العربية والإسلامية، ولا عذر لتنظيم سياسي، أو شخصية وطنية، أو مؤسسة مجتمعية؛ لا تشغل بالها ليل نهار بأحوال الناس في غزة، ومستقبلهم المعيشي والسياسي في ظل تفرد القيادة الفلسطينية بالقرار، وتعمد احتقار أهل غزة، وتجويعهم، وتهميش القوى الوطنية والإسلامية الفاعلة.
وكي لا يظل الحديث في إطار التنظير الشفوي، فإن غزة بحاجة إلى أهلها كلهم لاتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بأحوال الناس المعيشية في غزة، وهذه المسؤولية لا تقع على عاتق حركة حماس لوحدها كما يتوهم البعض، وكما يتهرب البعض من مسؤولياته، ويلقي بعبء المرحلة على الانقسام، وكأن الانقسام الذي لم يبلغ سن الرشد هو الأب الشرعي للفشل السياسي الفلسطيني الممتد على كافة المحاور قبل الانقسام بسنوات طوال، وهذه الحقيقة تفرض على كل القوى الوطنية والإسلامية أن تتوافق على تحمل المسؤولية الجماعية عن احوال الناس المعيشية في قطاع غزة، بعيداً عن المناكفة السياسية، وبعيداً عن الحصص التنظيمية، والتحالفات التي لا تنفع الناس، وتصب في صالح هذا الحرب او ذاك التنظيم.
إن التوافق الوطني على إجراء انتخابات نقابية، ومجالس محلية، ومؤسسات أهلية، تشارك فيها كافة جماهير قطاع غزة، بهدف فرز شخصيات وطنية محلية، تمثل الناس خير تمثيل، وتعتبر واجهة سياسية لمخاطبة جامعة الدول العربية، والعالم الخارجي باسم أهل غزة، في عملية البحث عن سبل فك الحصار، وإيجاد البدائل العملية للعقوبات المفروضة على أهل غزة، ولهذه القيادة الحق بالتواصل مع أهلنا في الضفة الغربية، لخلق جسم وطني سياسي قادر على إحداث التغيير الجوهري في تشكيلة القيادة السياسية التي خرقت السفينة، وكسرت مجاديف المقاومة.
قد يقول البعض: إن هذه الدعوة، بمثابة انفصال عن الضفة، وفيها قطع للعلاقة مع بقية الأطراف الفلسطينية، وقد تكون مدخلاً لمزيد من العقوبات على غزة، وقد تدفع قيادة السلطة للتعجيل في فرض المزيد من القرارات الانفصالية، وهذا كلام صحيح، لا شك فيه، إذا كان هنالك من يراهن على حسن نوايا قيادة السلطة الفلسطينية، ومصداقية قرارتها وتصرفاتها الميدانية والسلوكية تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام.
على كل عاقل وحريص على الوطن فلسطين أن يقول للمخطئ: أنت مخطئ، وأوقعتنا في الزلل يا أيها المخطئ، وتعالوا جميعاً لندقق في واقع الحال الفلسطيني على مدار السنوات الماضية، ألا يفرض عليكم هذا الواقع البائس بأن تشكوا في حسن نوايا هذه القيادة؟ ألا يفرض عليكم التعاون الأمني والتوسع الاستيطاني المطمئن بأن تكون ثقتكم بهذه القيادة نسبية؟ إن الشك بحسن النوايا ليفرض على كل عاقل وحليم أن يبادر إلى إنقاذ غزة بمشروعها المقاوم، كخطوة أولى على طريق إنقاذ الضفة الغربية والقدس، وإنقاذ القضية الفلسطينية ككل.
وتأكدوا أن الشعب الفلسطيني ذكي، يفقه السياسة أكثر من السياسيين، ولم يعد يصدق الأكاذيب والشعارات، والمقاومة من خلال الشجب والإدانة، فالمشهد جلي لكل متابع محايد، يدرك أن فلسطين كلها دون مقاومة غزة ستصير "إسرائيل" دولة غاصبة تحرص على تصفية اسم فلسطين بشكل ناعم ناعس، ويدرك المتابع أن لا رد على مشاريع التصفية إلا بالانتصار لمشروع المقاومة؛ الذي يصرخ باسم كل فلسطين، وعلى كل فلسطيني: قضيتنا سياسية وطنية قومية إسلامية إنسانية أخلاقية، وليست قضية تكسب وتربح وامتيازات تنظيمية وشخصية.
د. فايز أبو شمالة