الترحيل الصامت..

بقلم: جاك يوسف خزمو

منذ أن احتلت اسرائيل القدس العربية في حرب حزيران 1967 وهي تحاول قدر الامكان، وبشتى الطرق والوسائل، التخلص من سكانها ومواطنيها الاصليين رغم أنها بعد قرار ضم المدينة المحتلة الى اسرائيل منحتهم بطاقة الهوية الزرقاء التي كان يعتبرها كثيرون هوية مواطنة، لكنها هوية اقامة دائمة فقط استناداً الى قانون هجرة الأجانب الى اسرائيل لعام 1952، أي أن من يحمل بطاقة هوية القدس هو أجنبي من ناحية فعلية، وهذا ما تأكد بعد أن صودرت بطاقات الهويات من حوالي 15 ألف مقدسي بحجة الاقامة خارج حدود البلدية الاسرائيلية للقدس لمدة سبع سنوات.

وبعيد انتهاء حرب حزيران 1967، تواجدت أعداد كبيرة من حافلات النقل في ساحة باب العمود، وكان مسؤولون اسرائيليون يشجعون على من يريد النزوح الى الجانب الشرقي من النهر، فالحافلات ستنقله وبالمجان. وقد أصيب بعض المقدسيين بالذعر وكانت أنفسهم ضعيفة، وتركوا القدس، وأصبحوا نازحين.

وفي أواسط السبعينات بدأت سياسة أخرى للتخلص من أبناء القدس العرب حينما طبق قانون يمنع جمع شمل أي رجل تزوج من امرأة مقدسية، وعليها أن تقدم طلبا لذلك، وهذا يحتاج الى معاملات طويلة الأمد، وغالباً كان يُرفض الطلب. وذلك بعد ان كان الشبان الذين يعملون في الخليج يأتون الى القدس في زيارة صيفية لها ويتزوجون للحصول على بطاقة الهوية الزرقاء، إلا أن ذلك توقف عبر تطبيق هذا القانون، وبالعكس، فان المتزوجات من هؤلاء الشبان بدأن بفقدان بطاقة الهوية الزرقاء لأنهن تواجدن واقمن خارج حدود بلدية القدس أو في مناطق الضفة الغربية. وفي بداية القرن الحادي والعشرين سنت اسرائيل قانونا جمدت بموجبه قانون جمع الشمل حتى لعرب الداخل 1948.

ويجب ألا ننسى أن قانون مصادرة بطاقة الهوية الزرقاء من المقدسيين المقيمين خارج حدود القدس لمجموع سبع سنوات صدر بهدوء وبصمت ومن دون أي ضجة اعلامية في أواسط السبعينات، ولم يطبق إلا بعد توقيع اتفاقيات اوسلو وبعد أن أقام عشرات الآلاف من أبناء القدس في ضواحيها (الرام، أبو ديس، العيزرية.. الخ) وبالتالي اذا أرادت اسرائيل الفصل النهائي عن الضفة الغربية فان سكان هذه المناطق سيخسرون حق الاقامة في مدينتهم، لذا نرى أن عددا كبيرا منهم عاد ليقيم في القدس، ولو في غرفة صغيرة، للحفاظ على حق الاقامة، في حين أن كثيرين لم يهتموا لذلك وفقدوا هذا الحق، وبخاصة أبناء وبنات القدس المقيمين والمقيمات في الخارج بسبب العمل!

هناك كثيرون هاجروا الى الخارج هروباً من الوضع، أو تشجيعاً من منظمات مشبوهة، أو من خلال التضليل، وخير دليل على ذلك هجرة واسعة من ابناء القدس المسيحيين للخارج، اذ كان عددهم عام 1948 حوالي 25 الفا، أما اليوم فلا يصل الا لحوالي تسعة آلاف على الاكثر! وما زالت اجراءات المضايقة والملاحقات المتنوعة بحجة الضرائب المتنوعة مستمرة وهذا الوضع يبث روح اليأس في بعض الشبان الذين يلجأون للهجرة الى الخارج.

تعاني القدس من حالة ترحيل تدريجي هادىء خبيث، وما زالت اسرائيل تسن وتشرع قوانين عديدة تهدف الى ترحيل أبناء القدس وخاصة كل من يناضل ضد احتلالها لهذه المدينة المقدسة، واضافة لذلك فان معاناة أبناء القدس الاقتصادية ورحيل المؤسسات عنها ما زالت مستمرة، كما ان الترحيل عنها ما زال مستمراً.

أبناء القدس يشعرون بأن التعامل معهم أو الوقوف الى جانبهم حقاً وحقيقة هو مجرد شعارات في مواجهة العقلية العنصرية الاسرائيلية وخاصة لليمين الاسرائيلي المتطرف والمتشدد والمسيطر على الحكم الذي يريد السيطرة الكاملة على المدينة دون سكانها الاصليين. فهل هذه العقلية العنصرية تملك أي منطق عندما يطبق على أبناء القدس قانون هجرة الاجانب الى اسرائيل لعام 1952. فهل أبناء القدس هم من احتلوا اسرائيل أم ان اسرائيل هي التي احتلت أراضيهم.

الترحيل التدريجي الصامت الهادىء والخبيث مستمر وبحاجة الى علاج وفي أسرع وقت، وعلى من يريد الوقوف الى جانب أبناء القدس فعليه أن يجد العلاج لهذا "المرض" الخبيث قبل أن يستفحل، ويفقد العلاج فاعليته!.

بقلم/ جاك خزمو