خلال تجواله بين الحقول التقى بزميله الفلّاح، تبادلا أطراف الحديث، افتخر وتباهى كلّ بزرعه وحمدا ربّهما؛ "الله مِنعمْ ومفَضِّل"، يعرف كلاهما الآخر منذ سنين عديدة، فاتفقّا على توزيع ما يزيد من المنتوج على المحتاجين وعابري السبيل، بفتح بسطَة. بذل كلّ منهما قصارى جهده، من مال ووقت وطاقة إيجابيّة من أجل إنجاحها رغم العقبات والصعاب التي حاول كثيرون رميها في طريقهم.
ذاع سيط البسطة في قرى البلاد، القريبة والبعيدة، ممّا شجّع مزارعي الجوار أن يعرضوا ما تبقّى من منتوجهم على المحتاجين وصار يُشار لها بالبنان، رغم محاولة الشامتين والحاقدين. كلّ محاولات المتسلّقين، وهم كُثُر، الصعود على تلك العربة وعرقلة مسيرتها باءت بالفشل.
بعد عدّة شهور قرّرا زرع حقل مشترك يحوي النباتات، خضار وفواكه، ممّا لذّ وطاب، وبذلا جلّ طاقاتهما لإنجاح ذاك الحقل.
اثمرت النباتات وترعرعت وصار حقلّا مثاليًّا أمَّه الجميع، القاصي والداني، مُبدين ومعبّرين عن دهشتهم من نجاحه ومردود ثماره.
حاول كثيرون الاستثمار في الحقل وعرض خدماتهم، ولكنّهما رفضا كل محاولات التمويل المشروط والاحتواء. أصبح الحقل قدوةً ومثلًا يُحتذى به. وصار محط أنظار تقليد لنجاحه، ولكن محاولاتهم البائسة باءت بالفشل.
مرّت السنون والحقل ينمو ويزدهر ويترعرع، الكثيرون يتوافدون على البسطة ويئمّونها، ينعمون من ثمارها وعطائها. فجأة بدا ذبول بعض الخضار والنباتات؛ وباءت كلّ محاولاتهما لإصلاح الوضع بالفشل، فكان لا بدّ من اللجوء لخبير زراعيّ، وبعد الفحص والتمحيص والتجارب توصّل إلى وجود نبتة الخروع التي تغلغلت في الحقل، وإلى جانبها نبتة الدفلة الجميلة، عاثتا بالحقل فسادًا. أخبرهما المرشد أنّه لا بدّ من اجتثاثهما كي لا يُفسدن الحقل بكامله ويموت ميتة بطل رواية "منزل الموت المتربص" لأغاتا كريستي.
أقلقهما ما حصل، حاولا علاج الدفلة والخروع بالحسنى لاجتثاث سمومهما القاتلة، عوضًا عن اقتلاعهما، من أجل إنقاذ الحقل بكامله لإيمانهما بما يقوله المثل الفرنسيّ: "الزهرةُ لا تفكّر بمنافسة الزهرة المجاورة لها، هي فقط تُزهِر"، لأنّه حلمهما ومشروع حياة لا تُفسده دفلة جميلة دخيلة أو خروعة خبيثة.
بقلم/ حسن عبادي