إشكالية قانون الضمان الاجتماعي بين الحاجة والواقع

بقلم: أسامة نجاتي سدر

من حقنا أن يكون لدينا قانون للضمان الاجتماعي يضمن للعامل في المؤسسات الخاصة والعامة عيشا كريما في شيخوخته، ويكفل للمصاب أثناء أو خارج العمل العلاج والعناية الطبية والعيش الكريم في حال عجزه، ولعل هذا الطلب يقع على رأس أجندة النقابات المهنية واتحادات العمال، والأهم أن يناقش بنود هذا القانون ويضمن نزاهته ويراقب تنفيذه نواب الشعب في البرلمان، وأي اختلاف في هذا يعد مؤامرة على العامل وإنقاص من حقوقه.

تهتم الدولة بجميع رعاياها وتضمن لهم العيش الكريم في جميع مراحل حياتهم، وتعتمد لتمويل ذلك على مواردها الأساسية والاقتطاعات التي تقتطعها من رواتب موظفيها وصندوق الضمان الاجتماعي، هذا الصندوق الذي يمكن أن يلعب دورا مهما في تنمية الاقتصاد وزيادة دخل الدولة وخلق فرص عمل جديدة من خلال تشغيل رأس المال في مشاريع تشرف عليها الحكومة ويراقبها البرلمان، وبذلك يدعم استقرار الدولة ويغذي ميزانيتها.

لا يختلف اثنان أننا لم نحقق حلم دولتنا الحرة والمستقلة بعد، بل إننا لا نملك رؤية واضحة لوجودها وسماتها والمعادلة الإقليمية والدولية التي توصلنا إليها، ومن يُغفل العدو الصهيوني من حساباته إما عميل أو متغابي، حذر الرئيس محمود عباس بحل السلطة ووضع خيار الدولة الواحدة قيد البحث بخطابه في الأمم المتحدة، وهدد المبعوث الأمريكي لعملية السلام جيسون جرينبلات بإيجاد بديل للسلطة الوطنية الفلسطينية في حال استمرارها برفض الضغوط الأمريكية، وتتوالى اجتياحات الجيش الإسرائيلي لمدن الضفة الغربية بما لا يدعنا ندعي السيادة على أي شبر منها، ويصرح قادة الاحتلال بأن مخطط إعادة احتلال غزة جاهز وينتظر التنفيذ في أي لحظة.

ما زال الانقسام بين فتح وحماس يمنع الحكومة من بسط سيطرتها على غزة، وتخلق المناكفات السياسية جوا يمنع من توحيد القرار والعدل في تنفيذ الأوامر والقوانين بين الضفة وغزة، والأدهى هو فقدان الشرعية لأي قرار سياسي أو حكومي بسبب عدم إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية منذ 2006 وتعطيل عمل البرلمان الوطني الفلسطيني، فلا وجود لمرجعية تراقب عمل الحكومة وتقوِّم أفعالها وتحافظ على ثروات الوطن ورأس ماله، وتمثل المواطنين وتدافع عنهم.

ما يصلح لدولة تنام قريرة العين تحت سلاح جيشها الوطني الحر لا يصلح لدولة لا جيش لها، ويحكم أجهزتها الأمنية اتفاقيات تكبل قدراتها وتمنعها من أداء وظيفتها الأساسية في حماية الوطن والمواطنين أحيانا، ما يصلح لدولة تملك اقتصادها وتتحكم بمقوماته لا يصلح لدولة يعتمد اقتصادها على معونات الدول المانحة، ويسيطر عدوه على معابر البضائع والأفراد، ومن أهم روافده أجرة العمال الذين يعملون في أرض عدوه، ويستهلك شعبه الكثير من منتوجات العدو ومستوطناته، ما يصلح لدولة موحدة ومستقرة سياسيا يطبق على جميع أراضيها قانون واحد ودستور واحد، وتملك برلمانا منتخبا يمثل جميع فئات الشعب ويدافع عن مصالحه ويراقب إقرار القوانين وتطبيقها، لا يصلح لسلطة تسعى لاعتراف العالم بها كدولة تعاني من انقسام قاسٍ ومبنى برلمان خاوٍ من أي جدال أو نقاش حول مصالح الشعب والوطن، أما نقاباتنا التي يجب أن تدافع عن حقوق الناس وتنظم الاعتصامات والاحتجاجات دفاعاً عنها، فهي نقابات مسيّسة تهتم بالمناكفات السياسية أكثر من مصلحة منتسبيها.

وكأن قانون الضمان الاجتماعي أُهدي إلينا من دولة أخرى ولم يُطق المشرّع الفلسطينيّ عناء تعديله، وكأن ما ينطبق على دول العالم الحر ينطبق علينا في فلسطين؛ ونحن أقدم دولة محتلة في العالم، وكأن شعبنا يعيش في ترف الحياة الحرة الكريمة وكل مقدراته بيده، ولا يخوض ثورة في سبيل الحرية والاستقلال والكرامة وأرضه بكل ثرواته ومصادر دخله مرهونة بيد المحتل، وكأن الحكومة أقدمت على إسقاط الكفاح المسلح والمقاومة الشعبية؛ أو نسيت أن وقودهما هو دم شباب الوطن أسرى وجرحى وشهداء؛ وتريد إنكار دورها في مآزره أهل الأسير ورعاية الجريح وضمان عيشة كريمة لأهل الشهيد.

أقر هذا القانون في ظل حالة من عدم الاستقرار بسبب الانقسام وغياب الأفق السياسي بما فيها المؤامرة الدولية التي يطلق عليها صفقة القرن، وغياب برلمانٍ منتخبٍ يمثل أبناء الوطن في الداخل والخارج، ودون أن يأخذ حقه من النقاش المجتمعي والمؤسساتي، وقد اشتمل على نقاط لم تراعي ثورة شعبنا المستمرة ضد المحتل، ومع إيماننا بالتفاوض كوسيلة لتحقيق ما يصبو إليه شعبنا إلا أننا لم ولن نسقط الكفاح المسلح، وهو مع ذلك يحتاج إلى مراجعة لقانون العمل الفلسطيني ككل وتطبيق بنوده على جميع أرباب العمل والعمال، ثم وضعه قيد الحوار والبحث من ممثلي أصحاب العمل ونقابات العمال لإقراره وفرض بنوده بمرسوم رئاسي.


أسامة نجاتي سدر