العنوسة

بقلم: آمنة الدبش

العنوسة : كلمة تحمل في طياتها الاجحاف والظلم لمكانة المرأة في المجتمع وتنزل كالصاعقة على روح الفتيات وبما تحمله من اساءة نفسية وضغط اجتماعي .

سنسلط الضوء وندق ناقوس الخطر بتحقيقنا التالي عن ظاهرة العنوسة في المجتمع الفلسطيني والمجتمعات العربية
عانس... لقب يقلق المرأة العربية.

لقب " عانس " مصطلح يطلق على كل من تعدى سن الزواج ذكرا كان ام انثى الا انه يستخدم غالبا بين النساء ، كلمة تسمعها الفتاة وان كانت في بداية ربيع عمرها، فتسمع صداها هنا وهناك من خلال المحيطين بها..

تساؤلات عدة تترد بهذا الموضوع :.
* ما ذنب تلك الفتاة التي لم يهبها الله زوجا..؟
* لماذا يعاقبها المجتمع بإلصاق هذا اللقب القاسي اليها..؟
* لماذا يعتبر المجتمع الفتاة الغير متزوجة فتاة منبوذة او غير مرغوب بها..؟
ترافق المرأة القاب كثيرة تؤثر فيها سلبا وتحملها مسؤولية ذنب لم ترتكبه وعيب لم تكن لها يد فيه..
اذا تأخرت في الزواج تحمل لقب "العانس"، وحين تتزوج وينتهي زواجها بالفشل تحمل لقب " المطلقة" وحين لا تنجب تكون "عاقرا" وحين تنجب البنات تسمى " ام البنات" .
القاب نبذت من ثقافة المجتمع واصبحت وصمة عار تحملها المرأة رغما عنها ..

* يختلف مفهوم العنوسة من مجتمع لأخر

في المصطلح الشعبي بكثير من البلدان العربية يطلق على التي لم تتزوج بعد ان تبلغ سنا معينا لقب " البايرة " كما في بلاد الشام ومصر وهو ذات التعبير الذي يطلق على الارض فيقال "بارت الارض" أي فسدت ولم تعد تعطي ثمرا، وهذه اشارة واضحة الى ان الفتاة التي بلغت السن الذي حدده المجتمع ولم تتزوج لا تستطيع الانجاب او على الاقل تكون خصوبتها ضعيفة، الفتاة "البايرة " ليس لها قيمة او وزن فيلحقها الاهمال والعار وتشعر بالوحدة وترى نفسها عبئا على اسرتها وعلى المجتمع بأسره..
لكن الامر يختلف في المجتمعات الغربية بحيث لا يطلقون على من تأخر بها الزواج انها عانس بل غير متزوجة ولا يشعرون بظاهرة العنوسة مثل المجتمعات العربية نظرا لان الزنا عندهم ليس محرما، بل تظل المرأة تعاشر الرجل معاشرة الازواج سنوات طويلة وقد تنجب وفي النهاية قد يقرران الزواج او الانفصال هكذا بكل بساطة...
في مجتمعنا الفلسطيني بعض الفتيات تؤمن ان لقب " مطلقة " افضل من لقب " عانس" فالمطلقة كان مرغوب فيها ولم يحدث توافق بينها وبين زوجها اما العانس غير مرغوب فيها والسبب الاساسي هو ضغط المجتمع لهذا تلجأ الفتاة لإرضاء المجتمع من ثم اهلها..
تكمن مشكلتنا ليست في العنوسة نفسها انما في مفهومها عند الناس ولأننا لا نربط سعادة الفتاة الا بزواجها ، وقد نحكم عليها بالعنوسة والتعاسة.
سن العنوسة
لا يوجد سن محدد نستطيع ان نصف فيه الفتاة بانها اصبحت عانسا فهذا يختلف من مجتمع لاخر و من ثقافة لأخرى، ففي المجتمعات البدوية او الارياف فانهم يعتبرون العانس كل بنت تخطت سن العشرين بلا زواج وتتزوج اغلب الفتيات صغار السن، بينما المجتمعات المدنية والتي ترمز بالتحضر والتقدم نجد ان هذا السن يرتفع ليشمل كل فتاة تجاوزت الثلاثين ففي الدول الاوربية يصل الى 40 عاما، وكما تختلف نظرة العنوسة من مجتمع الى اخر فهي تختلف من اسرة الى اسرة ايضا فالأسرة تقلق بعد تخرج ابنتها من الجامعة دون ان تتزوج بعدها بعامين ويزداد القلق خاصة في المجتمعات العربية مع ارتفاع سن الزواج.
الدين الاسلامي لم يضع سنا معينا للزواج حيث تزوج الرسول صلى الله علية وسلم من السيدة خديجة وهى اكبر منه بسنوات كثيرة مؤكدا بان السن ليست المعيار الاساسي للزواج وانما اخبرنا رسولنا الكريم
( تنكح المرأة لأربع لدينها ومالها وجمالها وحسبها فاظفر بذات الدين تربت يداك)
لهذا كشفت احصائيات قامت بها اذاعة هولندا العالمية ان فلسطين قد سجلت اقل نسبة عنوسة في الوطن العربي بنسبة 7% فقط من نسائه، واوضحت الدراسات ان نسبة العنوسة تتفاوت من بلد الى اخرى في لبنان نسبة العنوسة 85% والامارات 75% والعراق وسوريا 70% وتونس 62% والسعودية والاردن 45% ومصر والمغرب 40% والبحرين 25%..

*معادلة الجمال والعنوسة
الغريب في معادلة < الجمال والعنوسة> ان العلاقة بينهما في الماضي كانت عكسية فكلما ارتفعت معدلات الجمال في القرية او المدينة انخفضت نسب العنوسة لكن هذه القاعدة تغيرت تماما منذ اكثر من 30 عاما واصبحت العلاقة بين الجمال والعنوسة طردية ، فلبنان التي تعتبر عاصمة الجمال العربي اصبحت اكثر الدول العربية التي تشهد معدلات عنوسة مرتفعة لهذا الجمال لم يكن مقياس للعنوسة...
من اغرب الحالات حالة (سهير) تقول لقد تحول جمالي الي نقمة علي ، قد سمعت من احدى اقربائي يخشى العرسان ان يتقدموا لخطبتي لأنني جميلة قالت احدى جاراتي انها لا ترضى ابدا ان يتزوج ابنها من فتاة جميلة فتتحكم فيه وتسيطر علية وان الانسان العاقل لا يتزوج فتاة مثلك بلا عيب فاذا تشاجروا بماذا سيعيرها وبهذا كتب علي ان احمل لقب " عانس " وان اعاني من الوحدة والحرمان وهذا لأنني بلا عيب.

*ناقوس الخطر
بعض الاهل كانوا اذا تخطت الفتاة سن الرابعة والعشرين من العمر فمعناه ان ناقوس الخطر بدأ يدق وان هناك مشكلة تحتاج الى حل سريع...
(نداء ) فتاة في الرابعة والعشرين ، جامعية وعلى قسط لا بأس به من الجمال في بداية عمرها اسهم اهلها والمجتمع في زرع الخوف بداخلها من حمل لقب "عانس " تقول لا اشعر باي سعادة في اوقات كثيرة واتمنى لو ان ترتسم على شفتي الابتسامة واشعر انني غير محظوظة، اصبحت افكاري مشتتة وغير قادرة على اتخاذ القرار الصحيح، بدأت اسلك طريقا مغايرا تماما للهروب من دوامات القلق واليأس، اتجهت لطريق معاكس عن شخصيتي وافكاري وهو اللجوء الى طريق الشيوخ باعتقاد اهلي انني تحت تأثير سحر او عمل معمول وهو السبب في تأخر قدوم الخطاب ، فكان ذلك غصب عني مجبرة لإرضاء اهلي والمجتمع..
اصبح المجتمع يشعرها بأنها لم يعد امامها امل بالارتباط وعندما قلت لها في سياق تحقيقي عن ظاهرة العنوسة
انك شابة والفرصة مازالت امامك ...؟
قالت وقد ارتسمت معالم الاحباط على وجهها " يا ستي أي فرصة وانتي ما بتعرفي ان البنت في قطاع غزة بتعنس على العشرين"
طرحت عليها سؤال هل تفضلين ان يطلق عليكي لقب عانس ام لقب مطلقة..؟
الاجابة كانت واضحة هى تفضل ان يطلق عليها لقب عانس من ان تمر بتجربة فاشلة وقاسية تندم عليها طيلة حياتها...
هل نظرة الرجل الى العنوسة تختلف عن نظرة المرأة....؟
كلمة عانس وهى كلمة الصقها المجتمع بالفتاة لكي يحرجها بها فتضطر للموافقة على من لا يرغبه قلبها، اما الرجل فلا يعيبه شئ حتى لو بلغ من العمر عتيا، انه لا يعاني من اثار العنوسة كما تعاني منها المرأة بدليل انه يستطيع متى شاء ان يتزوج الفتاة التي يريد وبالعمر الذي يريد فهو الطالب وليس المطلوب بينما الفتاة لا تستطيع ذلك لأنها محكومة بعمر زمني معين، لذلك لقب" عانس " ينبغي ان يحذف من قاموس لغتنا العربية..
( محمد )26 سنة شاب غير متزوج مهندس جرافيك يقول يعيش الشباب في هذه الايام وضعا ماديا صعبا يواجه من خلاله جملة اشكاليات بداية من البحث عن مسكن مناسب، مرورا بوظيفة تضمن له راتبا شهريا ثابتا ، انتهاءا بتكاليف الزواج التي اصبحت مرتفعة بشكل جنوني كل هذه المشكلات كفيلة بانتشار نسبة العنوسة وعدم التفكير من الاساس في الزواج.
الاسلام جعل للمرأة الحق في ان ترث حقا خالصا وملكا من املاكها تتصرف فيه كيف تشاء دون منازعة او اذن من احد لكن بمعظم العائلات وخاصا من يمتلكون الاراضي والعقارات هناك فتيات يعانين من ضغط الاهل الذي يصل في بعض الاحيان الى التقليل من شأن الفتاة وحرمانها من ميراثها حتى لا تستقل بحياتها.
الى قصة اخرى طالب فيها شقيق ( حنان ) اخته بالتوقيع على ورقه تنازل عن حقها في ميراث والدها كي يسمح لها بالزواج وحين رفضت التوقيع حرمها الزواج، وهو يمارس عليها ضغوطا لإجبارها على التنازل عن ميراثها ، كما تمارس زوجته عليها ضغوطا بجعلها خادمة في المنزل حتى تتنازل عن الارث.
من هنا تزداد نسبة العنوسة بقطاع غزة بين العائلات التي لها اسم ووزن في المجتمع...
مما لا شك فيه ان هناك اسبابا اخرى عديدة تقف وراء ارتفاع وتفشي هذه الظاهرة في غزة والدول العربية .. صحيح ان بعض هذه الاسباب قد تختلف من مجتمع لآخر وبين دولة واخرى ، لكن الغالب الاعم من هذه الاسباب يظل قاسما مشتركا بين مختلف المجتمعات العربية في اغلب الاحيان
لهذا توجهت الى مديرة دائرة المرأة السيدة يسرا حمد لسؤالها عن ظاهرة العنوسة واسبابها واثارها على المرأة..
قالت في سياق الموضوع ظهرت في الآونة الاخيرة ظاهرة عزوف الشباب الغزي عن الزواج خصوصا بين فئة الشباب الذين تجاوزوا من العمر 30 عاما ولم يستطيعوا اكمال نصف دينهم كونهم عاشوا ظروفا اقتصادية وامنية صعبة.
ظاهرة العنوسة تقف ورائها عدة عوامل منها:
1- العامل الاقتصادي
وهو يؤثر في قرار الرجل من ناحية قدرته على تحمل مصاريف المهور الغالية والقدرة على بناء عائلة وتلعب البطالة دورا مكملا فانحسار الوظائف وفرص العمل امام الشباب اصبح هاجسا يؤرق كل طالب عمل..
2- العامل الاجتماعي
انتشار التعليم واكمال المرأة لمستويات عليا من التعليم احد اسباب تأخر زواجها
والغريب ان ارتفاع مستوى المرأة علميا ومهنيا يؤثر في تأخر زواجها في مجتمعاتنا
معظم العوانس من النساء حاملات لدرجتي الماجستير والدكتوراه
3- العامل النفسي
المبالغة في الاوصاف المطلوبة تؤدي الى تأخر سن الزواج عند الجنسين اي
وضع شروطا في اختيار الزوجة منها ان تكون متعلمة ثم عاملة او مثبتة في عمل دائم ..
4- العامل الصحي
العزوبة اذا انتشرت في شباب المجتمع اتجهوا الى انحرافات غير سوية تؤدي الى امراض و علاقات مشبوهة كالزنا او الزواج العرفي وهذا العامل من اخطر العوامل لأنه يؤثر تأثيرا سلبيا على حياة الشباب والفتيات بانتشار الانحلال الاخلاقي والمخدرات وغيرها....
تلك العوامل تعمل على تفاقم مشكلة العنوسة في قطاع غزة وبالمجتمعات العربية، لهذا يجب وضع حلول ومقترحات لمواجهة المشكلة والتخفيف من سلبياتها على الشباب والفتيات والمجتمع كله.
الاقتراح الاول: تخفيض المهور وتسهيل اجراءات الزواج ونفقاته بما يتناسب مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية الحالية.
الاقتراح الثاني: تقديم الرعاية النفسية والاجتماعية للعانس خاصة اذا تعرضت لمشكلات مادية او نفسية او اجتماعية مراعاة مشاعرها وعدم تجريحها بالتصريح او التلميح.
الاقتراح الثالث: انشاء " صندوق الزواج" لتيسير الزواج وهذا الصندوق يساهم فيه رجال الاعمال والراغبون في فعل الخير وحماية الشباب، وهذا الامر يجب ان ننهض به من اجل حل ازمة العنوسة.
وننتقل الى حالة اخرى( فكتوريا ) 37 سنة غير متزوجة تعمل في روضة تابعة لدائرة المرأة تقول شخصيا انا لا احب كلمة" عانس " تحمل معاني غير مقبولة نفسيا وانسانيا ويحكم عليها بالعزلة الاجتماعية وتقيم سدودا في العلاقات بينها وبين المجتمع وبالنهاية الزواج قسمة ونصيب ، كل انسان يأخذ نصيبه من الدنيا واحيانا النصيب يتقدم واحيانا يتأخر لحكمة لا يعلمها الا الله
بعض العوانس قد يخرجن من هذه الازمة بطرق ايجابية وبعضهن قد يخرجن منها بطرق سلبية كأن تميل للعنف وربما تتورط في بعض الجرائم نظرا لتراكم الغضب بداخلها من نظرة المجتمع وظلمه لها ،وهذا لا يعني ان كل عانس معرضة بالضرورة لهذا العكس لا ننكر نجاح كثير من العوانس في نشاطات علمية واجتماعية وخيرية وغيرها.
من اغرب الآراء التي صادفتني كان راي "نسرين " 37 سنة غير متزوجة في بداية كلامها قالت العنوسة شيء جميل وانها لا ترغب بالزواج بمحض ارادتها رغم تقدم العرسان لها ومع ذلك فأنها تفضل تحقيق طموحاتها التعليمية والوظيفية لوحدها لان الزواج ليس الطموح الاساسي ولا من الاولويات التي تفكر بها، كلمة عانس لا تؤثر في قراري او في وضعي الذي اخترته لنفسي ولم يرغمني علية احد ، لا اعاد الله الزمن الذي قيل فيه ( ظل رجل ولا ظل حيطة) فالرجل نفسه يعيش الان في الظل وربما في الهامش بعد ما تنازل عن الكثير من ادواره التي كانت عنونا للرجولة والنخوة لهذا اشعر ان السبب الرئيسي للارتباط به لم يعد موجودا.
في ختام التحقيق برزت قضية اجتماعية وهى مشكلة العنوسة هذه القضية التي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم لن تحل بتحقيق ولا بسطور فهي ناتج عن عديد من المشاكل التربوية والاقتصادية والاجتماعية التي ترسخت في مجتمعاتنا ولحل هذه المشكلة لا بد من ان يهب جميع المعنيين للالتفاف عليها والقضاء على هذه الظاهرة واثارها السلبية على الفرد والاسرة والمجتمع ككل. .

المصدر: بقلم/ آمنة الدبش -