عُذرا سايكس بيكو

بقلم: رائد موسى

منطقة سكني في فلسطين في مدينة غزة لها خريطة محددة وتسمى الزهراء، خريطتها الطبوغرافية شكلتها عوامل تاريخية وجغرافية وديموغرافية وسياسية، وايضا لبلديتي عَلم وانتخابات ورئيس شرعي ورئيس غير شرعي وفيها مدارس ونادي ومنتزه ومسجدين وعيادة ومركز رعاية مسنين وجامعتين ومجمع محاكم، كل ذلك حصل بمنطقتي بدون ان يتدخل لا سايكس ولا بيكو.

جرت العادة ان نحمل سايكس بيكو اسباب فشلنا وتشتتنا وتشرذمنا وكأن مشاكلنا تكمن في ترسيم الحدود بين العراق وسوريا والاردن وفلسطين ولبنان وغيرها من دول عربية ! ماذا لو تخيلنا ان سايكس وبيكو لم يرسما الحدود فيما بيننا هل ممكن وقتها ان يتوافق العراقي مع السوري والاردني مع الفلسطيني واللبناني والخليجي على التعايش بدولة واحدة ؟

دول الانتداب والاستعمار قبل ان تمنح العرب استقلالهم رتبوا لهم حدودهم ونظموهم في جامعة الدول العربية لينسقوا شؤونهم فيما بينهم وساعدوهم في وضع دساتير وقوانين تنظم حياتهم، كل ذلك قدمه لنا الغرب كي لا نتصارع ونتناحر ونُهدر ثرواتنا، فالغرب بحاجة لمنطقتنا هادئة الى حد يساعده في تسويق منتجاته لنا وشراء ان لم يكن نهب خيراتنا بشكل سلس.

لو فرضنا ان الحدود فُرضت علينا وابتلينا بها مُرغمين ورسموا لنا اعلامنا، فهل فرض علينا سايكس او بيكو ان نفرض على بعضنا البعض "عدم الممانعة" و "الفيزا" و"التنسيق" من اجل ان نمر - فقط مرور- من بلدان بعضنا البعض !

هل فرض علينا سايكس او بيكو ألا نُقيم سكة قطار بين أي بلد عربي وآخر ! وهل فرض علينا الا نُسير سفينة سفر او بضائع فيما بيننا ! هل فرض علينا ان نفرض الجمارك على بضائع بعضنا البعض ! هل فرض علينا ان نبقى نستورد علب السردين بينما ثرواتنا السمكية فقط تطعمنا الى يوم الدين !

لذلك ارى ان نراجع موقفنا من سايكس وبيكو ونعيد قراءة التاريخ حتى نتأكد هل كانا يستحقان الشكر ام النقمة ؟ وهل ما ارتكباه بحقنا هو سبب مصائبنا ام ان المصيبة منا وفينا ؟

وكي لا نبقى في اطار النقد والتوصيف وجلد الذات أرى اننا بحاجة لخطوات جادة وبسيطة تتمثل في:

اطلاق مشروع خطوط بحرية وخطوط سكة قطارات بين الدول العربية، ولتستلمها شركة صينية او يابانية او مريخية كي لا يفشل المشروع وليربحوا منها ماديا، فما يهمنا ان نربح من فتح افاق حركة وعمل ونقل بضائع ومعارف وتنوير لشبابنا وباقل التكاليف بدلا عن جلوسهم عاجزين في المقاهي، فالخطوط الجوية فيما بيننا لا تصلح الا للسياحة باهظة الثمن.

رفع كل اشكال الفيزا بين الدول العربية مع تحديد مدة اقامة لا تشكل عبئ على الدولة المستضيفة وان كانت لأسبوعين فقط، فأسبوعان كافيان لنشاط تجاري او سياحي او علمي للزائر، اما الموانع الأمنية التي تتذرع بها الدول العربية فهي سخافات ولى عليها الزمن وعفى، فاليوم بإمكان الامن متابعة أي زائر الكترونيا ببصمة العين او من خلال برنامج التعرف على الوجه او بربطه من هاتفه الجوال ومتابعة نشاطه وحركته ومغادرته الكترونيا وباقل مجهود بشري.

اقامة اسواق عربية حرة ومحاولة احياء المناطق الاستراتيجية المهملة من بلداننا بتلك الاسواق لتوسيع رقعة الانتشار البشري على مساحتنا الجغرافية الرحبة بدلا عن التكدس الذي انهك مدننا بلا فائدة.

لتحقيق ما سبق مما نحن بحاجة اليه هو محاورة وتوعية الجمهور العربي من خلال برامج استطلاع رأي وبرامج اعلامية فعالة ليتمكن من تحديد مطالبه ومعرفة كيفية توصيلها وارغام اصحاب القرار على تبنيها ..

ما اراه اليوم ان كل بلد عربي يحاول النجاة بنفسه دون جدوى فالاقتصاديات تتراجع والعملات تنهار والبطالة تتفاقم والفساد يستشري ولا نزال نغرق في خزعبلات الدين والقاء اللوم على غيرنا، واعتقد اننا لن ننجو فرادى ويستحيل ان نتقدم فرادى ويستحيل ان نحرر فلسطين نحن الفلسطينيين وحدنا، وطبعا انا لا اسعى لوحدة عربية رومنسية، انما أرجو وأدعو لتعاون اقليمي، تكاتف وتكامل يساعد اقتصادنا وتطورنا الفكري والحضاري، اسعى لإيجاد سبل اشغال شبابنا بما يفيدهم ويفيد مجتمعاتهم، ولا اسعى لوحدة جيوش عربية تحرر فلسطين انما لاكتفاء ذاتي عربي يجعلنا قادرين على فرض مقاطعة لكل من يستغلنا ويبتزنا ويسلب خيراتنا ويدعم عدونا الصهيوني، فنحن الفلسطينيون اليوم رغم كل ضعفنا وضعف العرب يجب ان نقولها بصراحه ووضوح وفخر اننا بدون دعم العرب الاقتصادي والسياسي لما صمدنا الى اليوم امام الاحتلال الاسرائيلي ولما تفوقنا عليه سياسيا وقانونيا في المحافل الدولية. فقوتنا تكمن في عمقنا العربي لذلك لن ننتصر الا باستنهاض قوة هذا العمق الاصيل.

بقلم/ رائد موسى