حتى كتابة هذه السطور يكون قد مر على اعلان تشكيلة حكومة التوافق سته سنوات بالتمام والكمال، وكما توقعنا وتوقع الكثيرون ان الامور لن تسير على ما يرام، وان حالة الشد والجذب ستبقى هي المهيمنة على صورة المشهد العام الحكومي في الوطن، لأسباب وعوامل بعضها مزمنة وقائمة منذ وقت طويل، واخرى تبرز عند كل منعطف كنتيجة طبيعية للتفاوت والتباين الكبير بين هذا وذاك حول قائمة طويلة من القضايا الكبيرة والصغييرة على حد سواء.
فلقد اتسم المشهد العام الحكومي في الوطن بقدر كبير من الارتباك والضبابية والغموض والتشظي، وهذا أمر طبيعي حينما تغيب الرؤى الإستراتيجية الواضحة لحل ومعالجة المشاكل والأزمات على اختلاف مسمياتها وعناوينها، وحينما تغيب-أو تُغيّب- المصالح الوطنية العامة لحساب المصالح الفئوية الخاصة لدى قوى وكيانات رئيسية في السلطة او الحكومة ومجمل العملية الوطنية والسياسية في الوطن.
ولا نبالغ عندما نقول أنّ الجماهير الفلسطينية تقف اليوم جميعاً عند منعطف حساس وخطير، وعند محطة حاسمة، تتطلب تجنب الوقوع في أخطاء وقع فيها البعض في أوقات سابقة، وهنا لابُدَّ من الفرز بين المناهج الصحيحة والمناهج الخاطئة، وعلينا أنّ نضع معايير وطنية عامة نحتكم إليها لنحسم خلافاتنا واختلافاتنا لنلتقي عند نقطة معينة، ونجتمع على رؤية واحدة، ونحتكم إلى مبدأ التوافق وننأى عن خيار التصادم.
وربما لم نبتعد عن الواقع حينما نصف الوضع القائم بأنه عبارة عن دوران في حلقة مفرغة، كل واحد ينتظر ان يصاب الاخر بالتعب والاعياء ليكون هو الرابح في الجولة، وهذا من شأنه خلق مزيد من الارتباك في الوضع السياسي والوطني وخاصة الداخلي، وترافق مع الارتباك السياسي والوطني والتراجع في كافة المجالات والخدمات، لاسيما الكهرباء وتراجع ساعات تجهيز المواطنين بالتيار الكهربائي بالتزامن مع الانخفاض الحاد في درجات الحرارة، وبروز في مشكلة طفح المجاري وغرق مناطق كثيرة جراء هطول الامطار، ناهيك عن عدم حصول الموظفين على رواتبهم كامله والتقاعد المبكر للعديد منهم وحالات الفقر والبطاله، وقانون الضمان الاجتماعي الجديد والإغلاقات المستمرة للمعابر، كل ذلك اوجد قدرا كبيرا من التذمر والاستياء لدى مختلف اوساط المجتمع الفلسطيني، وهو ما ادركه بعض اصحاب القرار، واخذوا يتحسبون لما يمكن ان يترتب عليه من نتائج سلبية، لذا راحوا يعملون على امتصاص الغضب الشعبي عبر الوعودات المتكررة التي سئم منها المواطنين.
قد لا تكون مثل تلك الخطوات من حيث التوقيت كافية لاصلاح الواقع، لانها لايمكن ان تردم الهوة بين الجهاز الحكومي والمواطنين، ناهيك عن ان المواطن لم يعد يثق بكثير من الوعود التي يطلقها كبار المسؤولي في الحكومة، ويرى فيها نوعا من الهروب الى الامام، اضف الى ذلك فأنه لم تلح اية مؤشرات في الافق على ان المرحلة المقبلة ستكون افضل من سابقتها.
وبعد مرور ستة سنوات، ما زالت قضايا استراتيجية حكومية مشلولة او معلقة، فإن شعبنا وصناع الرأي فيه، ووسائل الإعلام الوطني، تراقب المشهد وتنظر الى ما آلت اليه الامور بعين المراقبة، سيما وأن هذا كله يشهد إرتباكا واضحا يؤثر على حياتهم ومصالحهم، ومن المؤكد أن الإرتباك الذي نعنيه، هو جزء من الإرتباك المؤسسي الحكومي، وثمة أسباب عديدة له، بعضها شكلي وبعضها موضوعي، وثمة أسباب شخصية وأخرى سياسية، لكن من بين أسباب الإرتباك، أن هناك من يتحدث عن الاصلاح والتقويم والتغيير، وهو غير معني بها، فقط يتحدث من أجل أن يقال أنه قد تحدث، وبعضهم يتحدث دون أن يطلع على اي تفاصيل، والخوف هنا إذا أستمر الإرتباك فى هذا المشهد، فإن الخوف من أن نكون على وشك الانتقال إلى مستقبل مقلق، يكون مشروعا، وسينفتح الباب على خسائر أخرى لا نعرف مدها.
اخر الكلام :
يفترض ان يكون برنامجنا القادم هو التخلص من الجهلة في مواقع المسؤولية.
بقلم/ رامي الغف