في ظل ثورة المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا، التي حولت المجتمعات لقرية صغيرة، وفتحت الفضاء الإلكتروني أمام الجميع عبر سهوله وسلاسة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بكل أنواعها الفيس بوك,توتير,الانستقرام,لينكدإن,جوجل بلس وغيرها، وقد أصبح تقريبا لكل الفرد في المجتمع منبره الإعلامي الخاص لتعبير بحرية عن آرائه وأفكاره وتوجهاته نحو القضايا الاجتماعية ولاقتصادية والسياسية والثقافية، وتبادل الفكر والثقافة مع كل رواد صفحاته الالكترونية، بهدف التحرر من القيود والتعبية الإعلامية في التعبير عن وجهات النظر بحرية وبدون قيود، وذلك ضمن معايير ذاتية يضبطها الضمير والقيم والاخلاقيات التي أساسها الانسان نفسه، بحيث تضبط سلوكه حتى لا يمس بحقوق الاخرين ولا يعتدي على حرياتهم وبما يضفى منهج من التعامل ونظام يحفظ الكرامة والحرية الشخصية لكل إنسان يتعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي.
ان المتابع من المختصين في العلوم الاجتماعية والإنسانية يلاحظ بشكل لا لبس فيه تطور العالم الافتراضي والتواصل الاجتماعي بين الناس ليحاكي شخصياتهم وسلوكهم وطباعهم في التعامل مع الاخرين سواء بشكل إيجابي أو سلبي وأصبح هناك الكثير من القضايا التي تستحق الدراسة والبحث وتسليط الضوء عليها، ومن خلال هذا المقال سأضعكم في صورة بعض المشاكل التي تعتري شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية والاجتماعية والتي أصبحت في بعض الأحيان مصدر للإزعاج والاستفزاز للبعض، ومسبب للمشاكل بين الافراد والاصدقاء والعائلات، والتي وصلت حدتها أحيانا للتخوين والاعتداءات الجسدية أو النفسية والتهديد والتصفية بالقتل، وفي اتجاه أخر تشكلت عبر الشبكات العنكبوتية جماعات للضغط لأحداث تغيير ما أو لتمرير مواقف معينة أو لتسويق منتجات أو لدعم حركات اجتماعية وأصبح العالم الافتراضي من أهم أدوات القرن للتأثير بكل أنواعها الإيجابية والسلبية، وهنا سأحاول تسليط الضوء على التجاوزات والمشاكل الاجتماعية التي سجلت لأسباب تتعلق بالمواقع التواصل الاجتماعي والتي دعت بعض المجتمعات لوضع قوانين وتشريعات تجرم أي سلوك عبر الانترنت يمس بحقوق الاخرين وخارج عن القيم والعادات والتقاليد والأعراف وثقافة المجتمع بهدف الضبط ومكافحة الانحراف الالكتروني في العالم الافتراضي، وقد رصدت بعض التجاوزات أود الإشارة لها بشكل سريع بهدف الوقوف عليها ومحاولة فهمها لوضع تصور للتدخل والعلاج من قبل الجميع وتلخص ب:
- نشر المعلومات والاخبار الملفقة والكاذبة والتحريضية ضد مواقف أو قضايا للتوتير وتأجيج الناس حول مواضيع لزرع الفتنة وشحن الأجواء، وخلق حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي وهذا السلوك يمارسه أشخاص إما بشكل منظم عبر مؤسسات مختصة أو بجهل أو بضغينة نتاج أمراض نفسية واجتماعية يعاني منها مرتكبيها.
- التهجم والاعتداء اللفظي على صفحات التواصل الاجتماعي والاستفزاز بهدف التقليل من شأن الاخرين أو لإحباطهم أو للإساءة لهم ولأفكارهم، وهذا يأتي في سياق المحاولة لتكميم الافواه وقمع الحريات الخاصة، وكأن الحق بالتعبير مقتصر على أشخاص دون غيرهم.
- نشر الفضائح وتركيب الصور ومقاطع الفيديوهات، والتعدي على الحقوق الشخصية للخصوم وافتعال الاخبار للإطاحة بهم، وهذا السلوك يمارس أحيانا بشكل منظم في العالم الافتراضي عبر صفحات التواصل الاجتماعي الصفراء لتضليل الناس والمس بأشخاص ضمن أهداف مبرمجة لذلك ومرجعاتهم معروفه، تدير عن بعد حملات التضليل.
- فبركة المواضيع وتسويق الأفكار المضللة حول قضايا اجتماعية أو ثقافية أو حياتية بهدف تسويق صفحات أو مواقع الكترونية لتحقيق مكاسب مالية على حسب المعرفة والمصداقية والحقائق العلمية مما سمم الحقل المعرفي بمعلومات ليست لها أي مصادر علمية موثوقة.
- إقامة علاقات مشبوه ومشوهه مبنية على الكذب وانتحال أسماء وصفات للنصب أو لبناء علاقات غير أخلاقية واستغلال الظروف، وأحيانا يصل ذلك للابتزاز الالكتروني المبني على التهديد والترهيب لتحقيق منافع ومكاسب على حساب الاخرين.
- الاستدراج عبر الصفحات الالكترونية للشباب ومحاولات إسقاطهم في قضايا لا أخلاقية وتوريطهم بقضايا أمنية وسلوكية خطيرة قد تصل لتحطيم شخصيتهم وإغراقهم في مستنقعات الخيانة ووحل الانحراف.
- تشكيل تحالفات بين أشخاص يمتهنون عمل السوشل ميديا لإثارة المشاكل لتحقيق مصالح مادية بدعم ومناصرة جماعات أو أشخاص بهدف التعدي على شخص أو مؤسسة ضمن القرصنة او الاتاوة الالكترونية للاسترزاق ( الفتوة الالكترونية).
- هناك أشخاص يتهجمون بشكل مباشر على الأفكار والآراء لقمع أي فكرة قد تتعارض مع توجهاتهم، فهم يطالبون بالحرية ويمارسون القمع لكل من يتعارض مهم، ومنهم نماذج كثير سياسية وحزبية ومؤسساتية وقبلية وعشائرية....الخ، والاصل طالما حصلت على حقك بالتعبير ان لا تعتدي على حق الاخرين وأن يكون الحوار المهذب سيد الموقف.
الكثير من الإشكاليات تسجل بشكل يومي نتاج استخدام الشبكات العنكبوتية وصفحات التواصل الاجتماعي والتي تتسع في ظل غياب الرقابة وجهل الاستخدام للعالم الافتراضي، فالقاعدة المعممة أنه غير حقيقي وغير محسوس، وهذا ما ورط الكثيرين ووضعهم في مشاكل وقضايا هم في غنى عنها، فنتائجه ملموسة وانعكاساتها على المجتمع وبنيته واضحه للجميع، ولكي نساهم بشكل حقيقي في تعزيز الوعي وتطوير الاستخدام للعالم الافتراضي ولشبكات التواصل الاجتماعي هناك مجموعة من الأفكار التي يمكن أن تساهم في تنظيم هذا الواقع وحماية الحقوق الفردية والحريات منها على سبيل المثال لا الحصر التالي:
- ان يبدأ كل شخص يستخدم شبكات وصفحات التواصل الاجتماعي بنفسه من خلال الإعلان على صفحته الخاصة متضمنه بياناته كاملة وصورته الشخصية، ويراعي الاخلاق والقيم والعادات والتقاليد والضمير الأساس في كل سلوكياته عبر العالم الافتراضي، وان لا يسمح لأي كان ان يتجاوز عبر صفحته، فالصفحات الافتراضية مثلها كمثل البيت في حكم العرف والعادة.
- أن يتم ملاحقة أي شخص يتجاوز الحقوق والأخلاق بالطرق القانونية والنظامية بهدف محاسبته، فأحد أدوات التغيير تطبيق القانون وتجريم المعتدي على حقوق الغير وهذا يؤسس لمدونة سلوك في التعامل عبر الانترنت.
- تعزيز الوعي المجتمعي حول العالم الافتراضي، وتشكيل حمالات توعوية الكترونية هادفة لنشر ثقافة التسامح وتعزيز القيم الإيجابية، وتوضح الابعاد الاجتماعية والإنسانية لشبكات التواصل الاجتماعي لما لها من أثر على الواقع الاجتماعي والبنيوي.
- التوعية والتثقيف لكل المستخدمين مواقع الشبكات وخاصة النساء حتى لا يقعوا فريسة وضحية للاستغلال الإلكتروني والابتزاز المالي أو الأخلاقي.
- رفض التعامل مع كل الأشخاص الذين ينتحلون أسماء أو صفات أو كنايات لا تكشف عن شخصيتهم وصورهم الحقيقية، بهدف مكافحة ظاهرة المزعجين عبر شبكات التواصل، فاستخدام الاسم الحقيقي هو حصانة لصاحبه وللمتواصلين معه، ويضعه تحت طائلة القانون.
- تعزيز لغة الحوار البناء والمهذب في التعامل مع الاخرين، فالناس في العالم الافتراضي بحاجة للرفق والإنسانية بالتعامل، وللكلمة الطيبة والصادقة لبناء الثقة ولتعويض ظلم الواقع.
لا أريد الاطالة ولكن الفكرة أن العالم الافتراضي من الممكن أن يكون ذو فائدة ومنفعة حقيقية ومصدر للتطوير وتعزيز العلاقات الاجتماعية والانسانية اذا ما أحسن استخدامه، وراعى مستخدميه الأصول وحرية الاخرين وحقوقهم الخاصة، بالتعبير عن وجهات النظر والآراء بشكل ديمقراطي متحضر بدون المس بحقوق الغير والتعدي عليهم، وبتقديري ورسالتي - لا يجوز أن تدعو لفعلا وتأتي بعكسه- فاذا ما كنت متحضرا وتقدميا وصاحب رأي حر وصاحب مبادئ وقيم، لا يجوز لك أن تقمع غيرك وتنتهك حقه حريته المشروعة، فهذه القاعدة هي التساوي في الحقوق والحريات للجميع وعدم التمييز، ويكفي تعدي وسوء استخدام لصفحات التواصل الاجتماعي والشبكات العنكبوتية وتحويلها لميادين للعراك والإساءة والتجني والظلم الذي حرم دينيا، وجرم سلوك مرتكبيه بحق أخوتهم بالإنسانية وشركائهم بالمجتمع، فأحد مصادر السعادة في الحياة البشرية العلاقات الاجتماعية والإنسانية السوية القائمة على الاحترام والتقدير.
أخيرا في ظل هذا التطور التكنولوجي يبقى الحوار الاجتماعي وحماية الحريات والحقوق الاجتماعية الأساس في بناء مجتمع صحي وعفي يحمي افراده ويعزز تماسكه أمام التحديات التي تستهدف نسيجه الاجتماعي وتفاعلاته وعلاقاته الطيبة، وتعصف به التحديات في ظل المتغيرات السياسية والظروف الاقتصادية الصعبة والتي انعكست على كل مقومات الحياة، ولا يجوز ان ينكل افراده ببعض بالإساءة وقمع الحريات وتكميم الافواه.
بقلم/ د. سلامه أبو زعيتر