نميمة البلد: بلا عنوان

بقلم: جهاد حرب

خِفّتُ من كتابة عنوان لزاوية نميمة البلد لهذا الأسبوع يختصر حال البلاد ومضمون المقال ذاته لسببين؛ الأول يتعلق بمدى حرية التعبير ومعاييرها لدى النخبة السياسية في البلاد، فلو اقتبس الكاتب عنوان من الصحافة الإسرائيلية في الأسبوع الفارط على سبيل المثال لوصف أعمال أو أقول أحد المسؤولين ك "نتنياهو يتصرف كآخر الزعران" أو "نتنياهو لا يتعلم ولا يرتدع" أو "هستيريا نتنياهو ضد الاعلام" أو "حان الوقت لإسقاط نتنياهو" أو "أولمرت: نتنياهو يغرق وينشر القذارة والاتهامات في جميع الاتجاهات. أو وصف السياسيين "السياسيون الإسرائيليون عبيد للكراهية" أو المؤسسة الأمنية "كل الاحترام لجيش القتل الإسرائيلي"، وجميع هذه العناوين تمت ترجمتها في الصحافة الفلسطينية. أما السبب الثاني فإن النخبة السياسية في البلاد تعتقد أن النقد الموجه لها هو أمر شخصي، لا على أقوالهم وادائهم، ويتحول بذلك الى تصفية شخصية بطرق قانونية وأخرى خبيثة وعشائرية.

 طغت في الأسبوع الفارط أقوال وزير الحكم المحلي في مدينة الخليل وتوضيحاته وتصريحاته على مجمل الاحداث، وفي هذا الأمر فإن اللغة الاستعلائية التي تحدث بها لم تكن لائقة بحق الشعب الفلسطيني ولا بحكومته.  لكن اصراره أنه يتحدث باسم الرئيس الفلسطيني والحكومة دون ردة فعل في هذا الاتجاه يحيل إلى أن النخبة السياسية توافقه الرأي أو انها تتبنى أقوال الوزير وتدعم فكرته.

فالخطاب وفقا لما نشر في الفيديو حمل أولا: لغة استعلائية أي يَمِنُ على الشعب بتقديم الخدمات العامة كالصحة التعليم دون أن يذكر أن حوالي 85% من الموازنة العامة هي من جيب المواطن. وثانيا: استخدام الوزير للمثل الشعبي "ارضينا في البين والبين ما رضي فينا" ومهما كانت التفسيرات اللغوية فإن التفسير الاصطلاحي لهذا المثل سيء للغاية. وثالثا: استخدامه المثل الشعبي "قلبي على ولدي وقلب ولدي عالحجر" في وصف جحود الشعب الفلسطيني للحكومة التي ترعاه وتأويه وتطعمه وتربيه أي ما يعني ان الشعب "عاق" ولا يرد الجميل. ورابعا: فإن وصف قادة الحراك ضد قانون الضمان الاجتماعي يقطنون في مستوطنة كريات أربع فهي سقطة غير قابلة للتصحيح.

وخامسا: تضمن تصريح الاعتذار الذي قدمه الوزير اساءة للمواطنين باتهامهم بعدم الفهم ومحالة التأويل. بالإضافة الى محاولة التضليل بان الشعب ضد قيادته وانجازاته. فهو يعتذر عن التبعات وليس الكلام ذاته، واعتبر ان كلامه تم تحريفه، ووجه الاتهام للناس ان لهم اجندات وغايات. وسادسا: القول عبر وسائل الاعلام انه "تاريخي ومؤسس" لا يخضع للمساءلة فيها استعلاء وخروج عن قواعد الحكم ورفض مبدأ المساءلة في الحياة العامة. وسابعا: إثر الإعلانات في الصحف والتصريحات وكذلك التعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحول الامر الى خطاب مناطقي يعزز الانقسام الجغرافي ويقوي الاتجاه العشائري بديلا عن المؤسسات المدنية التي سعى الرئيس الفلسطيني والحكومة على مدار سنوات طويلة لتعزيزها.

وثامنا فإن لجنة التحقيق التي شكلها رئيس الحكومة لم تصدر توصياتها المتعلقة بتصريحات وزير الحكم المحلي بعد أسبوع على تشكيلها على الرغم من أن الفيديو واضح ولا يحتاج الى توضيحات أو تأويلات وجلسات تحقيقية.

في ظني أن قبطان السفينة ومساعديه عادة يمنعون ثقبها ويتخلصون من الأحمال المرهقة التي تزيد من احتمالات الغرق. فالقيادة الحاضرة تتلمس هموم شعبها وتتحسس أو هي حساسة لتوجهاته ومطالبه ولا تسمح باستعداء شعبها.  ومن غير المعقول التمسك بشخص يُخرب على الانجازات التاريخية للقيادة التي تحققت على مستوى العالم وترؤس سيادة الرئيس لرئاسة المجموعة ال 77 +الصين، والذي يعتبر حدثاً تاريخيا هاماً يضاف للإنجازات السياسية التي حققتها دولة فلسطين، وذلك بحرف البوصلة عن مسارها وبوضع شرخ بين القيادة الفلسطينية والحكومة والشعب الفلسطيني العظيم وزعزعة الثقة بينهما.

بقلم/ جهاد حرب