بسم الله الرحمن الرحيم
يلعب الاعلام بصفه عامة دورا مؤثرا وفعالا في حياة المجتمعات على جميع الأصعدة والاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وقد تخطى فكرة نقل الاخبار والاحداث ونشر المواقف والمعلومات، ولا يخفى على أحد دوره التعبوي والمتطور في تعزيز الوعي الجماهيري والمحرك لاتجاهات الناس نحو مختلف القضايا، وخاصة ذات البعد التغييري والنضالي المطلبي المرتبط بشرائح وفئات المجتمع بتنوعهم.
وعند الحديث عن واقع العمال بما يمثلون من شريحة كبيرة في المجتمع وتربطهم مصالح، وقضايا وهموم مشتركة؛ لابد من وجود إعلام قوي ومؤثر يستطيع التعبير عن مواقفهم وتوجهاتهم وارسال رسائل قوية ومؤثرة ضمن الرؤية والخطاب النقابي الإعلامي، لإبراز دور الحركة العمالية النقابية في رسم السياسات الوطنية، وكشريك في العملية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، وهنا تأتي أهمية الاعلام النقابي الذي يعد أحد أشكال الاعلام المتخصص في الجانب النقابي العمالي، حيث يجمع بين الاختصاص في عرض القضايا العمالية والنقابية ومشكلاتها، ومواقفها الوطنية والتزاماتها ومساهماتها الاجتماعية الاقتصادية والسياسية والثقافية، كجزء أصيل من المجتمع باعتبارها تمثل السواد الأعظم والأكثر تأثيرا في واقع مجتمعها.
لقد ارتبط مفهوم الاعلام النقابي بنشأة التنظيم النقابي؛ حيث اهتمت التنظيمات العمالية منذ تكويناها ونشأتها بالأعلام كأحد وسائلها النضالية لإيصال رسالتها في مختلف الاتجاهات، وخاصة للإعلان للقواعد العمالية عن الأنشطة والبرامج التي تقوم بها والقضايا التي تتبناها، والمطالب التي تناضل لتحقيقها بما ينسجم ويستجيب لتطلعات وطموحات وآمال العمال، ولكن هذا الدور الإعلامي ظل مقتصرا على الشكل التقليدي المتمثل بنقل الأخبار التي تنشر عبر الصحف والمواقع التقليدية والمجلات، والتي أصبح تأثيرها ضعيف مع الوقت، وفي ظل تطور التكنولوجيا وظهور الفضائيات وقنوات الاعلام الجديد والمواقع الالكترونية، وقد تشكل إعلام مضاد وموجه لصناعة الرأي العام حول أي موضوع او قضية يريد إيصالها بغض النظر عن مدى مصداقيتها وحقيقتها وصحتها، وهذا ما يقوم به الاعلام المنحاز لأصحاب الاعمال والرسماليين، الذي يصور ما يقدموه وما يقوموا به من مواقف وأعمال وأنشطة تمثل العدالة في توزيع الثروة، وأنهم مناصرين وداعمين للحقوق العمالية من وجهة نظرهم، وماهي محاولات لذر الرماد في العيون؟!، بهدف أن تظل الحركة العمالية أسيرة مستكينه لسلطة رأس المال؛ يتحكم بها فارضا شروطه ومصالحه في سوق العمل، طالما قانون العرض والطلب هو سيد الموقف وحملات التضليل والتخويف تحاصر مطالبهم وحقوقهم الاجتماعية، وهنا تكون الحاجة والضرورة لأهمية وجود الإعلام النقابي المضاد بدوره، ليتبنى قضايا الحركة النقابية والعمالية ومصالحها والدفاع عنها؛ وتشكيل رأي عام لدعم مواقفها من خلال العلاقة المباشرة والوثيقة معها، وبالتفاعل وتلمس وتسليط الضوء على القضايا والحقوق العمالية، لما تتعرض له من هجوم مستمر ودائم عبر الوسائل الإعلامية المنحازة والمأجورة والتي تروج لمصالح مالكيها من رؤوس الاموال المال وتوجهاتهم، فالمعركة مع رأس المال وما يمثله من مصالح ومنافع وتعظيم للأرباح على حساب حقوق العمال، مستمرة في ظل غياب القوانين والتشريعات التي تحمي الحقوق الاجتماعية للعمال، وضعف والمتابعة والتنفيذ والرقابة على سوق العمل، وغياب الوعي تجاه مشاكل العمال وحقوقهم، في ظل الظروف والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي أضعفت دور العمل النقابي ومؤسساته وقدرته على مواجهة التحديات الإعلامية وجشع وتغول رأس المال، ويعود ذلك لعدة أسباب تتعلق بضعف الدور الإعلامي النقابي، ومدي قدرة التنظيمات النقابية على تعزيز دورها الإعلامي بنشر رسالتها وتشكيل رأي عام وتحشيد مواقف وتحالفات مساندة لنضالاتها، ومن أبرز الإشكاليات للأعلام النقابي:
- عدم الاهتمام الجدي بالأعلام النقابي في كل المستويات النقابي، ووجوده في الهياكل النقابية شكليا لا يتعدى المسميات، وهذا أضعف قدرته للقيام بدوره وأداء وظيفته المناطة بالهدف.
- غياب الإمكانيات والمراكز والمختبرات والوسائل الإعلامية المتخصصة في أبنية المؤسسات النقابية العمالية.
- عدم وجود مراكز علمية وبحثية متخصصة لرصد قضايا العمل والعمال، واصدار التقارير الدورية العلمية والمنهجية لدعم الخطاب الاعلامي النقابي، بسند منهجي يعزز الرؤية والاستراتيجية النقابية في الدفاع عن الحقوق النقابية.
- ضعف نشر الأخبار النقابية عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، سواء الرسمية وغير الرسمية إلا فيما ندر، ويعود ذلك لعدم الاهتمام بقضايا العمال باعتبارها لا تحقق مصالح أو مكاسب أو منافع مادية عليها، وليست ذات أولوية في القضايا المجتمعية للانتشار والتسويق من وجهة نظر المؤسسات الإعلامية التي تسعى للربح والدعاية التي يشتري خدمتها رأس المال.
- غياب المصادر والمرجعيات المتخصصة التي يمكن أن تزود المؤسسات الإعلامية بالأخبار النقابية والعمالية.
- ضعف مواكبة التطورات التكنولوجيا وعصرنة المؤسسة النقابية بتحديث ادواتها وتقنياتها في الاتصال والتواصل وخاصة استخدام وسائل التواصل في العالم الافتراضي.
- ضعف الكادر البشري المختص والمدرب على الاعلام النقابي، وضعف القدرات والمهارات الإعلامية لدي النشطاء في المجال وهذا واضح في الأداء الإعلامي.
- غياب الخطة الإعلامية النقابية وضعف الاشراف والمتابعة والرقابة في الهيئات النقابية على الجانب الإعلامي وغياب التقييم والتقويم الدوري للأداء الإعلامي للمؤسسة النقابية.
تتعدد الأسباب والاشكاليات لضعف الاعلام النقابي، وعجزه من القيام بدوره الأساسي في الحفاظ على مكتسبات الحركة النقابية ومنجزاتها، وتعزيز دورها النضالي والمطلبي، بما يساهم في نشر المفاهيم والقيم النقابية التي من شأنها ترويج وترسيخ الأسس البنائية والأخلاقية للعمل النقابي والعمالي، بهدف نشر الوعي العمالي والجماهيري، وتنمية الحس الوطني والمجتمعي نحو قضايا العمال عند كل متلقي لرسالة الاعلام النقابي، بتبني طرح القضايا العمالية، وتقديمها بصورة مبسطة وشاملة للجمهور، وتزويدهم بالمعلومات والاخبار والاحداث والمواضيع المتعلقة بالعمل النقابي، ووضعهم في كل جديد على الصعيد المحلي والدولي، ومتابعة كل الإجراءات والقرارات التي من شأنها المس بالحركة العمالية والنقابية، بهدف التحشيد والمناصرة والضغط والتأثير من أجل وقف هذه المظاهر أو الحد منها، والمساهمة في تطوير وحماية العمال النقابي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال خطوات لتطوير الاعلام النقابي ودوره منها:
- إعطاء أهمية للجانب الإعلامي النقابي وتوفير الإمكانيات واعداد الكوادر النقابية المتخصصة والقادرة على تحقيق الهدف الإعلامي ورسالة التنظيم النقابي العمالي.
- تنظيم الدورات والندوات التي تهتم بتطوير الإعلام النقابي، لتعزيز مهارات وقدرات الكادر الإعلامي النقابي ليكون قادرا على النهوض بالجانب الاعلامي وتبني قضايا ومشاكل العمل وهموم والعمال بجانب القضايا المجتمعية العامة.
- ضرورة تطوير برامج وأدوات ووسائل الاعلام النقابي ومواكبة التحديث والتطور التكنولوجي السريع في خطواته، وبناء مواقع الكترونية على الشبكة العنكبوتية، وإنشاء المجلات والصحف إلكترونية، وصفحات التواصل الاجتماعي بهدف نشر نشاطاتها وتطلعاتها.
- العمل على تطور الأسلوب والطرق والأدوات لنشر الخطاب والرسالة الإعلامية النقابية والتي أصبحت تعتمد أكثر على الصورة والاختصار والرموز.
- ضرورة تنسيق العمل بين كافة المستويات والنقابية والإدارية وتطوير قنوات الاتصال والتواصل بهدف الوقوف على الخبر والحدث عبر التقارير والاتصال الناجح بين كافة المستويات ومأسسة العمل بما يساهم في نقل التجربة ونشر الاخبار حول الأنشطة والبرامج النقابية.
- انشاء مركز متخصص رصد الانتهاكات والتعديات حول قضايا العمل والعمال على جميع الأصعدة كمصدر للمعلومات والبيانات الموثوقة لتغذية البيئة الإعلامية والباحثين والمهتمين بالعمل والعمال.
- وضع خطة استراتيجية للأعلام النقابي مساندة لاستراتيجية العمل النقابي، بهدف تطوير العمل وايصال الرسالة الإعلامية والتشبيك مع المؤسسات الإعلامية لتوسيع نطاق الانتشار للأخبار النقابية والعمالية وتشكيل قوة تأثير في الرأي العام حول قضايا العمال.
- انشاء مختبر صحفي متطور يشرف على تدريب واعداد كادر متخصص ويصدر عنه كل ما هو اعلامي نقابي بشكل علمي ومنهجي منظم وهادف.
إن الإعلام النقابي وايصال صوت الحركة العمالية ضرورة وتحدي يجب أن يكون بمستوى وحجم تضحيات العمال ودورهم الاجتماعي، للمساندة في المعركة التي يخوضونها مع المتجبرين من رؤوس الأموال من جهة، ودورهم الوطني في مواجهة الاحتلال والدفاع عن القضايا العمالية والحقوق الاجتماعية والحماية من المخاطر، بحيث يصبح هذا الإعلام النقابي المنبر الحقيقي للعمال ونقاباتهم لطرح قضاياهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحقوقية والديمقراطية، وهذا سيساهم بشكل أساسي في تعزيز الحركة النقابية العمالية ودورها في المشاركة بصياغة السياسات الوطنية والاجتماعية، بما ينسجم مع توجهات العمال وتطلعاتهم وآمالهم، وطبيعة القضايا التي يطرحونها بشكل مباشر وغير مباشر عبر هيئاتهم النقابية والعمالية، مما يدعم وقوي موقف القيادات النقابية في إدارة المعارك المطلبية لصالح القواعد العمالية القطاعية وتحقيق المكاسب المرجوة وتوفير الحماية الحقوق الاجتماعية للعمال.
• د. سلامه أبو زعيتر
عضو الأمانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين